مخزون الملح يكفي الوطن العربي بالكامل.. إيقاف استيراد الملح والاتجاه لتصديره
طلبت المؤسسة العامة للجيولوجيا من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية إيقاف استيراد الملح، بعد أن تمكّنت ملاّحات المؤسسة من استعادة عافيتها، وتدوير عجلة إنتاجها، وقدرتها على تغطية الاستهلاك المحلي بالكامل من ملح الطعام. وأوضح المهندس سمير الأسد المدير العام لمؤسسة الجيولوجيا أنه في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى 200 ألف طن سنوياً من ملح الطعام، فإنّ المؤسسة باشرت بإنتاج الملح من ملاّحتي (الموح) في تدمر، و(الجبّول) في حلب، وتعمل حالياً على استثمار ملاّحة (البوّارة) في دير الزور، ليصل بعد ذلك حجم الإنتاج السنوي من هذه الملاحات الثلاث إلى 200 ألف طن. وقال مدير عام الجيولوجيا بأنّ المؤسسة تسعى حالياً، ومن خلال خطتها الإسعافية، لإعادة تأهيل منجم ملح (التّبنة) في دير الزور أيضاً، لإنتاج 100 ألف طن أخرى سنوياً من ملح الطعام، ليصل بعد ذلك الإنتاج إلى 300 ألف طن، ما يعني أننا سنكون قادرين على تصدير الفائض، لا لنكسب بعد ذلك القطع الأجنبي الذي كان يُخصص للاستيراد فقط، بل لنكسب أيضاً القطع الناجم عن التصدير. الجدير ذكره أنّ مخزون سورية من الملح يصل إلى 350 مليون طن، وهو – حسب رأي الخبراء والمختصين – يكفي لسدّ حاجة الاستهلاك في الوطن العربي كله من ملح الطعام. وتتميّز العديد من ملاّحات سورية بأنها متجدّدة، إذ يبدو الملح ثروة سوريّة غير قابلة للنفاد، فهناك جداول مائية في البادية كلما تساقطت عليها الأمطار تُحدث سيولاً تسير عبرها المياه وتتجمّع في أماكن منخفضة وعلى مساحاتٍ شاسعة، وما أن تجفّ هذه المياه حتى تترك وراءها سنوياً كمياتٍ كبيرة من أطنان الملح، فيتم لمّها ومعالجتها لتكون جاهزة للاستهلاك، وتعمل الدولة على استثمار هذه الملاحات الطبيعية المتجدّدة، وتشارك الأهالي القريبين منها باستثمار هذه الملاحات والعمل بها حيث تُشكل سنوياً فرص عملٍ هامة للعديد من الناس. العصابات الإرهابية المسلّحة كانت قد سيطرت على كل هذه الملاّحات سابقاً، وكالعادة فإنها تسعى دائماً إلى النهب والتخريب، فنهبت وخرّبت ما استطاعت، وحرمت البلاد بالكامل من أي إنتاجٍ لملح الطعام الوطني، وعلى الرغم من أننا – كما أشرنا – قادرون في سورية على إنتاج ما يكفينا ويكفي كل ما يحتاجه الوطن العربي من هذه المادة، فقد صرنا بين ليلةٍ وضحاها بدون ملح، لنتجه بعد ذلك نحو الاستيراد، ودفع القطع الأجنبي لشراء هذه المادّة التي تفيض عندنا فوق حاجتنا بكثير، على الرغم من حاجتنا الماسّة للقطع الأجنبي، ولاسيما في هذه الظروف القاسية، ولكنه ملح الطعام الذي لا يمكن الاستغناء عنه. بقيت الأمور هكذا إلى أن تمّت هزيمة الإرهابيين، وتحرير تلك الملاّحات بالكامل، وبدأت الدولة من خلال الجهود المميزة للمؤسسة العامة للجيولوجيا بتفعيل الملاحات واستعادة نشاطها الإنتاجي، فالخير وفير، وبدأ إنتاج الملح على أشدّه، إلى أن وثقت الجيولوجيا من استقرار أوضاع الملح والقدرة على إنتاج حاجتنا من الاستهلاك المحلي وأكثر، بادرت للطلب من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لإيقاف استيراد الملح، فقد اكتفينا من ملح أراضينا. وللملح الصخري حكاية على الضفة اليمنى لنهر الفرات في منطقة التبنة وعلى بعد 50 كم غرب مدينة دير الزور، يقبع منجم للملح الصخري على عمقٍ يصل إلى 165 متراً، وتصل أطوال أنفاقه المستثمرة والمستكشفة تحت الأرض إلى 7 كم وعرضها8 أمتار بارتفاع 4أمتار، مغلفة بشكل كامل بالملح. ويعود اكتشاف طبقة الملح الصخري في "التبنة" إلى نحو ستين عاماً، ففي الفترة الممتدّة بين عامي 1958 و1961 قامت شركة (تكنو إكسبورت) السوفييتية بإجراء أعمال مسح جيولوجي لمعظم الأراضي السورية، وحددت خارطة السماكات واقترحت طريقة استثمار المكمن