«الوحدة هي الأصل» .. هكذا كتبَ «خوسيه ميّاس» الوحدة الإنسانية
نهاد ذكي
الوحدة كانت هكذا: أن تجد نفسك فجأة في العالم كما لو أنك قد انتهيت لتوِّك من المجيء من كوكٍب آخر لا تعرف لماذا طُردت منه. *خوان خوسيه مياس، رواية «هكذا كانت الوحدة».
في علم النفس يقولون عن الوحدة إنها: «خبرة شخصية مؤلمة يعيشها الفرد نتيجة لشعوره بالافتقاد. سواء كان هذا الافتقاد للتقبل أو للحبّ أو الاهتمام»، وهي أيضًا: «العجز عن إقامة علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة. فلا يهمّ إن كان الفرد وحده أم محاطًا بالآخرين، ففي كلتا الحالتين يقتحمه هذا الشعور وكأنه مرآةٌ لذاته البعيدة كل البعد عمن حوله».
خوان خوسيه مياس في روايته «هكذا كانت الوحدة» استطاع ككاتب متمرس أن يجمع مفردات الوحدة النفسية كلها في حالةٍ واحدة، فعبَّرعنها كأنه قد انتهى للتوّ من قراءة كلّ بحث علمي يربط المشاعر الإنسانية بأجهزة جسدنا العضوية، وكما لو أنه قد عاش كامرأةٍ لفترةٍ طويلة جدًا. عبَّرعن أزمة منتصف العمر التي تجتاح المرأة في اللحظة التي تبدأ معها التجاعيد تغزو ملامح وجهها، فتلمحها لأوَّل مرة في المرآة، وتغزوها الاضطرابات الهرمونية وكأنها قد عادت مراهقة من جديد.
جعل مياس الموت والميلاد حلقتين متصلتين تتغير معهما دورة حياتنا، فبدأ روايته بموت عزيز، وأنهاها بميلادٍ جديد في الدائرة الضيقة لحياة بطلة وحدته «إيلينا». فالرواية تبدو وكأنها عرضٌ منفرد لامرأة واحدة على خشبة المسرح، لا نستطيع أن نحدد ملامح وجوه الشخصيات المحيطة بها، أو نرسم صورة واضحة لهم، سوى تلك المطبوعة في ذاكرتها، فنحن جميعًا داخل عقلها، نرى الأشخاص من الزاوية الصغيرة التي تراهم منها، ونتساءل نفس أسئلتها الوجودية، لنغرق معها داخل وحدتها.
الوحدة: عملية بتر غير مرئية
تبدأ الرواية أثناء قيام «إيلينا» باحدى الطقوس الأنثوية الخاصة، كانت تنزع شعر ساقها اليمنى حين أتاها خبر وفاة والدتها على الهاتف، وكما لو أنّ مياس يعرف جيدًا تأثير تلك الحوادث في قدرتنا على نزع شعر الساق، سنجد قوىً خفيّة غامضة تمنع إيلينا عن إزالة شعر الساق اليسرى، لتمضي حتى منتصف الرواية بساقٍ غير منزوعة الشعر.
لم تكن وحدة إيلينا بترًا فقط، أو افتقادًا ناتجًا عن اللامبالاة التي امتازت بها علاقاتها مع المحيطين، فالزوج خائن، والمشاعر الإنسانية السامية التي كلَّلت دائمًا علاقة الأمومة والبنوَّة كانت باردة، سواء تلك التي جمعتها بأمها أو ابنتها، أما الأخوَّة فهناك حائط جليدي يفصل بينهما، وكأن كلًا منهما من عالمٍ آخر، ولا يجمع بينهما سوى المكان واللغة.
يقول مياس عن ذلك: «كان الأمر كما لو أنهما منذ زمنٍ بعيد كانا ينتميان إلى نفس الوطن، ولكن الحياة شتَّتتهما مجبرةً إياهما على اكتساب ملامح وعاداتٍ أو تصرفات غريبة حولتهما إلى آخرين، دون أن يصلا بذلك إلى فقدان الذاكرة لما كانا عليه. ولكن تلك الذاكرة ليس لها فائدة أخرى سوى أن تغذي ضمير الفقدان».
