الصناعة تقدم رؤية جديدة للنهوض بالقطاع الصناعي
قدمت وزارة الصناعة للجنة الاقتصادية جملة من المحاور للنهوض بالقطاع الصناعي وللتوجهات الاستراتيجية، تضمنت رؤية الوزارة في مرحلة التعافي المبكر لصناعة سورية تنافسية محلياً وإقليمياً. وأشارت الوزارة في رؤيتها إلى أن الأزمات تتيح فرصاً هائلة للتغير، ولابد من تلقفها، ما يتطلب إنجاز خطوات تصحّح المسار وتساعد في نهوض القطاع من كبوته باعتماد المقاربة التنموية المبنية على أسس الاستدامة، والانتقال من الإسعافي إلى التنموي، ليسهم من جديد في عملية التنمية كلها، وخصوصاً في مرحلة التعافي التي تتبع انتصار الجيش العربي السوري على الإرهاب. وتهدف الرؤية إلى العمل على التموضع الاستراتيجي والنقلة النوعية والتركيز على المنتجات الاستراتيجية واستهداف الأسواق الجغرافية، وتحديد القطاع المنتج ذي الأولوية والفائدة بغية الاستثمار فيه، وتقديم الدعم على المستوى المتوسط المحدد للمنتج ذي الأولوية لترسيخ منتج وطني رائد، إضافة إلى العمل على تأهيل ورفع مستوى الكفاءات في شركات القطاع العام والخاص، ورفع مستوى الجودة وتخفيض تكاليف الإنتاج، وتطوير خريطة المدن والمناطق الصناعية وحل مسألة العشوائيات الصناعية، والعمل على تحديد الأسواق الجغرافية الخارجية وترسيخ الشركات السورية في الأسواق ذات الأولوية. خيارات أمام القطاع العام استعرضت المحاور خيارات تطوير القطاع العام الصناعي، لافتة إلى أنه أمام شركات القطاع العام خيارات عديدة، منها الاستمرار بالوضع الراهن، وهذا يعني التآكل والاضمحلال أو على الأقل الانحسار، في حين ذهب خيار آخر إلى العمل على إدخال بعض ملامح التطوير، وترى الوزارة أنها ستكون محدودة الأثر مهما كانت محكمة الصياغة، أو أن يتم وضع مخطط طموح لإعادة هيكلة المؤسسات وشركاتها، لكن التنفيذ يبقى مقيداً في حال عدم اعتماده من أعلى المستويات، وضمن أسس الرقابة الإيجابية مع تصويبات لازمة أثناء التنفيذ. خيار آخر طرحته الوزارة يتمثل بإحداث نقلة نوعية بالتفكير عالياً وبأدوات تمكن من وضع هذه الشركات أو على الأقل عدد مختار منها على مسار صاعد يستغل الفرص المتاحة وذلك بعد التشخيص المفصل لكل شركة على حدة، وإجراء دراسة وتحليل عميقين لمواطن الهدر وكيفية ضبط الإنفاق وتتبعه في كل شركة، حيث لابد من هجر النظم السابقة والهيكليات القائمة، بأن تبلور الوزارة أولويات عملها بإدخال تعديلات جوهرية حيث يستطيع معها التغير الهيكلي إحداث آثار نوعية وتجعل من تراكيبها المتعددة قادرة على الاستجابة السريعة لرؤية الإدارة الجديدة واتخاذ قرارات جريئة وسريعة، بما فيها معالجة أصول كل الشركات، وإمكانية إغلاق عدد من الشركات التي من غير المجدي إعادة تأهيلها بعد خسارة أصولها الرأسمالية، ودراسة إمكانية اعتماد صيغ التشاركية والتفاهمات والشراكات المحدودة النطاق أو الشاملة مع إمكانية اعتماد مفهوم الشركة المساهمة (أسوة بشركة الاتصالات التي كانت مؤسسة، وأصبحت تعمل ضمن قوانين الشركات بعد تطوير النظام المالي ونظام العقود ونظام العاملين). وترى الوزارة أنه ضمن خيار إحداث النقلة النوعية لا بد من مناقشة عدد من الخيارات كأن يتم طرح الأسهم في اكتتاب عام (الطرح الكلي أو الجزئي)، موضحة بأنه يقصد بالطرح العام قيام الحكومة بطرح كل أو جزء من أسهم رأسمال المنشأة للبيع للجمهور، من خلال سوق الأوراق المالية، والنتيجة هي أن تصبح الشركة مختلطة «حكومية وقطاع خاص»، ولنجاح هذه الطريقة يتعين توافر عدد من الشروط بأن تكون الشركة مستمرة ولها سجل أداء مالي معقول ومبشر في المستقبل، وأن يكون هناك قدر كبير ومتاح من المعلومات المالية والإدارية عن الشركة، إضافة إلى توافر قدر محسوس وملموس من السيولة النقدية في السوق المحلية لتمويل الشراء، ووجود سوق نشطة للأسهم، وترى الوزارة أن