مداد يقترح تأسيس مجلس تنسيقي للسياسة المالية والنقدية يضم رئيس الحكومة
أكد مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» ضرورة تبني مصرف سورية المركزي إطاراً واضحاً للسياسة النقدية وتطبيقه بشكل تدريجي لتوجيه عملية تنفيذ السياسة النقدية على المدى المتوسط ما ينسجم مع التوجه الإستراتيجي للسياسة الاقتصادية للبلاد. جاء ذلك في ورقة سياسات نشرها المركز مساء الأمس بعنوان «السياسة النقدية في سورية: مقترحات وحلول»، للباحث الدكتور كنان ياغي (أستاذ جامعي)، اقترح خلالها تحديد إستراتيجية زمنية للسياسة النقدية تقوم على تبني هدف نهائي طويل المدى يتمثل بالعمل على استقرار الأسعار ومكافحة التضخم، واستهداف سعر الصرف على المدى المتوسط، وصولاً لتحقيق الهدف النهائي، وتفعيل أدوات السياسة النقدية غير المباشرة على المدى القصير الأجل. وبغية إدارة السيولة بشكل فعال في سورية أكدت الورقة أنه لا بد لمصرف سورية المركزي أن يستخدم في إدارته للسياسة النقدية (غير المباشرة) توليفة من الأدوات النقدية غير المباشرة ومنها عمليات السوق المفتوحة والتسهيلات القائمة ومتطلبات الاحتياطي الإلزامي، إذ يرتبط المحددُ الأساسُ لخلق الأدوات غير المباشرة للسياسة النقدية بقرارات تصدر عن المصرف المركزي تحدد المستوى الملائم لمعدلات الفائدة على الأجل القصير لديه. وتضمنت الورقة خمس خطوات يؤدي اتخاذها إلى توفير متطلبات البيئة المناسبة لعمل الأدوات النقدية غير المباشرة في سورية، شملت سحب السيولة الفائضة في السوق، وإستراتيجية التنبؤ بحجم السيولة الفائضة في السوق، والعمل على إنشاء ما يسمى بالتسهيلات القائمة، وتفعيل عمل لجنة السياسة النقدية، وأخيراً تأسيس مجلس تنسيقي للسياسة المالية والنقدية. سحب السيولة الفائضة ذكرت الورقة أن المصارف العاملة في سورية تعاني من الارتفاع الكبير في مستوى الاحتياطيات بالعملة المحلية الفائضة لديها، فهي تعادل أضعاف حجم الاحتياطي الإلزامي بعدة مرات، على حين أن المستوى المعياري المقبول على مستوى الدول ذات الاقتصاديات المتحولة يعادل أقل من 35% من الاحتياطي الإلزامي. لذا فإن وجود آلية فعالة لسحب السيولة الفائضة من القطاع المصرفي تُعَدُّ ضرورة ملحة جداً في الوقت الحالي، وهذا يتطلب بشكل رئيس تحويل السيولة الفائضة إلى ما يدعى بصافي أدوات السوق المفتوحة ويمكن سحب السيولة عبر مقترحين لقيام مصرف سورية المركزي بإصدار سندات دين خاصة به (شهادات إيداع) يقوم بإحلالها مكان الاحتياطيات الفائضة الموجودة لدى المصارف التي سوف تمثل أدوات سوق مفتوحة سالبة (في جانب المطاليب من ميزانية المصرف المركزي). ورأت الورقة أنه يجب أن يتم إصدار شهادات الإيداع الخاصة بالمصرف المركزي بطريقة المزايدة التقليدية، ويمكن أن يقوم مصرف سورية المركزي بتحويل الاحتياطيات الفائضة إلى ودائع لأجل ذات عائد، ويمكن جمع هذه الودائع باستخدام آلية المزايدة، أو عبر حل يتمثل بمجموعة من الحلين السابقين إنشاء التسهيلات القائمة أوضحت الورقة أن التسهيلات القائمة الحديثة