شائعات زيادة الرواتب قبل العيد و استحقاقات تحسين المعيشة بعده
يقدّم الوضع المعيشي نفسه بقسوة في أروقة القرار الرسمي، كما في الشارع والأوساط الشعبيّة، وربما لن نختلف هنا على أهميّة ترتيب هذا الملف “القلق” لارتباطه الحسّي بواقع يوميات المواطن، لكن خلافاً عميقاً يبدو الآن حول طريقة التقاط الحلول لما بات مشكلة واقعة لا تقبل الترحيل. ولعلّه من المريب أن يترك الجميع مسارات الحلول القصيرة والسهلة، لتتعلّق الأنظار بأصعب الخيارات، بل وأبغضها، وهو زيادة الرواتب – التي تشبه تماماً وصفة “الكورتيزون” في خيارات قليلي الحيلة والخبرة في عالم الطب – وكأن تحسين الأوضاع المعيشية مستحيل من دون معالجات على بند الأجور، في بلد لا يتجاوز عديد عمالة القطاع العام فيه 1,8 مليون موظف؟!!. لماذا الدوران والالتفاف حول “هاوية” الاستدانة من المستقبل، وتوريط الأجيال اللاحقة بكتلة دَين داخلي هائلة، لابتكار زيادة خلبيّة على الأجور، نعلم جميعاً أن السبيل إليها يمرّ – إجبارياً – عبر خيار التمويل بالعجز واستنساخ أوراق نقدية لا تساوي إلّا تكاليف الصك، وليس إلّا في الاعتبارات الاقتصادية؟؟. لماذا ننأى بأنفسناً عفواً أو قصداً عن الأدوات الأخرى الأكثر فاعليّة لتحسين الوضع المعيشي للجميع موظف وغير موظف؟؟. هل استسلمنا جميعاً لفوضى السوق، وسلّمنا بأن ثمة ” قضاء مسلّطاً” يقضي بإطلاق يد كل السّاعين لدفن الفقر بصفقة واحدة، وتعزيز قدرات التقاط الثروات لدى طلاب المال و” طالب المال لا يشبع”.. هل علينا زيادة الرواتب لزيادة ثروات هؤلاء الذين ينتظرون الزيادة أكثر من الموظف ؟؟. فلننسَ “لوثة” زيادة الرواتب إذاً، ولنهدأ استعداداً لحلّ نظنه أكثر استدامة، يرتقي إلى مرتبة وطني بامتياز، وهو تحسين الأوضاع المعيشية من دون زيادة رواتب. الطرح ليس بالجديد، لكن ما سيكون جديداً هو الإجراءات المنتظرة التي يجب ألّا تتأخر، لأن الظرف لم يعد يسمح، والبداية يفترض أن تكون بحلقة متكاملة ومتناغمة، بين الحكومة والنقابات والاتحادات المهنيّة، عنوانها تحديد وضبط الأسعار بدقّة، ونواظمها روادع صارمة بحق المتجاوزين، ولو اقتضى الردع استصدار تشريعات جديدة. من البديهي هنا أن تكون الخطوة الأولى بأسعار السلع، وتفعيل مديرية التسعير المركزي في وزارة التجارة الداخلية، والتسعير ليس “معضلة”، فثمة تجارب سابقة مديدة كانت ناجحة، وحققت استقراراً في الأسواق، كنا مضرب مثل فيه. والخطوة الثانية أسعار الخدمات.. وهذه تلتهم الحصّة الأكبر من دخل الأسرة السورية حالياً – خصوصاً الموظفين – ولا نعتقد أننا بحاجة إلى تقديم شرح مفصّل حول تسعيرة المعاينة في عيادة الطبيب أو في المشفى، أو بشأن أجرة أي من أصحاب المهن الحرّة، والمدهش أن النقابات والاتحادات المعنيّة تتفرج، بل وتبارك!!. لو استطاعت الحكومة – ويجب أن تكون لديها القدرة – ضبط أسعار السلع والخدمات كافة بعد دراسة متأنية للكلفة والجهد، لحققت إنجازاً يرقى إلى مستوى زيادة الرواتب بنسبة 100 %، وهذا أكثر بكثير من سقف حلم كل المطالبين بالزيادة. ولا بأس أن تخصص الحكومة اجتماعاً نوعياً واسع الطيف مع رؤساء النقابات والاتحادات ذات الصلة بأصحاب المهن ومقدمي الخدمات، للبدء بدراسة قوائم جديدة للأسعار، بعد أن تكون وزارة حماية المستهلك قد استعدّت لقوائم أسعار واقعية، بدءاً من سعر كيلو الفاكهة حتى سعر السيارة الحديثة بما أننا دخلنا نادي “كبار المنتجين”. الخبير السوري