القراءة متأنية لهذه الشروط يبين أنها غير متوافرة في سورية، لذلك اقترحت عدم اللجوء إلى هذا الخيار أقله في المرحلة الراهنة. ومن الخيارات أيضاً طرح الأسهم في اكتتاب خاص أي بيع أسهم المنشأة أو جزء منها لمستثمر واحد أو مجموعة مختارة من المستثمرين، ويفضل هذا الأسلوب في حالة الشركات ذات الأداء الضعيف، أو الشركات التي تحتاج إلى مالكين تتوافر لديهم الخبرات الصناعية والمالية والتجارية اللازمة لنجاح الشركات، وكذلك الدعم المالي القوي، وقد تكون هذه الطريقة المجدية الوحيدة في حال غياب سوق أسهم نام، حيث لا آلية يمكن من خلالها الوصول إلى جمهور المستثمرين. واقترحت الوزارة خيار بيع أصول الشركة بالمزاد العلني وتأخذ هذه الطريقة شكل شراء أصول الشركة بصفة أساسية، وتتم هذه العملية بالمزاد العلني، ويوجد العديد من صور بيع الأصول، ومن أهمها إذا كان المرغوب فيه خصخصة جزء من الشركة، فإنه يمكن التصرف في هذه الأصول مع بقاء الجزء الرئيسي من الشركة مستمرا في نشاطه، أو إذا كان الاتجاه هو بيع الشركة بالكامل في حال الرغبة بحلها أو تصفيتها. ومن الخيارات المطروحة أيضاً ضخ استثمارات خاصة جديدة في الشركة في حال الرغبة بالتوسع أو التحديث لعمليات الشركة، ويتم ذلك من خلال فتح باب المساهمة في رأسمال الشركة للقطاع الخاص ويلاحظ في هذه الطريقة أن الحكومة لا تتصرف في ملكيتها الحالية للشركة، بل تزيد من الملكية الخاصة فيها وهذا يؤدي إلى التخفيف، من مركز ملكيتها، وتتولد تركيبة ملكية مشتركة بينها وبين القطاع الخاص، وتسمى في هذه الحالة شركة مشتركة. وذهبت الوزارة إلى اقتراح آخر هو عقود التأجير والإدارة وتتضمن هذه الطريقة التعاقد مع خبراء من القطاع الخاص، لتسيير وإدارة الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، في مقابل أتعاب معينة، أو مقاسمة الربح الصافي مع الدولة (فصل الإدارة عن الملكية)، إذ ترى أن هذا التعاقد لا يعرض المستأجر لأي مخاطر مالية كما أن الشركة الحكومية تتحمل المخاطر التجارية بالكامل، وتتمثل ميزة هذا العقد في احتفاظ الحكومة بملكيتها للشركة، وتعتبر عقود الإدارة من طرق الخصخصة الآخذة في النمو، وذلك بسبب مزايا عديدة أهمها التوفير في تكاليف أداء الخدمة، والتغلب على مشكلة عدم مرونة العمالة الحكومية مع التغيرات في طبيعة العمل وظروفه. وأشارت الوزارة إلى أن اللجوء إلى طريقة معينة من تلك الطرق إلى أدوات حكومية تنفيذية تتمتع بأوسع الصلاحيات وتكون بأعلى درجات المهنية والنزاهة والشفافية من أجل صنع القرارات واتخاذ الإجراءات التي تمكن من تنفيذ هذه الاستراتيجية على مستوى القطاع العام الصناعي. أدوات تنفيذية واستعرضت الوزارة الأدوات التنفيذية للوصول إلى الغايات المطلوبة، وهي إعداد معايير لتقييم شركات القطاع العام الصناعي فنياً وإنتاجيا ومالياً من لجنة فنية تشكل لهذا الغرض، وتشكيل فرق عمل مستقلة تتكون من مكتب تدقيق وممثل عن الجهاز المركزي للرقابة المالية وممثل عن وزارة المالية وممثل عن وزارة الصناعة مهمتها إعداد دراسات تقييم للشركات من عدة أوجه إنتاجياً ومالياً وإدارياً، والمصادقة على الدراسات التقييمية واقتراح القرارات الممكنة من لجنة بالوزارة، وإضافة إلى تشكيل لجنة عليا ضمن رئاسة مجلس الوزراء بموجب قانون يمنحها السلطة باتخاذ القرارات اللازمة من أجل معالجة أوضاع الشركات بموجب الدراسة التقييمية لكل شركة بشكل مستقل. وترى وزارة الصناعة أن إدارة العملية تتطلب أن يتم تأسيسها على أسس واضحة من أهمها، اختيار الإدارة على أساس الكفاءة، وأن يتم البحث عن الكفاءات الإدارية المتميزة وتعديل آليات صنع القرارات من خلال منح السلطات التامة للجهات الإدارية المباشرة على مستوى الشركة، وعدم التدخل في أعمال هذه الشركات والمؤسسات وتجاوز الروتين والطرق الطويلة في صناعة