تتضمن الوديعة لليلة واحدة (نافذة الإيداع) والتسهيلات الائتمانية للمصارف التجارية (نافذة الخصم) بسعر فائدة غير مرضٍ للمصارف إذا تمت مقارنته بأسعار الفائدة السائدة في السوق، والقاعدة أن أسعار الفائدة على الودائع لليلة واحدة هي أقل من سعر الفائدة السوقي على حين تكون أسعار الفائدة على نافذة الخصم أكبر بقليل؛ ذلك بهدف تشجيع المصارف على تمويل العجز في السيولة واستثمار فوائض السيولة في الأسواق النقدية بعيداً عن اللجوء للمصرف المركزي (إذ يقتصر دور المصرف المركزي كملجأ أخير للإقراض). إضافة إلى أن أسعار الفائدة المستخدمة من المصرف المركزي عن طريق التسهيلات القائمة تزود السوق النقدية بسعر الفائدة على المدى القصير عن طريق تحديدها لسعر الفائدة الأدنى والأعلى، فإذا قام المصرف المركزي بتغيير مستويات أسعار الفائدة المحددة لهيكلية أسعار الفائدة، فإن سعر الفائدة السوقي على المدى القصير سوف يتبع تلك التغيرات. وإذا ما أخذنا بالحسبان التوقعات المستقبلية للسوق بخصوص قرارات أسعار الفائدة المستقبلية، فإن أسعار الفائدة الطويلة الأجل سوف تتأثر أيضاً. إستراتيجية التنبؤ بحجم السيولة الفائضة ذكرت الورقة أنه إذا أراد مصرف سورية المركزي العمل على سياسة نقدية مرتكزة إلى أسس السوق، فهو يحتاج إلى تقدير حجم صافي الطلب على السيولة ليتسنى له تحديد حجم السيولة اللازم سحبها أو ضخها في السوق النقدية باستخدام عمليات السوق المفتوحة. إن أكثر المناهج استخداماً وشيوعاً في هذا الإطار هو مدخل الميزانية العمومية والذي يرتكز إلى تعريف وتحديد العوامل المستقلة (البنود المناظرة) من ميزانية المصرف المركزي والتي تمثل النقد المصدر والودائع الحكومية وصافي البنود الأخرى، من دون صافي الموجودات الأجنبية والديون المقدمة للحكومة والديون المقدمة للمصارف. ومن ثم وضع الأدوات اللازمة للتنبؤ بكل عاملٍ من هذه العوامل على حدة. ولكن تطبيق مدخل الميزانية العمومية للتنبؤ بحجم السيولة يحتاج إلى ما يسمى بالمتطلبات التحضيرية مثل التوقيت الجيد وإمكانية الحصول على البيانات المحاسبية الدقيقة والكافية فإدارة السيولة تتطلب بيانات موحدة ومحدثة ومتوافرة بشكل يومي، قبل وقت محدد مسبقاً وفي كل صباح، وهو ما ليس متوافراً لدى مصرف سورية المركزي إلى الآن، إضافة إلى كشوفات الحسابات اليومية التي توفر البيانات على أساس التدفق؛ وهذا يعني أنَّ الموجودات والمطاليب يجب أن تقوم على أساس معدل المعاملات، وتسجل كتسوية في حركة الأموال، مع الإشارة إلى أن بعض عمليات إعادة التقييم يجب أن يتم اجتنابها، لأنها لا تمثل تدفقات نقدية. تفعيل عمل لجنة السياسة النقدية حددت الورقة عمل لجنة السياسة النقدية بغرضين رئيسين: يتمثل الأول بمساعدة مجلس النقد والتسليف في اتخاذ قرارات السياسات النقدية، إذ ينبغي على هذه اللجنة الاجتماع بشكل دوري لتبادل المعلومات ووجهات النظر حول أحدث التطورات في الأسواق وحول الإجراءات التي يجب اتخاذها. ثانياً: تهدف هذه اللجنة على المدى الأطول إلى تعميق المعرفة، وتحليل