الانقسام الغربي على سعر الفائدة أم على توقيت الانفجار؟!
تنقسم الأوساط الاقتصادية العالمية في المركز العالمي الأميركي اليوم على مسألة رفع أسعار الفائدة، فيدفع البعض باتجاه ضرورة رفع سعر الفائدة مجدداً ليصل إلى 4% أو 5%، بناءً على اعتقاد أن مثل ذلك الإجراء قد يعيد التوازن للاقتصاد نوعاً ما، من خلال العودة به إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية عام 2008. بينما تطل المؤسسات الدولية في البنك وصندوق النقد الدوليين، كطرف في الاستقطاب للتعبير عن مخاوف من رفع سعر الفائدة..
4 تريليون خسائر في أمريكا!
يعبر الكثير من الاقتصاديين بالإضافة إلى مؤسسات مالية دولية بمن فيهم البنك وصندوق النقد الدوليين، عن مخاوفهم من رفع سعر الفائدة. حيث وضح صندوق النقد الدولي مؤخراً أن حوالي 4 تريليون دولار من أصول الشركات الأمريكية ستكون عرضةً للخطر في حال تم رفع سعر الفائدة بشكل مفاجئ. وبالمقابل ووفقاً لصندوق النقد فإن اقتصادات الدول الصاعدة قد استطاعت التخفيف من الاختلالات الخارجية، المتمثلة بخطر ديونها الخارجية، وإبقاء أسعار الفائدة منخفضةً يضعها في موقع أكثر أماناً.
إيقاف تضخيم الديون
حجة هؤلاء القائلين برفع سعر الفائدة، هي: أن مثل ذلك الإجراء من شأنه أن يحدّ من سعي البنوك ومديري الأصول المالية من خوض المخاطر في سبيل زيادة الايرادات وتحقيق الأرباح. أي: إنهم يقولون بأن أسعار الفائدة المنخفضة، تؤدي إلى توليد مزيد من القروض والمشتقات، لتعويض الفوائد المنخفضة. واستخراج الربح من الأصول المالية المتوفرة بما فيها صناديق المعاشات التقاعدية، وأصول الشركات الإنتاجية الأجنبية، مما يؤدي إلى تضخيم الفقاعة المالية. أي: إنهم يقولون بأنه ينبغي التوقف عن تضخيم الفقاعة المالية الناجمة عن تخفيض سعر الفائدة..
تفجير الفقاعة
ولكن (الحل المطروح) المتمثل برفع سعر الفائدة، جرب مسبقاً وقبل أقل من عقد، ولم يأتِ سوى بنتائج كارثية. فالحالة شبيهة لما حدث عشية الأزمة المالية لعام 2008 عندما حدث انفجار كبير في الفقاعة المالية الناجمة عن التوسع في القطاع المالي كمكان منعش للربح على حساب القطاعات الإنتاجية. حيث إن أسعار الفائدة التي كانت قريبةً من 2% في مطلع الألفية، هبوطاً من ذروة ارتفاع في عام 1980 ومعدل فائدة 20%، قد ساهمت في التوسيع غير المسبوق في الدين والمشتقات، وفقاعة مالية، انفجرت في عام 2007-2008، بعد أن تم مضاعفة سعر الفائدة خلال الفترة بين 2005-2007 ليتجاوز 5%، ما أدى إلى عدم القدرة على السداد في إحدى الفروع، وامتدت إلى مجمل سوق المال العالمية المترابطة.
وكذلك الحال اليوم، فإن رفع سعر الفائدة سيؤدي عملياً إلى انفجار الفقاعة المالية المتضخمة منذ عام 2009، وبدء سياسات التيسير الكمي الأمريكية، والتي يمكن أن نعبر عنها بسياسات الدّين السهل، أو منخفض التكلفة، التي التحقت بها اليابان وأوروبا، والتي نشرت الدين عالمياً أبعد وأعمق من السوق المالية، ليتغلغل في القطاعات الإنتاجية للدول الصاعدة، حيث إن دَيْن الشركات في الدول الصاعدة قد ارتفع من 47% إلى 104% من ناتجها المحلي، بين عامي 2008-2016.
لذلك فإن رفع سعر الفائدة هو تفجير للأزمة المالية، بينما الحديث عن عدم رفع سعر الفائدة، هي محاولات مؤقتة للبعض لتأخير هذه العملية، وهو اختلاف بين النخب المالية الحاكمة على التوقيت فقط، لا على مبدأ الرفع، وهذا ما يفسر أن التصريحات والتحذيرات الصادرة من المؤسسات المالية متناقضة، وعاجزة عن طرح حلول خارج هذا الإطار، فبينما يحذر صندوق النقد الدولي من آثار رفع سعر الفائدة، يعود ويؤكد أنه بالحفاظ على سعر الفائدة المنخفض، فإن النمو الاقتصادي سيستمر بالانخفاض، وأن مخاطر الاستقرار المالي العالمي ستزداد حدتها.
إلا أن المنظومة المالية الغربية، متفقة على أن الأزمة ستندلع إن عاجلاً أم آجلاً، وتدل على هذا تجهيزات من نوع مركزة علاقاتها، وتضييق الدائرة، وبناء تحالفات متينة من أجل إدارة المخاطر الناجمة، فعلى سبيل المثال: وقعت ستة بنوك مركزية في 10-2013 اتفاق الالتزام بتبادل السيولة، في الولايات المتحدة، والمركزي الأوروبي، والبريطاني، والياباني، والسويدي، والكندي، وهذا الاتفاق مصمم لتجنب أزمات نقص السيولة في هذه المراكز في حال اندلاع أزمة مالية عالمية.
التراجع المرير..
إن الحديث عن توقيت رفع سعر الفائدة ووتيرته، هو حديث عن عملية إدارة الأزمة القادمة حكماً، الأمر الذي سيترتب عليه خسائر كبرى، لقوى كبرى، تحاول القوى الرأسمالية المنقمسة والمتنافسة في المركز العالمي المالي في الغرب أن تديره بدقة، ولكن خلافاتها العميقة تظهر مجدداً، وتظهر التناقضات.
يبدو أنه من الصعب التحكم بنتائج إيقاد أزمة مالية اليوم، وبالمقابل من الصعب تأجيلها لأن القدرة على التحكم تنخفض، بين هذا وذاك تتجلى أزمة المنظومة العالمية وتراجع قدرتها على التحكم، وتناقض مصالحها وصعوبة توحيدها..
أما الحلول فهي خارج إطار سعر الفائدة، وستولد من رحم الأزمة، بتسريع خروج القوى الاقتصادية العالمية الأخرى، من منظومة المال الغربية المهيمنة، وهي مسألة معقدة وسترتب خسائر على الجميع، ولكنها ستكون ضربةً جديدةً عميقةً لمنظومة الدولار الغربية، وخطوةً على طريق البدائل..
"قاسيون"