أكاديمين عن الموازنة: راتب الموظف أجر أم معونة اجتماعية؟.. المواد المدعومة يستهلكها الأغنياء .. و الحكومة لم تقدم الدعم بمعناه الحقيقي
أكاديمين عن الموازنة: راتب الموظف أجر أم معونة اجتماعية؟.. المواد المدعومة يستهلكها الأغنياء .. و الحكومة لم تقدم الدعم بمعناه الحقيقي
السبت 17-11-2018
- نشر 6 سنة
- 5508 قراءة
لطالما كان موضوع الدعم محط أنظار المواطن السوري الذي كان ولا يزال يبحث عن صيغة أو آلية تخفف عنه عبء غلاء الأسعار وانخفاض الدخل، لكن على ما يبدو أن نسبة الدعم المقدرة لموازنة 2019 لم تختلف عن سابقاتها على أرض الواقع ولم تلب آمال وطموحات المواطن الذي عول كثيراً على دعم يسد من خلاله رمقه ويخفف عن كاهله الارتفاع الجنوني في الأسعار.
رأى الدكتور شفيق عربش (أستاذ جامعي ومدير مكتب مركز الإحصاء سابقاً) أن موضوع الموازنات شائك، لأن إعداد الموازنة بالنسبة للحكومة يعتبر عبئاً ترغب في أن تتخلص منه بسرعة، ليأتي اجتماع المجلس الأعلى للتخطيط بعد أن تكون جميع الاتفاقيات بين الجهات العامة والجهة المنوط بها إعداد الموازنة قد تمت، ومن ثم يتم الاتفاق على أرقام يكتشف من خلالها بأن الموازنة كانت في واد والواقع بواد آخر، مبيناً أن الموازنة في كل عام تتضمن كتلة تسمى كتلة الدعم الاجتماعي وهي كتلة يمكن وصفها بالوهمية، مشيراً إلى أن الدعم في سورية لم يحقق أي غاية من الغايات التي أوجد من أجلها ألا وهي دعم المستحقين للدعم.
وأشار عربش إلى أن الجزء الأكبر من الدعم يتجه باتجاه من لا يستحق الدعم، لأن بعضاً من هذه المواد المدعومة يستهلكها الأغنياء الذين لا يستحقون الدعم؛ بعشرات أضعاف ما يستهلكه الفقراء، موضحاً أن الدعم في سورية مشوّه والحكومة تدعي أنها ترصد أرقاماً للدعم بجميع أشكاله من دعم الخبز والدعم الزراعي ودعم صندوق المعونة الاجتماعي الذي يرصد له سنوياً 10 مليارات لا ينفق منه ولا قرش.
وشدد عربش على أنه ليس لدى الحكومة أي أسس علمية واضحة؛ ليس فقط في تحديد مقدار الدعم لكل قطاع، وإنما في كل بنود الموازنة.
رداء قانوني لتغطية الهدر
رأى عربش أن الدعم يمثل رداء قانونياً لتغطية بعض عمليات الهدر التي تحصل، موجهاً تساؤله للحكومة: هل راتب الموظف في سورية هو راتب حقيقي أم إنه معونة اجتماعية؟. مشدداً على أن الحكومة لو أرادت أن تنتهج نهجاً اقتصادياً صرفاً فعليها أن تقيم كل شيء بقيمته الاقتصادية.
وعن الدور المنوط بصندوق المعونة الاجتماعية أكد عربش أن هذا الصندوق أحدث في مرحلة من المراحل أتى خلالها بعض أعضاء الحكومة آنذاك بتجارب وأفكار جديدة وكان عبارة عن «بروظة» لفريق حكومي استمر حتى بداية الأزمة، وحاول هذا الفريق الحكومي الاستعانة بتجار واختراعات فشلت في جميع دول العالم، مشيراً إلى أن صندوق المعونة الاجتماعية فشل في معظم دول العالم.
وأشار عربش إلى أنه ليس من الممكن إحداث هيئة خاصة بالدعم أو إنشاء صندوق للدعم لأن جميع الهيئات التي تم إنشاؤها سابقاً فشلت في أداء مهامها، والأسلوب الناجح لإدارة الدعم يتم من خلال معرفة لماذا تدعم، وماذا تدعم، ومن تدعم؟
السلع المدعومة مستوردة
رأى عربش أن معظم السلع المدعومة حالياً هي سلع مستوردة وأن الجزء الأكبر من الطحين إضافة إلى المشتقات النفطية هو مستورد، مشيراً إلى أنه في موازنة 2018 كان سعر الدولار 500 ليرة سورية وأصبح في موازنة 2019 بـ435 ليرة بمعنى أن سعر الدولار انخفض بنسبة 13 بالمئة ومن ثم من المفترض أن ينخفض مبلغ الدعم، بل على العكس ارتفع مبلغ الدعم لأن الحكومة ترى بأنه من المفترض عليها أن تزيد مبلغ الدعم كل سنة عن السنة التي سبقتها بغض النظر عن أي اعتبار آخر، فالدعم برأي عربش هو بند من بنود الموازنة التي تقرها الحكومة فقط لا غير.
