بعيدًا عن المركبات الفضائية.. اختراعات مذهلة يستعملها البشر من صنع «ناسا»
كثيرًا ما يدور جدل في الولايات المتحدة الأمريكية حول جدوى الميزانية الضخمة التي تستهلكها وكالة «ناسا NASA» للفضاء، وعمّا إذا كانت هنالك فائدة ملموسة تعود على ملايين البشر من استكشاف الفضاء، بينما يعيش كوكب الأرض العديد من المشاكل، من فقر ومرض وبطالة، لكن هذه المليارات من الدولارات التي تُصرف على استكشاف الفضاء، ساعدت البشريّة على ابتكار اختراعات تفيدنا في حياتنا اليوميّة. غالبًا ما يتبادر إلى ذهن الكثيرين صورة رائد فضاء في بذلته المميزة، أو مسبار فضائي، أو صورة للكواكب الأخرى التي تسبح في الفضاء، عند ذكر وكالة «ناسا» أمامهم، وقلما يعرف البعض أن وكالة الفضاء الأمريكية قدمت للبشرية ما هو أكثر من جعل السفر إلى الفضاء أمرًا ممكنًا. فمنذ إنشائه في عام 1958 أوضح قانون الفضاء أن «الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)»، يجب ألا تتوقف عند دراسة السفن الفضائية فقط؛ إذ ينص القانون على إجراء أبحاث واكتشافات تفيد الجمهور العام، وبعد كل هذه السنوات يمكن القول إن وكالة «ناسا» عملت بكل إخلاص من أجل الالتزام بهذا القانون. فبالإضافة إلى الوصول للقمر والسفر إلى الفضاء، استطاع العلماء والخبراء المنتمون لوكالة الفضاء الأمريكية عبر نتائج البحث والتطوير، اكتشاف وابتكار تقنيات وأدوات جديدة، نستخدمها بصورة يومية، سهّلت علينا المعيشة، وجعلت حياتنا أيضًا أكثر صحة. التقرير التالي يسلط الضوء على بعض هذه الابتكارات والاكتشافات التي يعود الفضل في وجودها إلى الوكالة المرتبطة لدى الكثيرين بسفن الفضاء والتلسكوبات. الاتصالات طويلة المدى عبر الأقمار الصناعية أي شخص يقضي عطلته في الجبال، أو يعيش في مزرعة على الحدود، أو في مناطق معزولة، يعرف جيّدًا مدى صعوبة الحصول على اتصال جيد بالإنترنت، أو إشارة قوية للهاتف المحمول في منطقة نائية تخلو من أبراج تقوية الإشارة؛ إذ لطالما كان التواصل عبر مسافات بعيدة تحديًا. لذا فعندما صمم مهندسو ناسا المركبة المدارية الاستطلاعية عرفوا أنها ستحتاج إلى نظام اتصالات غير عادي؛ الأمر الذي جعلهم يعملون على ابتكار وسائط أخرى تُسهل عملية الاتصال بين طرفي الكرة الأرضية، وكذا بين الفضاء والأرض. فهذه التقنية التي تُمكننا من البقاء على اتصال مع أي شخص في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وتستخدم في الاتصالات والتجسس وبرامج البحث والتطوير، تتمّ بواسطة 200 قمر صناعي تابع لوكالة ناسا تدور حول الأرض بشكل يومي. ترمومتر الأشعة تحت الحمراء صدق أو لا تصدق: في الولايات المتحدة وحدها يقيس شخص ما درجة حرارة شخص آخر حوالي ملياريّْ مرة في السنة، هذا فقط في المستشفيات ومكاتب الخدمات الصحية، دون حساب الأمهات القلقات على صحة أولادهن اللواتي يقسن درجات الحرارة في المنازل. وبفضل «ناسا» استطاعت الهيئات الطبية توفير الوقت اللازم لقياس درجة الحرارة، وذلك بعدما قامت شركة «Diatek» في سان دييجو بولاية كاليفورنيا بسؤال ناسا تطوير تقنية المستشعر لمقياس الحرارة المحمول الذي يأخذ درجة الحرارة في أقل من ثانيتين اعتمادًا على قدرة وكالة الفضاء الأمريكية على قياس درجات حرارة النجوم والكواكب عن بعد، ودون مغادرة الأرض على الإطلاق، عبر استشعار الأشعة تحت الحمراء التي يطلقها كوكب أو نجم بعيد. ويحتوي ميزان الحرارة هذا على مسبار يتم إدخاله قليلًا في الأذن، وليس على المريض حتى أن يكون مستيقظًا، ويتم التخلص من المسبار بعد الاستخدام واستبدال به آخر جديد وقاية من العدوى. الأطراف الصناعية الميزانيات التي توجهها