القرارات، والمحاسبة على أساس النتائج النهائية. وأشارت إلى أن العلاقة بين الحكومة والشركات العامة يجب أن تتبدل بشكل جذري، فالحكومة يجب أن تسلك سلوك المساهم في الشركات المساهمة، أي إن المساهم يستبدل مجلس الإدارة إذا فشل في تحقيق الأهداف، وعلى الحكومة أن تمنع أي مساعدة عن الإدارة وأن تستبدلها إذا لم تنجز الأهداف، علماً بأن شكل هذه الأهداف يجب أن يتغير من الأسلوب القديم حيث كان مؤشر كمية الإنتاج هو الهدف الأسمى، إلى معايير جديدة توضع في ظل ظروف وإمكانيات كل شركة من المؤسسات، وأن تصاغ هذه المعايير وبوضوح على شكل اتفاقية لمدة محددة بين إدارة الشركة والحكومة، وأن تكون الحكومة حازمة وقوية في محاسبة إدارة الشركة بموجب هذه المعايير، وعلى الحكومة ألا تتدخل في إدارة هذه المؤسسات خلال هذه المرحلة، وأن الأمر يتعلق بالاستقلالية، وعندما تصبح هذه المؤسسات قادرة على المنافسة عندئذ يمكن للدولة أن تقرر ماذا تفعل بها. وتم اقتراح أن تكون وزارة الصناعة محورا مهما من محاور النمو والتنمية في مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار يرتب عليها العمل مع التوجهات الأخرى السائدة في القطر وخصوصا برامج الإصلاح الإداري والمؤسساتي. وترى الوزارة أنه بعد اعتماد الرؤية المقترحة سوف يصار العمل إلى إعداد البرامج التنفيذية لكل خيار من الخيارات الاستراتيجية، والعمل على وضع معايير الرقابة والتقييم والتغذية الراجعة. هيكليات تضمنت الرؤية أيضاً العمل على هيكلة الوزارة والمراكز الداعمة والتركيز على مكون السياسة الصناعية والتحفيز الميسر، وإحياء المجلس الاستشاري في الوزارة، وإعادة صياغة الهيكل التنظيمي وصياغة دور مديريات الصناعة والمراكز الداعمة، إضافة إلى تفعيل إدارة للموارد البشرية، وإعادة النظر بدور المؤسسات الصناعية، وبناء قاعدة معرفية محدثة لآليات صنع القرار، وإعادة التواصل مع المنظمات الدولية الخاصة بالتنمية الصناعية. كما تهدف إلى إعادة هيكلة شركات القطاع العام الصناعي عبر التشخيص الفعلي وعلى أرض الواقع لكل شركات القطاع، وتحديد خياراتها الاستراتيجية «إعادة تأهيل، تطوير، تغيير نشاط، تخصيص، تصفية..» ودراسة الواقع الحالي للموارد البشرية على مستوى القطاع كله، وعلى مستوى كل شركة وتدوير هذه الموارد لإعادة الإقلاع بالقطاع من جديد، والعمل على تطوير البيئة التشريعية والقانونية الناظمة للقطاع، وتوفير الموارد المالية للعمليات الاستثمارية والتشغيلية من خلال صيغ جديدة وابتكارية شفافة كالتشاركية مع القطاع الخاص. إضافة إلى تطوير البيئة التمكينية للقطاع الخاص عبر التخفيف ما أمكن من القيود التي فرضت على الشركات نتيجة الحرب، ومساعدة الشركات للاستفادة من مساعدات إعادة الإعمار التي توفرها بعض المنظمات الدولية، إضافة إلى إعادة النظر بقوانين الاستثمار والعمل على توفير بيئة استثمارية جاذبة، وتفعيل قانون التشاركية، وتوفير نطاقات عمل على شكل تجمعات صناعية ومدن صناعية، تحرير سوق التدريب للمساهمة ببناء قدرات الكوادر الصناعية. نقص الكوادر نوّهت رؤية الوزارة في إطار البنية المؤسساتية وتطوير الأداء الإداري بالنقص الشديد في عدد الكوادر ضمن الوزارة وفي معظم المؤسسات والشركات التابعة لها، مع التشديد على أهمية معالجة الترهل، إذ تمت بلورة خطة التأهيل والتدريب، مع التنويه بالعمل على تنفيذ برنامجي ماجستير تأهيل وتخصص للكوادر العليا (واستهداف تأهيل 120 مهندساً وجامعياً على دفعات) بالتعاون مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي عبر معهد التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، لكون أي عملية نهوض جدية للقطاع تتطلب روافع عديدة وليس أقلها وجود كوادر مؤهلة ورفيعة مؤمنة بالتغيير وعلى دراية إدارية وفنية بالتنظيم الصناعي الحديث. الوطن