مفتاح حل مشكلات مابعد الأزمة وُجِدت.. إليكم التفاصيل..!!
على مايبدو أن أبرز التحديات التي سوف تواجه الاقتصاد السوري بعد انتهاء الأزمة الراهنة هو كيفية الإصلاح والانطلاق الفعال لمؤسسات وشركات القطاع العام، هذه الشركات كانت قبل الأزمة تعاني ما تعانيه من تراجع في الأداء وانخفاض في وتيرة الأعمال ما انعكس على نشاطها كاملاً بمؤشرات سلبية عامة، وجاءت الحرب وما حملته من تدمير وتخريب لبعضها وتوقف الإنتاج والعمل في بعضها الآخر، هذا في الرؤية العامة، أما عند الدخول في التفاصيل فإننا نجد أن مشكلة مؤسسات وشركات القطاع العام لم تقتصر على ذلك فحسب بل تضاعفت هذه المشكلات وصعبت الحلول اللازمة لها نظراً لما حلّ بالواقع الاقتصادي في سورية ككل، فتغير سعر الصرف وانخفاض مؤشرات الاقتصاد الكلي وارتفاع معدلات التضخم والمستوى العام للأسعار جعل واقع هذه الشركات أكثر سوءاً الأمر الذي أدى إلى بيانات ومؤشرات سلبيةً أكثر مما كانت عليه خلال الحرب وقبلها. من هذا المنطلق، أصبح الوقوف على واقع هذه الشركات وإيجاد الحلول لها من أهم متطلبات المرحلة القادمة في سورية ولاسيما أنها مرحلة إعادة الإعمار والتي من المفترض أنه سيتم الاعتماد على شركات ومؤسسات القطاع العام بشكل كبير للقيام بكثير من الأعمال الواجبة والإسعافية، أما بقاؤها على وضعها الراهن فسوف يزيد الطين بلة، ولهذا كان توجيه الحكومة سابقاً بضرورة دعم هذه الشركات للحؤول دون تردي أوضاعها أكثر، لذا فمن الواجب حصر هذه المشكلات المتعددة والمتنوعة والعمل على حلها جميعاً بشكل متواز لاختصار الوقت وتحقيق المأمول.
ومن الصعاب التي تعترض عمل شركات ومؤسسات القطاع العام مشكلة التمويل وخاصة التمويل المطلوب لإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الحرب من حيث موجوداتها الثابتة ومعداتها، وهذا ما يثقل كاهل هذه المؤسسات نظراً للتغيير الكبير في تكاليف الترميم والتأهيل والشراء المطلوب لإعادة إقلاعها ومزاولة نشاطها. ومع سماح المصرف المركزي باستئناف منح القروض والتسهيلات الائتمانية من المصارف العاملة في القطر فإن قيام المصارف العامة بمنح تمويلات لهذه الشركات ما يتناسب واحتياجاتها للتأهيل والانطلاق بخطوط الإنتاج والعمل لهو أمر ملحّ في هذه الفترة وخاصةً مع وجود فائض سيولة لدى المصارف العامة (حيث قدرت ودائع المصارف العامة نهاية العام 2016 بنحو 1380 مليار ليرة سورية بحسب المجموعة الإحصائية)، وعلى أن يتزامن ذلك مع تغيير هيكلية هذه الشركات وأساليب العمل والتفكير بما يشبه الشركات الخاصة من حيث التسلسل الإداري والفكر العملي، وأن تدرك إدارات هذه الشركات أهمية الدعم الحكومي والمصرفي لها وفائدته على مستوى الشركة بشكل خاص وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام، كما يتطلب ذلك أن تمتلك هذه الإدارات القدرة على الاستثمار الفعال لهذه التمويلات وإدارتها بنجاح لتحقيق معدلات نمو وأرباح مهمة مقارنة بالرفع المالي الذي ستحققه، وذلك عوضاً من الحل الأسهل لها والأصعب للاقتصاد الوطني ألا وهو اللجوء لصندوق الدين العام لدى وزارة المالية والذي اعتادت الشركات عليه خوفاً وهرباً من تحمل المسؤولية، فعلى إدارات هذه الشركات اتخاذ القرار الملائم بالطلب من المصارف العامة الحصول على التمويل المطلوب ما يتلاءم مع وضع الشركة الحالي والمشروعات المنوي تنفيذها، على أن تقوم هذه الإدارات باقتراض الحد المناسب لها بعيداً عن هدر قيمة القروض وعدم استغلالها بشكل مثالي. من ناحية أخرى، على المصارف العامة أن تقوم بواجباتها على أكمل وجه من حيث إعداد الدراسات الائتمانية الدقيقة لهذا الشركات والمؤسسات وكذلك إعداد دراسات جدوى اقتصادية فعالة واتخاذ القرار الائتماني المناسب مع الأخذ بالاعتبار جميع المخاطر التي تكتنف هذه العملية، وفي هذا الصدد، فإن اطلاع الحكومة على هذه الدراسات (الائتمانية، الجدوى) سيمكنها من اتخاذ القرار الرشيد بشأن مصير هذه الشركات سواء بإبقائها مملوكةً للقطاع العام أم بطرحها للتشاركية مع القطاع الخاص، وذلك لكون دراسات الجدوى الاقتصادية توفر المعلومات التي تمكن الحكومة من تحديد نسبة الحصص بينها وبين القطاع الخاص في حال طرحها للمشاركة أو إبقائها مملوكة بشكل كامل للدولة. كما يجب على مجالس إدارات المصارف العامة ومجالس إدارات الشركات العامة الاتفاق على آليات السداد ومعدلات الفائدة المدينة على التمويلات والاتفاق على وجود فترات سماح لا تقل عن العام حيث تعفى هذه الشركات من الفوائد المترتبة خلال فترات السماح وتسدد الأقساط المستحقة بعد انقضاء هذه الفترات، وعلى المصارف أن تضمن الحصول على الضمانات الكافية للتمويلات الممنوحة من طرفها، وهذا أمر ليس بالصعب فأصول شركات ومؤسسات القطاع العام كافية لتغطية أي ضمانات مطلوبة، وأما ما يخص معدلات الفائدة المدينة فإن القيام بالتنسيق بين المصارف العامة والمصرف المركزي بشأن دعم الفوائد المدينة المفروضة على مؤسسات وشركات القطاع العام فهو أمر جدير بالاهتمام حيث تكون هذه الفوائد مقبولة ومعقولة في آن واحد وغير مرهقة على كاهل هذه الشركات، الأمر الذي قد يشجع إداراتها على اتخاذ قرار الاقتراض من المصارف العامة عوضاً من اللجوء إلى صندوق الدين العام والذي يمنحهم تمويلات من دون فوائد. الوطن