جدل ساخن حول زيادة الرواتب في مؤسسة كبرى..
الخميس 27-09-2018
- نشر 6 سنة
- 5545 قراءة
لم يحظَ طرح زيادة الرواتب كوجبة دسمة للجدل في الشارع السوري بالإجماع الذي يظن البعض أنه سيحسم القضية لصالح المواطن، بل شكل عاملاً حقيقياً لاستفزاز مجموعة من الخبراء والنخب الاقتصادية الذين لم يوفروا أي جهد في شرح وتوضيح ما سيترتب على هذا الإجراء من آثار سلبية لا يمكن التخلص منها، مقترحين مجموعة من الخيارات البديلة الكفيلة بتحسين الوضع المعيشي للمواطن. ووسط جدلٍ كبير في إشكالية الاختيار بين زيادة الرواتب أو تحسين الوضع المعيشي اختار رئيس قسم التحقيقات في صحيفة البعث الزميل بشير فرزان الانطلاق في الندوة الأسبوعية التي يقيمها المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي بعرض ما يترتب على كل من هذين الخيارين من نتائج قد تكون سلبية أو إيجابية، حيث انطلق من توصيفه للواقع المعيشي السيء والتحدي الذي يعيشه المواطن شهرياً وسط انخفاض قيمة الراتب والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية وعجز الأسرة السورية عن تلبية أبسط متطلباتها.
فساد..
وفي بداية طرحه أكد الزميل فرزان على أن محاربة الفساد في السوق والإدارة تشكل الخطوة الأولى في تحسين الواقع المعيشي للفرد متسائلاً عن سبب غياب الخطوات الحقيقية في مكافحة الفساد ضمن هذا الإطار، وهو الأمر الذي وافقه فيه معظم المشاركين في الندوة، فلم تخلُ أي من المداخلات من لوم مؤسسات التدخل الإيجابي وحماية المستهلك على عدم القيام بالدور المنسوب إليها ومراقبة السوق وتأمين بيئة قانونية تتيح تنظيم عقوبات رادعة للمخالفين للوصول إلى حالة الاستقرار المرجوة.
زيادة أم تحسين..؟
إلا أن الجدلية المطروحة بين زيادة الرواتب أو تحسين المستوى المعيشي شهدت سجالاً حاداً بين المشاركين في الندوة، حيث كان للكثير منهم رأي مخالف لفكرة الزيادة التي اعتبروها “استدانة من المستقبل” لا تحقق الغاية الأساسية بل سيترتب أعباء اقتصادية من غير الممكن تجاوزها بمئات السنين، مؤكدين أن الزيادة الحقيقية تتمثل في زيادة الإنتاج وضبط الأسعار وليس في فكرة رفع الدعم عن الخدمات بل في عقلنته ودراسته بشكل عميق، إذ رأى البعض أن الزيادة من الناحية الاقتصادية هي حالة فاشلة، وأنه في حال تطبيقها ستقع الدولة في متاهة الدين واستنساخ المزيد من الأوراق النقدية بلا أية قيمة وهو ما يسمى “التمويل بالعجز” الأمر الذي قد يكون مشروعاً لدولة في حالة حرب إلا أنه بحاجة مراقبة وضبط حتى لا يتفاقم ويخرج عن السيطرة.
خاص بالطبقة المخملية..!
وبالعودة إلى الورقة التي قدمها الزميل فرزان فقد لفت إلى مشكلات أخرى انعكست على الواقع المعيشي تتمثل بالسياسات الاقتصادية التي أفرزت خمولاً اقتصادياً وتراجعاً للإنتاج بشكل كبير، ومثلها السياسات المعتمدة حالياً في إعادة الإعمار وموقع الطبقة الوسطى في المعادلة الاقتصادية الجديدة، متسائلاً لمن يتم تشييد الأبراج والمناطق السكنية التي تتجاوز تكلفة الشقة فيها مئات الملايين إذا كان المواطن السوري غير قادر على تأمين لقمة عيشه..!، وهنا توافقت بعض المداخلات مع طرح الزميل فرزان، لجهة توجه مسيرة الإعمار والتنمية لشريحة خاصة دون دراسة واقع المجتمع.