وأكد أن زيادة حصة المواطن في الدعم لا تتم بزيادة كمية الأموال التي تدفع له، بل عن طريق زيادة الدعم المادي للخدمة التي تقدم له ومن ثم يكون الدعم أفضل ويتم إيصاله لمعظم الذين يستحقونه، مشيراً إلى أنه لا انعكاسات ايجابية على المواطن من زيادة الدعم في الميزانية المقدرة لعام 2019.
الدعم حقق المأمول
رأى الدكتور علي كنعان (أستاذ جامعي ومدير سابق للمصرف الصناعي) أن الدعم بإطاره النظري يقتصر على تقديم مساعدة اجتماعية أو اقتصادية لمن يستحق، بهدف زيادة استهلاكه إذا كان مواطناً أو زيادة إنتاجه إذا كان تاجراً أو صناعياً، ومن ثم فإن الدعم موجود في جميع موازنات دول العالم، إذ إنه لا دولة في العالم ليس لها بنود في ميزانياتها لدعم الفقراء أو العاطلين عن العمل أو التجار والصناعيين، فالدعم حالة طبيعية موجودة في كل دول العالم، لكن إذا تطرقنا إلى الدعم الذي خصصته الحكومة في سورية للمواطنين نرى أنه حقق المأمول منه والأهداف المطلوبة نسبياً، لكن الحكومة السورية لا تستطيع مع إمكاناتها المتواضعة أن تقدم الدعم بمعناه الحقيقي، وإنما تقدم دعماً مقبولاً استناداً إلى إمكانياتها المادية ومستوى الضرائب واستناداً إلى الميزانية، كما أنها لا تستطيع أن تقدم دعماً للفقراء والمحتاجين إلى حد الإغناء أو إلى حد تأمين مستوى معيشي لائق، إنما تقدم الرمق الضعيف وهو أضعف الإيمان، فمن الأفضل أن تحقق مساعدة ولو كانت بسيطة تدعم فيها الأسر والشرائح الفقيرة في سورية.
وأشار كنعان إلى أن هناك أسساً متبعة لتحديد نسبة الدعم المخصصة لكل قطاع، فعندما قامت الحكومة بتأسيس صندوق الدعم الاجتماعي وضعت أسساً معينة، وبناءً عليها أصبحت تقدر عدد الفقراء وعدد من يستفيدون من هذه الصناديق ومن ثم لا تلاعب في موضوع الأسس أو المستفيدين.
وأضاف: نرى الكثير ممن يهاجمون هذه الصناديق لكن من دون التطرّق لأسسها ومبادئها، طبعاً الأسس جيدة وسليمة ووضعت في فترة ما قبل الأزمة، ولا تزال مستمرة حتى الآن لتقدم شيئاً للأسر، لكن هذا الدعم مازال قليلاً وبالحدود الدنيا، نظراً للأزمة التي تمر بها سورية، ومع ذلك إذا قارنّا الدعم في حجم الموازنة يظهر أن حجم الدعم كبير جداً، لكن نحن الآن بحاجة إلى موازنة تفوق 20 مليار دولار وليس 9 مليارات دولار، لأن جميع القطاعات الآن تحتاج إلى مساعدة، ولكن إذا بقينا في إطار تقديم الدولة الدعم المحدود واعتماد المواطن على هذا الدعم؛ فلن نتقدم إلى الأمام، لذا فالمطلوب الآن هو أن توسع الدولة الإعانات والاستثمارات الزراعية والصناعية لتشجع القطاع الخاص على المبادرة وتأسيس ورشات ومصانع تشغل اليد العاملة وتزيد الإنتاج.
وأكد كنعان أن المعونة الاجتماعية اليوم يجب أن تكون كبيرة، لكن الحكومة تأخذ مقياس الراتب، أي إن القائم على رأس عمله بكفاءة شهادة من الدرجة الثانية (بكالوريا) يتقاضى راتباً يبلغ 18 ألف ليرة! فكم ستقدم الحكومة إذاً للعاطل عن العمل أو الفقير؟ فالحكومة تأخذ هذا المقياس وبناءً عليه يمكن أن تقدم 5 آلاف أو 7 آلاف ليرة كمعونة، فتجدها نسبة كبيرة من دخل القائم على رأس عمله، لكن هذا الفقير يحتاج إلى أكثر من ذلك، مبيناً أن هذا الأمر كان جيداً قبل الأزمة ومتناسباً مع الإمكانات الموجودة والمعونة الاجتماعية، ومناسباً للفقراء، إذ إن هذه المساعدات المخصصة للصندوق عند تأسيسه كانت تعتبر جيدة، أما الآن ومع التضخم الذي تجاوز 1000 بالمئة مقارنة مع ما قبل الأزمة؛ فقد أصبحت المبالغ التي تقدمها صناديق المعونة الاجتماعية مبالغ قليلة ولا تفي بالغرض، فإذا أعطيت الفقير سلة غذائية أو قدمت له بعض المفروشات فأنت لا تقدم له الحد الذي يكفيه وإنما كمساعدة، ولذلك تظهر هذه المساعدة للدارسين والمقيمين أنها قليلة وقليلة جداً، ومن المفروض إعادة النظر إليها وزيادتها لأن أسعار الحاجات والسلع ارتفعت ومن ثم فإن الحكومة يجب أن تكون أعلى من هذا المستوى.