فـ«اللامبالاة» كانت الخمول الذي يسبق الانفجارات الكبرى، هي قطع الصلة بيننا وبين أي شعورٍ حميميّ، هي كما صورت إيلينا وحدتها «عملية بتر غير مرئية». يتعمَّق مياس أكثر فأكثر داخل نفسية المرأة الوحيدة، ليعتلي معها سلّم الوحدة درجةً درجة، بدءًا من عدم الشعور بأيّ شيء، حتى الوصول إلى حدّ الجنون في حمَّامَات الفنادق.
اكتسبت الوحدة لدى إيلينا بعدًا جديدًا غير الفقدان، فبدت وكأنها جسمٌ غريب عن الجسد ينمو بداخله، ورمًا خبيثًا يسكن أمعائها، يُشعِرَها بالدوار والغثيان، و«فوبيا» الأماكن الضيقة، ولكن ما كان سبب تلك الوحدة؟ فشخصيَّة إيلينا شخصية منعزلة، تتجنَّبُ الآخرين، لن نجد لها طوال أحداث الرواية صديقًا واحدًا، فالتجمُّعات توتِّرها وتصيبها بالغثيان، ولذلك فهي لا توطِّد علاقتها مع أحد، لا زوجها ولا ابنتها، ولا حتَّى أمها أثناء حياتها، فتحتسي البيرة وحدها دائمًا في البارات، تجول الشوارع بلا هدفٍ واضح، وتعود إلى قوقعتها من جديد.
العجيب أنّ العزلة لم تكن طوال أحداث الرواية شيئًا مفروضًا عليها، بل هي التي اختارتها بكامل إرادتها، فهي كما قالت عن نفسها: «دافعت عن نفسى ضدّ العواطف دون أن أفكر أن كل واحدة من تلك الدفاعات كانت تعني بترًا ما».
أو كما قال زوجها عنها:
كلنا نحيا في جحيمٍ ما يا إيلينا، كلنا، ولكنَّنا لا نجعل أحدًا يدفع ثمن أعمالنا. أتعلمين لماذا؟ لأن كلّ واحدٍ منَّا اختار جحيمه الخاص، ذلك الجحيم الذي يجد نفسه فيه أكثر راحة.
يأتي انفجار الوحدة وتبلورها بشكلٍ ظاهر – في بداية الرواية – بحادث «وفاة الأم»، فعلى الرغم من أن إيلينا طوال أحداث الرواية كانت تُنكِرُ مشاعرها تجاه أمها، كانت تنكر افتقادها لها أيضًا، وتدَّعي اللامبالاة، وأنّ وفاتها كانت مجرد إجراء بيروقراطي لشخصٍ ميِّت منذ زمن. إلا أنَّها سقطت في «بئر الوحدة» المختلط بالاكتئاب بعد صدمة وفاة والدتها.
عانت إيلينا من اضطراب ما بعض الصدمة، هذا الذي يعاني منه ضحايا الاغتصاب، والعائدون من الحروب. فحادثة الفقد عند إيلينا جعلتها ترى الشَّبَه الكامن بينها وبين أمها، كان الأمر كما لو أنها ترى نهايتها بعد عشرين عامًا، وما الذي ستصبِحُ عليه، هذا الأمر الذي جعلها تعاني من أقسى درجات الاكتئاب، والتوتر، والقلق المتمثلون جميعًا في وحدتها.
نحن نكبر لنشبه أحد آبائنا، إنها المتلازمة التي تأخذ حيزًا من حياتنا جميعًا، فنهرُبُ منها إلى أبعد نقطة في الكون، حتى نجدَ أنفسنا في تلك النقطة البعيدة نمتلك هذا الشبه الذي نظنُّه «شبهًا لعينًا»، فشخصيَّة الأب أو الأم، هي أول نموذج ينطبع داخل اللاوعي عمَّا سنصبح عليه عندما نكبر، وهو ما فاجأ إيلينا لتكتشف أنَّه بالرغم من كل البعد والفوارق التي كانت بينها وبين والدتها التي اختلفت معها على الدوام، فقد كانت في يوميات الأم «قرينتها»، التي تسكُنُ في الناحيةِ الأخرى منها على الكرة الأرضية، ويتحركانِ معٍا في ديناميكيةٍ تامَّة، وكأنهما متصلتان بمغناطيسٍ ما، فإن جرحت إحداهما أصبعًا تتألَّمُ الأخرى. تلك الحقيقة التي أربكت عالم وحدة إيلينا لتدرك بعد عشرين عامًا أنَّها هي نفسها «أمها».