الأكثر منطقية..
وبعد عرضه للواقع الاقتصادي المرتبط بزيادة الرواتب أو تحسين مستوى معيشة الفرد انطلق الزميل فرزان بمقترحات لحلول قد تكون أكثر منطقية وتوافقاً مع الواقع الراهن تتمثل بدعم الإنتاج الوطني ومراقبة جودته وتحسين التسويق، إلى جانب دعم الحوافز في الشركات المنتجة ذات الأرباح والتركيز على تطوير المشاريع القديمة كما الجديدة، كذلك يمكن لخفض سعر المحروقات أن يشكل فارقاً كبيراً ينعكس بشكل إيجابي على تعرفة النقل وأسعار السلع، إلى جانب خفض سعر التعرفة الدوائية ومعالجة إشكالات التأمين الصحي والتعليم الخاص، فيما لم تختلف الآراء في هذا المجال، حيث قدم المشاركون حلولاً عديدة في مقدمتها ضبط الأسعار وتقويم الدور “الهزيل” لمؤسسات التدخل الإيجابي وحماية المستهلك عبر إعادة القوانين الناظمة لعملها بحيث تلتزم نظام محدد في التسعير دون الاعتماد على الأسعار التأشيرية فقط.
عزلة نقابية..!
لم يغفل المشاركون واقع النقابات وحالة العزلة التي تعيشها بعيداً عن واجباتها، حيث أكدوا على أهمية إلزامها بتحديد أسعار الخدمات وزيادة شريحة المنتمين إليها لتصبح ذات سلطة تفرض أسعار محددة لا يمكن تجاوزها. وكذلك كان لواقع فرص العمل حضوراً ضمن هذا السياق، حيث تم طرح فرضية تأمين فرص عمل للأفراد وليس “وظيفة” عبر دعم المشاريع الصغيرة التي تعود بناتج يفيد المواطن والدولة.
إجماع..
وبعد جدال طويل واستعراض الآثار السلبية لطرح زيادة الرواتب كان إجماع الزملاء على أن أدبيات الإدارة الحكومية الرشيدة تقتضي البعد تماماً عن خيار زيادة الرواتب والأجور كإجراء استدراكي للأوضاع المعيشية خصوصاً وأن الأعراف الإقتصادية والنقدية ترفض مثل هذا الإجراء على اعتباره إجراء تسكيني وترميمي يرتب خللاً مستداماً على شكل متوالية صاعدة طويلة المدى ،والمعلوم أن الحكومات” القوية”تبتعد في حل المشكلات المعيشية عن المعالجة النقدية باتجاه معالجات اقتصادية إنتاجية وسوقية.
ولفتت بعض المداخلات الى أن الليرة تكتسب حالة رمزية ببعد وطني عميق وهي جزء من الهوية الوطنية ولا تبدو بنداً قابلاً للتغيير وإعادة التشكيل وفق مقتضيات معيشية يمكن إيجابها كاستحقاقات بأدوات أبسط وأسهل .
وأجمع المداخلون على ضرورة تحسين الأوضاع المعيشية بدايةً من خلال لحظ مسيرة البناء والإعمار والتنمية لآمال وتطلعات الطبقات الشعبية التي ينبغي أن يكون لها مشاركتها الفعالة في هذه المرحلة .
ثم ضبط أسعار السلع والخدمات عبر تعاون الحكومة مع المنظمات والنقابات المعنية، دون إغفال أهمية زيادة الإنتاج والتي لا تكون عبر مشاريع وهمية كبيرة بل من خلال تلك الصغيرة والمتوسطة لدعم مشاركة صغار الكسبة. كذلك توصل النقاش إلى ضرورة إعادة الاعتبار للدور الذي نهضت به مؤسسات التدخل الإيجابي سابقاً، والسعي لتفعيل “طرح” حماية المستهلك ضمن أسس مدروسة وقوانين تتبع هذه الأسس لتنظيمها.
الخبير السوري