77 مليون دولار لا تجد من يعيدها إلى الخزينة.. شركة اتصالات كندية تنصب على مؤسسة الاتصالات بالتواطؤ مع شركاء كبار ما زالوا طلقاء!
غبار كثيف يغطي إضبارة «ريتش تيليكوم» بعد أعوام على إخفائها عمداً على ما يبدو، إلى أن نفض الغبار عنها خلال الأسابيع الماضية في وقت أعاد القضاء فتح الملف من جديد، وتتبعت «الأيام» خلال بحثها أبعاد أغرب ملف سرقة للمال للعام ظهر إلى العلن، حيث بدأت أسماء المتورطين المحليين تتكشف شيئاً فشيئاً، وبالوقت ذاته برزت مفاجآت مدوية، فالجناة أو (الحرامية الكبار بالمصطلح الشعبي) أحرار طلقاء يسرحون ويمرحون داخل البلد وخارجها، من دون أن تشار إليهم أصابع الاتهام، وبحوزتهم ملايين الدولارات المسروقة. بداية «الغيث» بتاريخ 5-5-2005 وقّعت المؤسسة العامة للاتصالات في حينه، (الشركة السورية للاتصالات حالياً) مذكرة تفاهم مع شركة كندية وهي (ritchtelecom)، حيث يمثل هذه الشركة الأجنبية مديرها العام الإقليمي أحمد العبد الله، أردني الجنسية، والهدف من مذكرة التفاهم تحرير مكالمات دولية إلى الجمهورية العربية السورية، وذلك للحصول على اتصالات دولية بجودة ونقاوة عالية، ونتيجة لعدم التزام الشركة الأجنبية بتنفيذ هذا التعهد، لحق ضرر بالمال العام مقداره 77 مليون و975 ألف و460 دولاراً أمريكياً. أحيل الموضوع للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، للتحقيق. وصدر تقريرها التفتيشي في عام 2012، وهنا تذكر مصادر رفيعة المستوى بأن تأخر التقرير التفتيشي كل هذه المدة غير مبرر على الإطلاق، ومن الممكن إنهاء الملف خلال أيام إن لم تكن ساعات، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب التأخير، إلا أن بعد صدور التقرير التفتيشي تم بموجبه تأسيس قضية تحقيقية أمام قاضي التحقيق المالي. إحياء الملف من جديد… بعد إهمال الملف على الرفوف لسنوات عديدة من دون وجود أعذار منطقية، أعاد قاضي التحقيق المالي الأول بدمشق فتحه في 2017 بعد أن تبين أن اسم المدعى عليه مدير الشركة الأجنبية المتعاقد مع الدولة هو اسم ثنائي، كما هو وارد في التقرير التفتيشي ومذكرة التفاهم الموقعة مع مؤسسة الاتصالات، ولاستحالة محاكمة شخص باسم ثنائي كون محاكمته لا جدوى منها لتشابه الأسماء الثنائية وتكرارها بشكل كبير، تمت مخاطبة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي خاطبت بدورها وزارة الاتصالات والتقانة والشركة السورية للاتصالات ووزارة الداخلية وإدارة الهجرة والجوازات لمعرفة تفاصيل اسم المدعى عليه، ولكن تعذّر عليهم معرفة مفصّل اسم المدعي عليه، إلى أن تمت معرفة مفصّل اسم المدعى عليه، مدير الشركة الأجنبية، بعد جهود شخصية لقاضي التحقيق المالي، وتم تسطير مذكرة توقيف على الغياب بحقه عن طريق الإنتربول الدولي، بحسب ما ذكرت المصادر القضائية. 6 «سنت»… بالتمام والكمال! تصرح مصادر رفيعة المستوى وعليمة بتفاصيل القضية أن مؤسسة الاتصالات أجرت مناقصة لبيع مليار دقيقة بـ 6 سنت لصالح شركة «ريتش تيليكوم» الكندية، لكن المفاجأة أن من يملك الشركة هو السوري (ف.ب) والأردني أحمد العبد لله، كما أن شركة «ريتش تيليكوم» هي عبارة عن غرفة مستأجرة في كندا، يملك سجلها التجاري هذان الشخصان. ثم صدقت المذكرة في تلك الفترة من الوزير بعد توقيع المدير العام والمدير التجاري، وما حصل فعلياً بأن شركة «ريتش تيليكوم» لم تسدد المبالغ المستحقة، حتى خلال أربعة أو خمسة الأشهر التي نفذوا فيها المذكرة بين 2005 وأول 2006. أسماء من لحم ودم! وتؤكد مصادر موثوقة أن أحمد العبد لله ليس اسماً وهمياً وإنما هو اسم حقيقي، وظهر عبر التلفزيون السوري في عام 2007. ونتيجة التحري تبين أن المدعو (ف.