رأي.. في نفســي كل أحـلام العالـم

لميس علي

بذات الوقت الذي يستصغر فيه فرناندو بيسوا قيمة نفسه، يُعلي من شأنها لاسيما ما يخص طاقته «الحُلمية»..

هل في الأمر ملمح تناقض..؟‏‏

أم إن بذرة الكينونة الإنسانية والطبيعة البشرية الحقّة، توجب هذا التجاذب بين الشيء وضده..؟‏‏

أحبُّ اعترافه الصارخ:‏‏

«لست ذا شأن..‏‏

ولن أكون ذا شأن..‏‏

ولا أستطيع أن أكون ذا شأن..‏‏

عدا ذلك أحمل في نفسي كل أحلام العالم..»..‏‏

ربما عاد هو ذاته يفسّر لنا هذا اللهيب الوجودي الصاعد أبداً والمتمثل في تصارع الذات المبدعة لتحديد مجموع صفاتها غير المنسجمة، حين يقول: «سنكون عديدين عندما نبحث عمّا نحن عليه».. ثم يعود ليؤكّد: «نحن ظلال ما نحن عليه»..‏‏

وبين لعبة الظلال والوجود الفعلي الحي تكمن جدلية الواقعي والمتخيل..‏‏

لعل غالبية المبدعين لم يتمكّنوا من تحقيق توازنٍ فعّال بين هذين القطبين، طبعاً على صعيد تفاصيل عيشهم اليومي.. بينما استثمروا الأمر على أكمل وجه فيما يخص جانب وجودهم الإبداعي.‏‏

توجِد «أناييس نن» تفسيراً لحال الانشطار، إن جاز القول، انشطار الذات الإنسانية وليس المبدعة فقط، حين تقول: «إن الإنسان واقعي في النهار وهو حالمٌ في الليل».‏‏

بيسوا يعبّر عن ازدواجية الحضور الإنساني بين الليل والنهار قائلاً: «في النهار أصبح العدم. وفي الليل أصبح ذاتي».. هو إذاً، وفق رؤية (نن)، ذاته حين يحلم..‏‏

في أشعار بيسوا ثمة حديثٌ دائم عن الحلم فـ(كل شيء حلم).. وكأنما وظّف قدرته الحلمية على الإتيان بالمزيد من التصورات الإبداعية.. موجداً عديد الشخصيات، أو البدلاء الذي كان يخترعهم كذوات مبدعة عوضاً عنه ويوقع نتاجه بأسمائهم.‏‏

إحدى شخصيات ساراماغو في (المنور) وصفها بقوله: «كانت تعيش في داخلها، وكأنها تحلم حلماً لا بداية له ولا نهاية...» هل يعني ذلك أنها تعيد إنتاج الآخرين داخلها على مبدأ بيسوا: «كل الآخرين موجودين داخلي حتى لو كنت بعيداً عنهم»..؟‏‏

يبدو أن الشاعر البرتغالي الأشهر عرف كيف يستثمر قدراته على أكمل وجه حين عرف كيف يترجم حالاته شبه الحلمية أو ربما الحلمية الكاملة، إلى إبداع.. وكما لو أنه طبّق قولهم: «الأحلام هي فترة نكون فيها مجانين بأمان، ولذلك نستطيع أن نبقى أسوياء خلال النهار».‏‏

الثورة