وكالة ناسا إلى أبحاث تطوير الروبوتات ومواد امتصاص الصدمات تسببت في إلهام شركات القطاع الخاص في تحسين وتطوير الأطراف الصناعية، وخلق بدائل عملية وذات كفاءة مرتفعة للأطراف المبتورة. إذ إن تطوير ناسا لأنظمة الروبوت البيئي، وخاصة نظم العضلات الصناعية، وكذا رفع كفاءة قدرات الاستشعار الروبوتية عن بعد من أجل استخدامها في الأنشطة الفضائية الروبوتية والأنشطة التي تُجرى في الفضاء خارج المركبة الفضائية، أدّى إلى خلق المزيد من الأطراف الصناعية ديناميكية الوظيفة. بالإضافة إلى أن التعديلات الأخرى التي أحدثتها ناسا على مواد الرغوة الذاكرة (المكونة من البولي يوريثين بشكل أساسي)، والتي تعمل على امتصاص الصدمات علاوة على تميزها بسهولة التشكيل، وفّرت أطرافًا صناعية ذات مظهر طبيعي وشكل مقبول، ولا تسبّب الاحتكاك بين الجلد والطرف الاصطناعي، وكذا تراكم الحرارة والرطوبة؛ الأمر الذي أدى إلى حدوث طفرة ملموسة في عالم الأطراف الصناعية التي صارت بفضل ناسا أقل تكلفة وأكثر كفاءة وطبيعية. عدسات مقاومة للخدش قد يصعب تصديق ذلك، لكن في وقت ما كانت النظارات مصنوعة من الزجاج، ولم تكن ثقيلة فقط، ولكن كانت سهلة الكسر والتحوّل إلى شظايا صغيرة تهدّد البصر. ومن أجل ذلك أعلنت «إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة (FDA)» في عام 1972 أن جميع النظارات الشمسية والطبية يجب أن تكون مقاومة للكسر؛ مما اضطرّ صُناع العدسات إلى التحول إلى بلاستيك أكثر متانة. كان البلاستيك حلًا ملائمًا لمشكلة البصريات؛ إذ كان خفيفًا صعب الكسر ويمتص الأشعة فوق البنفسجية بشكل أفضل، ولكن كانت هناك مشكلة واحدة: العدسات البلاستيكية سهلة الخدش بشكل محبط. في ذلك الوقت كان الباحث في وكالة «ناسا»، تيد وايديفن، يعمل على نظام لتنقية المياه في المركبات الفضائية، وتمكن من طلاء مرشح بفيلم رقيق من البلاستيك باستخدام تفريغ كهربائي لبخار عضوي، وكان الطلاء الناتج مقاومًا للخدش بشكل مدهش، فاستخدمته ناسا لتطوير طلاء مقاوم للتآكل من أجل أقنعة خوذة الفضاء ومعدّات الفضاء. في عام 1983 قامت شركة «فوستر جرانت»، المصنعة للنظارات الشمسية، بتسويق هذا الطلاء المقاوم للخدش، واليوم فإن غالبية النظارات التي تباع حول العالم مجهزة بعدسات بلاستيكية تدوم 10 مرات أطول من العدسات القديمة. فلاتر مياه الشرب بالرغم من أن رواد الفضاء يقومون بعملهم على بعد أميال من سطح الأرض، إلا أنهم لا يزالون يعتمدون على الضروريات الأساسية المعروفة على كوكب الأرض، مثل تناول مياه شرب نظيفة؛ مما حدا بوكالة الفضاء أن تبحث عن وسيلة تضمن بها تناول رواد الفضاء لمياه شرب نظيفة وآمنة. هذا الأمر دفع ناسا إلى إنشاء فلاتر مياه خاصة في السبعينات من أجل ضمان امتلاك رواد الفضاء لمياه نظيفة في أثناء رحلاتهم الفضائية. وبالتعاون مع شركة أبحاث «أمبكوا» في ولاية أوريجون وضعت وكالة ناسا خراطيش تصفية تستخدم اليود لتنظيف إمدادات المياه من المكوكات الفضائية، وقد اكتسبت هذه التقنية المعروفة بـ«صمام الفحص الميكروبي» زخمًا في تنظيف محطات المياه في المجالس البلدية بالمدن والولايات، ويمكن القول: إن هذه الخطوة مهّدت الطريق أمام طرح طرق أخرى لترشيح وفلترة موارد الاستهلاك البشري، إذ إن مثل هذه المرشحات مهمّة بشكل خاص في المناطق التي لوّثت فيها المواد الكيميائية خطوط المياه الجوفية. وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة عزّزت وكالة ناسا من أبحاثها الخاصة بالماء عن طريق إنشاء وحدات قادرة على إعادة تحويل النفايات البشرية (البول) إلى مياه صالحة للشرب، وآمنة من أجل رواد الفضاء. ساسه بوست