ب) وكيل شركة «ريتش تيليكوم» صرح للصحافة في الفترة التي وقعت مذكرة التفاهم فيها، بأن سورية هي أول دولة تقنن الاتصالات عبر بروتوكول الإنترنت، وتحدّث عن المناقصة التي حصلت، وهنا بدأت الخيوط تتوضح بأن هناك مناقصة وقعت، حيث دخلت مذكرة التفاهم نطاق التنفيذ بأول تشرين الأول 2005. وزارة الاتصالات طلبت حينها من المؤسسة العامة للاتصالات العقد الموقّع، فقالوا بأنهم لا يملكون العقد، لكنهم أوضحوا بأن هناك مذكرة تفاهم، وعند طلب هذه المذكرة، كانت المفاجأة أيضاً بأن «المؤسسة العامة للاتصالات» لا تملك نسخة عن مذكرة التفاهم الموقعة مع شركة «ريتش تيليكوم»، إلا أن المذكرة ظهرت بعد صد ورد بين الجهات الحكومية. وبعد أن كشف ملف فساد «ريتش تيليكوم» تم الطلب بقطع كل خطوط ودارات «ريتش تيليكوم» بما في ذلك أجهزة مركبة في «مقسم النصر» ضمن غرفة ألمنيوم خاصة! وتشير مصادر متقاطعة أن أحمد العبد الله كان يجب أن يدفع المبلغ المترتب على الشركة وهو بحدود 77 مليون دولار ولو حُسب فوات العوائد لأصبح المبلغ أضعافاً. وتقول المصادر المتقاطعة إن أحمد العبد لله لم يكن نصاباً محترفاً، بل كان يرتدي بدلة بمقاسات كبيرة وعدة نصب فاشلة، لكن المفاجأة الكبرى بأن العبد لله لم يكن إلا واجهة لشركة «ريتش تيلكوم» التي يملكها (ف. ب). ويتساءل مراقبون مطلعون على الملف: كيف استطاعت الحكومة أن تحصل على مفصل السجل التجاري لشركة (ريتش تيليكوم) بتكلفة أقل من 100 دولار، في حين لا نستطيع أن نعرف من هو العبد لله؟؟ بينما ما زالت «ريتش تيليكوم» موجودة في كندا حتى الآن وهي لا تملك نظاما أو وضع قانون فعلي؟ الحل… حجز احتياطي المصادر تؤكد بأن مطالبة الإنتربول لإلقاء القبض على أحمد العبد الله لن يحصّل الأموال بشكل مضمون، وأن الأموال لكي تعاد يجب فرض الحجز الاحتياطي وإلقاء القبض على الشركاء المحليين، وإن تأخير الدعوى لا علاقة له بالروتين مطلقاً. وتنوه المصادر بأنه توجد لدى قاضي التحقيق قضية شركة «ريتش تيليكوم» وهي مجمدة لعدة سنوات بانتظار الاسم الثلاثي لمدير الشركة الأردني الكندي. لكن المدير العام السابق للمؤسسة العامة للاتصالات (ع.ص) والذي وقّع مذكرة التفاهم مع الشركة لم توجه له التهمة حتى اليوم، ولم يستدع ولم يوقف .وبالمحصلة لم تدفع الشركة للدولة 77,9مليون دولار ثمن شراء مليار دقيقة بسعر ٦ سنت للدقيقة وغراماتها، وبذلك خالفت الشركة العقد من دون أن تحاسب إلى اللحظة. ابحث عن… الرأس! وتستغرب المصادر كيف أن المدير العام السابق الذي وقع العقد لم يَتخذ أي إجراء ضد الشركة، وهو باعها الدقيقة بـ ٦ سنت في الوقت الذي كانت فيه المؤسسة تتقاضى ٣٥ سنتا إلى ٥٠ سنتا، وهذا عقد أضر بالدولة، وتذكر المصادر بأن المذكرة نصّت على ألا تضر الشركة بالاتصالات الشرعية الواردة لسورية، لكن المدير العام للمؤسسة يعلم أن هذا مستحيل، فبيع الشركة الدقيقة بسعر يعادل سدس السعر الذي تتقاضاه المؤسسة العامة للاتصالات، من البديهي أن يؤدي إلى تحويل معظم الحركة الدولية النظامية إلى «ريتش تيليكوم «، وهذا تسبب فعلاً بفقدان الدولة عوائد بالمليارات إضافة للستين مليون دولار التي لم تدفعها الشركة، وهي مثبتة في المؤسسة العامة للاتصالات، وهذا جرم غش الدولة ارتكبه المدير العام السابق. وتبين المصادر بأن الشركة لم تقم بدفع الكفالات المتوجبة عليها ولم تقم بالتزاماتها، كما لم يتخذ المدير العام السابق أية خطوة باستثناء المراسلات مع الشركة وإعطائها المهلة تلو المهلة، وهذا تواطؤ واضح ورشوة اقتصادية، بحسب تعبير المصادر، يضاف إلى ذلك أن المذكرة التي تم توقيعها مع الشركة الكندية فيها فقرة تنص على إعفائها من قانون العقود رقم ٥١ بتوقيع المدير العام السابق، مع أن الإعفاء من قانون لا يتمّ إلا بإصدار قانون آخر أو بمرسوم تشريعي، وهذا جرم دستوري وقانوني يؤكد غش الدولة والتصرف بالأموال المنقولة لها، وبالتالي فإن قضاء التحقيق المالي لم يقم بأي إجراء ضد المدير العام السابق، وتركه والشريك السوري لـ»ريتش تيليكوم» حرين طليقين بلا اتهام، ومعهما مبلغ بأكثر من 77 مليون دولار، إضافة إلى عدة مليارات ضرر بلا تحصيل. الأيام - محمد الواوي