مقترح لهيئة إدارة مخاطر ترسم خريطة العمل المصرفية في مرحلة الإعمار
بعض تثير التساؤلات عن إمكانية تأمين الربح في حال استقر سعر الصرف وغابت أرباح إعادة تقييم مراكز القطع الأجنبي البنيوية التي تحتسب في مصارفنا كربح تشغيلي.
تفيد البيانات المالية المنشورة حديثاً لأحد المصارف الخاصة بأن ما نسبته فقط 2 بالمئة من إجمالي موجوداته قد تم توظيفها على شكل تسهيلات ائتمانية، على حين سجلت قيمة الأموال السائلة وشبه السائلة لديه (نقداً وأرصدة لدى مصرف سورية المركزي والأرصدة لدى المصارف والإيداعات لدى المصارف) ما نسبته 95 بالمئة من الموجودات، حيث اقتصر نشاط هذا المصرف على توظيف ما لديه من أموال لدى المصارف المراسلة في الدرجة الأولى بهدف توظيفها واستثمارها بأدوات مالية متنوعة تحقق لها عوائد مبتعدة كل البعد عن توظيف أموالها كتسهيلات وقروض داخل البلاد، وهذا النشاط يبتعد عن دور المصارف الخاصة المرتقب في مستوى دعم التنمية الاقتصادية، إذ إن الاحتفاظ بالنقدية السائلة وتوظيف جزء كبير منها على شكل توظيفات متوسطة الأجل داخل وخارج البلاد لتجنب توظيفها على شكل قروض قادرة على دفع عملية الإنتاج والتنمية في البلاد.
من ناحية أخرى فإن قيمة الأموال السائلة لديه تجاوزت قيمة الأموال المودعة لدى المصرف، مسجلة نسبة 10بالمئة من إجمالي الودائع لديه، وهنا نتوقف لنتساءل: كيف يقوم هذا المصرف أو غيره بسداد الفوائد على هذه الودائع وهو قام بالاحتفاظ بأصول سائلة وشبه سائلة تفوق قيمة الودائع لديه؟
أمام هذه الحقائق يحق لنا كمساهمين في أي مصرف من هذه المصارف الخاصة أن نسأل إدارات المصارف عن كيفية إدارة أموالهم؟ ولاسيما أن نسبة نفقات الرواتب لدى أحد هذه المصارف قد بلغت 37 بالمئة من صافي دخل الفوائد والعمولات والرسوم؟ بمعنى أن الأنشطة التشغيلية المصرفية تستنفد جميع الإيرادات المصرفية بشكل كامل ولولا تحقيق هذه المصارف أرباحاً من إعادة تقييم مراكز القطع البنيوي لكانت قد حققت خسائر في قوائم الدخل لديها.
طبعاً لا يمكن تعميم هذه الأرقام الخاصة بأحد المصارف على الجميع، إلا أن الحالة نفسها تتكرر، ولكن مع اختلاف بالنسب فقط، وريثما تصدر البيانات لنهائية المدققة لجميع المصارف يمكن تقديم نسب للقطاع كاملاً، إلا أنه من خلال دراسة بيانات عدة مصارف نشرت إفصاحاتها عن العام 2016 يلاحظ أن نسبة التسهيلات الائتمانية لا تتعدى 20 بالمئة إلى 35 بالمئة من إجمالي ودائع الزبائن، حت الآن، على حين يجب ألا تقل عن 50 إلى 60 بالمئة، كما أن الأرصدة لدى المصارف (أغلبها مصارف مراسلة) بحدود 60 بالمئة إلى 75 بالمئة من إجمالي الموجودات.
واقعياً، هذا أمر فرضته ظروف الحرب، وتداعياتها، التي ابتعلت أكثر من نصف عمر القطاع المصرفي الخاص، فمن فترة التأسيس إلى مقارعة ظروف الحرب، لذا تأتي هذه البيانات المخالفة للمنطق المالي والمصرفي والنقدي، كحالة مقاومة لعدم الخروج من السوق رغم الحرب، وهو ما يجعلها منطقية قياسا إلى الظرف الاستثنائي الذي تعمل فيه، بمعنى لايمكن إخضاع المصارف لتحليل مالي دقيق لمحاسبتها على مؤشراتها، بل لتحديد مسارات التفكير في ابتكار آليات ومناهج عمل تسليفية وتحوطية (استجابة للمخاطر)، لتفعيلها في دعم التنمية والإعمار.
وهنا نلاحظ غياب الاهتمام بأحد أهم مرتكزات العمل المصرفي اللازمة للفترة المقبلة والمتمثلة في إدارة المخاطر. فبعد سنوات عديدة من توقف المصارف عن تقديم خدماتها المصرفية وأمام المخاطر التي تواجه الاستثمار في البلاد، يفضل البحث في تأسيس هيئة مسؤولة عن إدارة المخاطر المصرفية، وتكوين فريق من الاختصاصيين في هذا المجال الذي أصبح من أهم المجالات المصرفية للفترة المقبلة، لرسم خريطة العمل المصرفي في الأيام القادمة قياساً إلى مؤشرات يجب الوصول إليها، يتحقق عندها الدور المطلوب من المصارف في التنمية.
حامد سيف الدين
عضو مؤسس في جمعية المحللين الماليين- سورية