الوحدة هي الأصل!
يقول أوكتابيو باث في كتابه متاهة الوحدة: «إن عدم اكتراثنا بالموت هو الصورة الأخرى لعدم اكتراثنا بالحياة». فالموت عند أوكتابيوباث «ينتقم لنا من الحياة»، يعرِّيها من بطلانها، حيث يسكن الفناء كل شئ، فهل كان عدم اكتراث إيلينا بالموت هو عدم اكتراث بالحياة أيضًا؟ أم أن الموت قد عرَّى حياتها فجأةً من كلّ مظهر اجتماعي كانت تظنه واجهةً تحميها؟
إن الوحدة هي شعورنا الأصليّ، هي نحن ما قبل الميلاد، جنينٌ وحيد في رحم. أما تجربة الحياة من لحظة الميلاد وحتى لحظة الموت فقد عوَّدتنا على المشاركة، فنحنُ لا نشعر بذواتنا دون وجود آخر يراقبنا، يُثني علينا عندما نقوم بشيءٍ جيِّد، ينتبه لتفاصيلنا ويشاركنا شعورًا ما. ولذلك فإننا عندما ننفصل عن هذا الآخر، تتم ترجمة ذلك الشعور بداخلنا وكأنه عودة لعالمنا الأوليّ الذي هجرناه. فنحن نولد وحيدين ونموتُ وحيدين، وكأنّ الوحدة هي الأصل، ولذلك نحن نكرهها.
فيقول أوكتابيو باث: «تدور حياتنا بين الميلاد والموت. فبعد طردنا من رحم الأم نبدأ قفزة مغمومة بحق، لا تنتهي إلا بسقوطنا في الموت».
وهذا ما فعله مياس في روايته، فبين موتٍ وميلادٍ، تدور أحداث الوحدة كاملة، فيَخلق موتُ الأم الصراع، وينهيه نبأ عن طفلٍ جديد، حفيد للبطلة، يستكمل معها ما تبقَّى من دورة حياتها، المتصلة بميلاده الجديد. فنجد إيلينا وكأنها تولد من جديد مع هذا الخبر، ونراها ولأول مرة تبكي دون محاولة منها في أن تتحكم في البكاء، أو تخفي الدموع، بل تنساب دموعها لأول مرة بأريحية، متناسبةً مع قراراتها التي تبعت هذا النبأ.
فقد كان الموت هو المأزق الذي فجَّر وحدتها، لتكتشف إيلينا بعده أن مأزقها الوجودي هو أكبر من خيانة الزوج التي اكتشفتها، لأن ما كانت تسعى لاكتشافه فعلًا، هو انعكاس ذاتها في عين الآخر. هي لا ترى نفسها، وغير قادرة على تحديد ما الذي تريده بالضبط، وما هو الجحيم الذي ستكون فيه أكثر راحة حقًا.
أما الميلاد، فقد كان المرآة الخفية التي وضعت أمام عينيها لترى انعكاس ذاتها لأول مرة فيها، وبالتالي حررها.
أنتَ وأنتَ في مواجهة الزَّمن.
كان لإيلينا إرث ثقيل من أمها، مقعدٌ قديم من الجلد، الذي كانت أمها تقضي عليه أغلب وقتها في مشاهدة التلفاز، وربما استخدمته أثناء كتابة يومياتها، والساعة ذات البندول التي تدقُّ كلّ ربع ونصف وتمام الساعة لتنتزعها من عالمها، وتزجُّ بها في ذكرياتِ ليالٍ أخرى من عالمها الأوَّل، ومنزل العائلة. كانت تستحضر بداخلها صورة ليالي الحمَّى والألم والأرق، فتقول عنها: «الوعي بالوقت المستغرق كان يشار إليه عن طريق تلك الأجراس التي حينئذ، وحاليًا، كانت تعبر باب الصالون، وتجتاز الممر بنفس الإيقاع، وكانت تدخل إلى غرفة نوم الأرق لتذكرها، بدقة لافتة كيلومترية، ما المسافة التي تحتاجها للوصول للنهار».