وبين كنعان أنه يفضل الإعانة المادية على الإعانة الغذائية وتقديم المفروشات، لأن هذه المساعدات العينية يحصل فيها تلاعب أما المساعدات المادية فهي بعيدة من التلاعب.
ولفت إلى أن صندوق الدعم الاجتماعي ليس معطلاً، ويتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي وضعت أسماء من يستفيدون من هذا الدعم لكل مدينة، ولكن المشكلة في موضوع السلل الغذائية، فالحكومة وضعت في ذهنها أن تقدم للفقير سلة غذائية، لكن المبلغ المادي أسهل للدولة وأفضل للفقير، لذلك يجب على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تقوم بإعادة الدراسة للبلدات والمدن وتجرد من جديد أسماء العائلات الفقيرة، وتحدد لهم مبلغاً مادياً وليس مبلغاً عينياً لأن المبلغ العيني هو الفساد بعينه.
مطلوب من الحكومة
أوضح كنعان أنه يجب على الحكومة أن تحدد من يعمل من المواطنين وما طبيعة عمله، علماً بأن هذا العمل في كل دول العالم منوط بمؤسسة الرقم الوطني التي تجرد كل المواطنين وتحدد لكل شخص ماذا يعمل، فإذا أصبحت هناك قاعدة بيانات لكل مواطني الدولة؛ سيكون من السهل على وزارة الشؤون الاجتماعية أن تدخل إلى موقع المؤسسة وتأخذ رقماً جاهزاً لمن ليس لديهم عمل، وتحدد الأماكن التي يوجدون فيها، والمبالغ التي تجدها مناسبة حسب الإمكانات.
ورأى أن هذه الانطلاقة حتى الآن غير متوافرة، فليس لدينا مؤسسة رقم وطني، وليس لدى الحكومة حصر للمواطنين لجهة من يعمل ومن لا يعمل، ومن يملك ومن لا يملك، لكنها عملية بسيطة جداً لأن السجل العقاري كله مؤتمت اليوم، وكذلك السجل العام للموظفين، ومن خلالهما يتبين إذا كان الشخص موظفاً ومالكاً لعقار أو لا، وبذلك يمكن تحديد من سيدخل بالمعونة الاجتماعية.
وشدد كنعان على أنه يجب إحداث هيئة على مستوى سورية وهي هيئة المساعدة الاجتماعية ويتم تأسيس فروع لها في المحافظات، وكل فرع في كل محافظة يكون قادراً على إحصاء الفقراء وتحديد من يستحقون المساعدة، ومن ثم تسهم في حل هذه المشكلة، لذلك أقترح تأسيس هذه الهيئة العليا للمساعدة الاجتماعية على مستوى سورية في عملية إعادة الإعمار.
واعتقد كنعان أن الدعم في الفترة الحالية مقبول وليس سيئاً، وتحاول الحكومة جادة أن تحسن ظروف هذا الدعم وتزيد المبالغ المخصصة له، لكنها محكومة بالإمكانات المتوافرة لديها والظروف العسكرية القائمة، إضافة إلى عدم إمكانية دخولها للمناطق، لكن الآن أصبحت جميع المناطق تقريباً مفتوحة للحكومة وأصبحت نسبة كبيرة من الأراضي تحت سيطرة الدولة، ومن ثم يجب أن تبدأ خطط لدراسة الفقراء والعاطلين عن العمل، وأن تنطلق بخطة دعم للمستقبل تكون أفضل من الخطة الحالية، ومن كل مفتش وموظف رقابة.
وبين أن الحكومة حالياً تحاول تأمين الضروريات، ومن ثم تعتقد أنها قادرة على تأمين هذه الاحتياجات وتغطيتها من خلال الميزانية، ومن ثم لم تخصص مبالغ دعم كبيرة لمناطق إعادة الإعمار لأن خطة الإعمار يجب أن توضع على مستوى سورية، فيتم تحديد احتياج كل محافظة من المحافظات وتُقر من الدولة لتصبح قانوناً، فخطة الدعم لا يجوز أن تكون مرسومة من بلدية أو محافظة، بل يجب أن يتم حصر الأضرار لكل محافظة من المحافظات ثم توافق عليها الحكومة ليصدر قانون يحدد احتياجات كل منطقة لتبدأ الحكومة بعدها بالتنفيذ، لكن حتى الآن لم يجر العمل بهذا الإطار لأن العملية السياسية والعسكرية في أواخرها، والحكومة الآن ليست بصدد البدء بمشروعات الإعمار لأن الإعمار يحتاج إلى خطة وقوانين.
الوطن