منجميا، ويقدر عمر الطبقة الملحية للمنجم ب35 مليون سنة، وهي من تشكيلة الفارس الأسفل، إذ تصل نقاوة الطبقة الملحية ما بين 97 و99.8 بالمئة، ويتم استثمار المنجم بطريقة الغرف والدعامات، بحيث يستثمر30 بالمئة من الطبقة الملحية ويترك 70 بالمئة لدعامة السقوف. وكان استثمار المنجم قد بدأ في العام 1969 عندما قامت شركة "أريم الأسبانية" بحفر بئرين بعمق 165 متراً إلى الطبقة الملحية، يصل بينهما نفق بطول 640 متراً، وقد ركب على البئر الأول مصعد بطاقة 72 ألف طن سنوياً، في حين زود البئر الثاني بمروحة سحب هواء بطاقة 200 متر مكعب في الدقيقة تقوم بتزويد العاملين بالأوكسجين اللازم تحت سطح الأرض، كما تم تركيب سلم نجاة على هذا البئر للحالات الطارئة. وفي العام 1972 بدأ استثمار المنجم بأيادٍ وطنية، وكانت وسائل العمل في حينها تقتصر على معدات الحفر التي تعمل بالهواء المضغوط، تقوم بحفر الصخور الملحية، ثم تعبأ الثقوب بالمتفجرات وتفجر، لتبدأ بعد ذلك تعبئة نواتج التفجير يدويا بالرفش ضمن عربات صغيرة يجرها قطار ديزل إلى المصعد ثم إلى معمل المنجم الواقع على سطح الأرض. ولكن مع تزايد الطلب على مادة الملح الصخري، كان لابد من تطوير معدات العمل الموجودة في المنجم لتغطي حاجة سورية من هذه المادة، حيث تم في العام 1992 تزويد المنجم بـتركس لتعبئة الصخور الملحية بواسطته، بدلاً من استخدام الرفش، وفي العام 1993 استبدل المصعد القديم بآخر حديث، يقوم برفع عربتي دفع بدلاً من واحدة، لتزداد طاقة المصعد إلى 30بالمئة، وتم بالتزامن مع زيادة طاقة المصعد تركيب وحدة تعبئة جديدة على خط الإنتاج لترتفع طاقة المعمل إلى 20بالمئة. وفي العام 1995 تمّ تصميم وتنفيذ خط لإضافة اليود للملح الصخري تدريجياً، إلى أن تم إضافته في العام 2005 إلى كامل إنتاج المنجم، كما تم في العام2001 تحسين طرق الأمان في المصعد الكهربائي، بوضع كاميرات مراقبة ونقاط إيقاف أوتوماتيكية، وتجهيز قبانين أرضيين بطاقة 100 طن، الأول في مديرية المنجم والثاني في ملاحة "البوارة" لضبط الكميات المشحونة نظرا لبعدها عن مراكز المدن، وتمّ تجهيز المنجم بمجموعة توليد كهربائية بطاقة825 ك.ف.ا تحسبا لانقطاع التيار الكهربائي ولحسن سير العمل. وقد تمّ وضع المعمل الجديد في الاستثمار مع بداية العام 2007، بطاقه إنتاجية تصل إلى نحو 70 ألف طن سنوياً، وتم تجهيزه بمعادن مقاومة للصدأ باعتباره يتعامل مع مادة كلور الصوديوم القادرة على تخريب أعتى وأقسى المعادن، وله عدد من الميزات عن المعمل القديم، فكافة القشط الناقلة للملح مصممة من النوع الغذائي، وجميع الخزانات من مادة الكروم، وأهم من ذلك أنه يقوم بإنتاج ثلاثة أنواع من الملح (ملح الطعام، مائدة، قوالب غبرة) في حين لم يكن المعمل القديم ينتج إلا ملح الطعام، وكافة تجهيزاته مركبة في هنكار واحد، وعلى الأرض مباشرة مما يؤمن سهولة في العمل ومراقبة الإنتاج، وهذا خلافا عن المعمل الحديث المُصمّم على ثلاث طبقات، ومجهز بفاصل مغناطيسي لجذب كافة المعادن المستخرجة من الأرض، إضافة إلى نظام فلترة متطور يعمل على سحب الغبار الناتج عن تكسير وطحن الصخور الملحية. ويتبع لمنجم الملح في التبنة أربع ملاحات وهي (ملاحة "البوارة" الواقعة على الحدود "السورية – العراقية"، وملاحة الجبول والجبسة وتدوني) وتعتبر المصدر الثاني للملح في "سورية" بحيث يقوم المنجم بتأمين 65 بالمئة من حاجة سورية من الاستهلاك، والباقي يستخرج من هذه الملاحات عن طريق أحواض الترسيب الطبيعية التي تتجمع فيها مياه السيول والأمطار شتاء وتتوفر لها شروط تبخر مناسبة فتخلف بعد عملية التبخر راسباً ملحياً بسماكات تتناسب مع منسوب المياه التي تجمعت في الحوض شتاء. يشار إلى أن المنجم يرتفع 100 م عن مستوى نهر "الفرات" و300 م عن سطح البحر، وعمق الطبقة الملحية فيه 165 م تحت سطح الأرض. المصدر: الخبر