الاثنان كانا كأشباح من وطنها الأول، قد جاءت الآن لتحتلّ منزلها؛ مما جعلها تعاني من نوبات فزعٍ كلما دقَّت الساعة، كانت تخشى أن تدخل إلى صالون منزلها، لتجد أمَّها جالسةً مكانها على مقعدها القديم تمارس طقوسها المفضلة، ولذلك لم تستطع أن تدير مقبض باب الصالون، لتفتحه.
وكأنّ أمها قد جهزت كل شيء من العالم الآخر لكي ترث إيلينا الوقت، قياس الوقت، كمن يرث لهبًا يجب أن يطعمه للأبد خوفًا من خطر لعنة ما. هكذا وصفها مياس.
لكن لم يكن الوقت والكرسي القديم – دائمًا – أعداءَ لإيلينا، فهناك قوَّة غامضة في شكل إحساسٍ ما مفاجئ جعلتها تجلس لأوَّل مرة على الكرسي لتحتل مكان أمها، وحينها ألِفت صوت البندول وكأنَّه تأريخٌ خاصٌّ بها، يحسب وقت مغامرتها الداخلية، وتقيس عليه إيقاع تحوُّلها. فالعودة للوطن الأول قد ردَّتها إلى عالمها الحقيقي، تمامًا كما يفعل الطبيب النفسي مع من يعاني من انفصالٍ عن مجتمعه وعالمه الأول مكونًا خارطة لنفسه جديدة.
«العين».. التي تراقبنا
تقوم إيلينا بفتح حساب بريدي جديد، تحبس نفسها مع الدفتر الخاص بأرقام الهواتف، لتتصل مع أول وكالة تجدها خاصة بالتحقيقات السرية، لتطلب من مخبرٍ سريّ أن يراقب زوجها في إجازته الأسبوعية، فتأتيها التقارير التي تُعلِمها بخيانة زوجها، ولكنها بلامبالاةٍ تجاهَ تلك الخيانة تكتشف أن مأزقها الوجوديّ أكبر، فتطلب من المخبر السري أن تكون تقاريره أكثر ذاتية، ليخبرها عما يظنه هو في تفاصيل حياة زوجها، لكن طرقه الملتوية في التجارة لم تستهوها أيضًا، فتقرر أن تجعل المخبر السري يراقبها هي.
افتقدت إيلينا في حياتها – وعلى مدار عشرين عامًا – لتلك العين المراقبة، والتي تعطينا رأيًا ذاتيًا، وخاصًا عن أنفسنا، فترى ذاتها في انعكاس عينيه. ليصبح المخبر السري هو مرآتها، تلك المرآة التي يضعنا أمامها الطبيب النفسي من أجل أن نرى أنفسنا بشكلٍ أكثر وضوحًا، وهو ما فعله تمامًا معها.
كانت تعليقاته عن غور عينيها الراجع إلى اعتقاده بأنَّها مدخنة للحشيش صحيحة، وبعد عدة تقارير سنجدها تخفف من تأثير تلك الأداة التي تعينها على احتمال عالمٍ ليس لها أي شيءٍ فيه، لتتفاجأ بتحسنٍ ملحوظ في حالتها الصحية، فيثني على عينيها في التقرير التالي.
غادرت إيلينا رنكون منزلها في الحادية عشر والنصف من يوم 18 الثلاثاء الماضي. كان الطقس صيفيًا، مما جعلها ترتدي فستانًا خفيفًا بعض الشيء، بدرجات الأصفر ومفتوحًا عند فتحة الصدر. دخلت إلى مقهى قريب من منزلها، وتناولت قهوة على البار، بينما كانت تدخن سيجارة. شكلها العام قد تحسَّن: غور عينيها قل – على الرغم من أنها مازالت ترتدي نظارة الشمس في الشارع – وأصبحت مهندمة أكثر من ذي قبل. * من تقارير المخبر السري عن إيلينا.