الأسواق، وإبداء بعض الاقتراحات في مجال السياسة النقدية والأسواق المالية. أما الموضوعات الأساسية التي يجب مناقشتها في الاجتماعات الدورية لهذه اللجنة فيجب أن تتضمن التطورات والنشاطات التي يقوم بها المصرف المركزي على مستوى السوق المحلية (السيولة)، والتطورات المختلفة والطارئة على أسعار الفائدة والعمليات التي يقوم بها المصرف المركزي، والتطورات والنشاطات التي يقوم بها المصرف المركزي في مجال أسواق القطع الأجنبيّ، إضافة إلى التطورات في الأسواق السلعية (الذهب والنفط). وعلى أساس هذه التوصيات، فإن بعض الاقتراحات يمكن أخذها بالحسبان لاتخاذ القرارات في مجال السياسة النقدية. مجلس تنسيقي للسياسة المالية والنقدية يهدف المجلس التنسيقي للسياسة المالية والنقدية إلى تعزيز التنسيق والتناغم بين أهداف السياستين المالية والنقدية، ويضم رئيس الحكومة وحاكم مصرف سورية المركزي ووزير المالية وخبيرين مستقلين. ويهدف هذا المجلس إلى تحقيق أعلى درجات التناغم والتوافق بين السياستين المالية والنقدية في البلاد، ويلعب دور همزة الوصل بين الحكومة والمصرف المركزيّ؛ ذلك لإحداث التناغم بين السياستين المالية والنقدية. كما يقوم المجلس بتقديم الاستشارات التي تمكِّن كلا الطرفين من ضبط إيقاع السوق المالية، إضافة إلى بث الطمأنينة في نفوس المستثمرين والمؤسسات الدولية، عبر ضم شخصيات ذات كفاءة وخبرة عالية للمجلس. وأكدت الورقة أن دور المجلس التنسيقيّ سوف يختلف عن اجتماعات مجلس النقد والتسليف، أو حتى اجتماعات لجنة إدارة المصرف المركزي، حيث إن المجلس التنسيقيّ هو المجلس الوحيد الذي يجمع رئيس الوزراء ووزير المالية وحاكم المصرف المركزي مع خبراء اقتصاديين؛ ذلك بهدف تحقيق التناغم بين السياستين المالية والنقدية، ومنع أيّ قرارات متعارضة، ما ينعكس إيجاباً على معدلات النمو الاقتصاديّ. كما يُعَدُّ همزة وصل مهمّة بين المصرف المركزيّ والحكومة، للعمل على رسم أطر عامة للتحرك فيها، لافتاً إلى أن عملية التنسيق تساعد على تسريع وتيرة الإصلاحات، بدلًا من العمل في جُزُر منفصلة. ولفتت الورقة إلى أن دور المجلس لا يتعارض مع دور المصرف المركزيّ، ولا سيما أن الأخير هو المَعنيُّ بتنفيذ السياسة النقدية، بينما يتمثل دور المجلس في وضع توصياتٍ من شأنها زيادة التناغم بين السياسات المالية والنقدية، على اعتبار أن وجود ممثل عن وزارة المالية في مجلس النقد والتسليف غير كافٍ لإحداث التنسيق بين السياستين المالية والنقدية، إذ إنَّ الموضوع سيصبح مختلفًا في حالة اجتماع الوزراء المعنيين مع حاكم المصرف المركزي. كما أن اللجنة التنسيقية لن يتعارض عملها مع عمل اللجنة الاقتصادية التي تجتمع بشكل دوريٍّ، وستحقق قيمة مضافة حال تفعيل عملها بشكل منتظم، وأن هدف المجلس هو لمناقشة موضوعات محددة تخص السياستين المالية والنقدية للدولة، فيما تضم اللجنة الاقتصادية عدداً واسعاً من حقائب الوزارات الاقتصادية، إلى جانب حاكم مصرف سورية المركزي فقط؛ لمناقشة النواحي الاقتصادية من منظور أوسع. الوطن