لقد عشقت إيلينا انعكاس صورتها التي تتحسَّنُ في عيونه، فكانت تقاريره هي المحفِّز الأساسي لها لكي تكون أفضل حالًا، كما كان هو الصديق الوحيد الذي امتلكته، دون أن يعرف ذلك. كان هو الانفتاح الصغير على العالم الخارجي الذي حظيت به، فبدأت معه تتغير أبعاد شخصيتها المنعزلة، في سبيلٍ لإفساح المجال لأخرى جديدة في الطريق، فقرأت تقاريره باستمتاعٍ تام؛ لأنها كانت الشيء الوحيد غير المنتمي لوحدتها.
ثلاثة وأربعون عامًا على الأرض
كان عام إيلينا الثالث والأربعون هو عام الوحدة، والذي وصلت فيه وحدتها للذروة، ولكنه أيضًا عام اكتشاف الذات، والذي حظيت فيه إيلينا بنقاهةٍ تامَّة من وحدتها هذه. كان هو نفس العمر الذي بدأت فيه أمها في كتابة يومياتها، والتي تغلغت داخل إيلينا لتسكنها، حتى نفضتها خارج وحدتها، لكنها في نهايتها كانت قد قررت أن تكتب يومياتها هي أيضًا. فالورق هو سبيلنا أحيانًا في الخروج من أنفسنا، وإلقاء نظرةٍ خارجية عليها، تعيدنا إلى طبيعتنا.
وكان هذا العُمرهو خط النصف كما قالت عنه إيلينا بين الشباب والتقدم في العُمر، فبدأته بدوارٍ وخوف من غورِ عينيها المنعكس في المرآة، وأنهته بتقبُّلٍ واضحٍ لكونها ستصبح قريبًا جدة.
كانت هواجس إيلينا خلال أحداث الرواية لا تخلو من أزمة منتصف العمر، والتي مثَّلت بالنسبة إليها الصحوة، فتغلغل «مياس» داخل النفس الأنثوية عندما تتخطى حاجز نصف العمر، لتدرك فجأة أنه لم يبقَ لديها الكثير من الوقت، واستخدم تلك المعرفة جيدًا خلال تفاصيل الرواية، فعانت بطلته من الاكتئاب الذي منعها من إزالة شعر الساق اليسرى، ثم وبمعالجة ذاتية للنفس من اكتئابِ ما بعد الصدمات، والذي تستطع في نهايته إدراك نفسك جيدًا، سنجدها وقد بدت في نهاية الرواية أكثر إشراقًا بساقينِ محلوقتينِ جيِّدًا، ورغبة في تغيير جذري للعالم. تقول إيلينا «نحن لا ننتهي أبدًا من صنع أنفسنا»، وهي الحقيقة التي عبَّر عنها مياس من خلال إعادة ميلاد بطلته في الثالثة والأربعين.
فـ«إيلينا» قد بدأت جزءًا جديدًا من حياتها في نهاية الرواية، نافضةً عنها هذا العالم الذي قالت عنه: «كنتُ أعيش في منزلٍ ليس منزلي ومع شخصٍ ليس زوجي. قول ذلك – وبالأحرى كتابته – يسبب لي شيئًا من الانزعاج، لأنَّه القبول بأنني لا أنتمي لأحد، ولا لشيء، ولا ثمة ما ينتمي إليّ، عدا الساعة والمقعد».
بدأت إيلينا رحلتها الجديدة في منزلٍ آخر اشترته لنفسها، لتشعرَ بالانتماء للمكان، وانفصلت عن الزوج الذي هو ليس بزوجها، في إشارة للبحث عن مكانٍ للحبِّ من جديد. والشيء الوحيد الذي اصطحبته معها من الحياة القديمة إلى الجديدة كان ابنتها؛ لأنها الشيء الوحيد القادر على العبور بين العالمين الذي تشعر تجاهه بصلة، ولكنها ستدخله حياتها الجديدة في الوقت المناسب. وضعت الساعة والمقعد في مكانيهما الجديدين اللذين ينتميان إليه، وتمتمت عن هؤلاء الذين تركت عالمهم خلفها: «عندما يستيقظون من ذلك الحُلم، سأكون قد سبقتهم بحياة!»
هافنغتون بوست