حروب الفضاء: من يملك القمر.. محامي فضاء يجيبك
"أخبرني، من يملك القمر؟"، بهذه الكلمات يسارع الناس بسؤال البروفيسور فرانس دونك، عندما يعرفون أنه محامي يمارس ويُدرِّس ما يعرف بـ"قانون الفضاء". ويعتبر إدعاء ملكية أراضي جديدة عادة أوروبية قديمة، يطبقونها على أجزاء من الأرض غير الأوروبية. وعلى وجه الخصوص البرتغاليون والإسبان والهولنديين والفرنسيين والإنجليز الذين خلقوا إمبراطوريات استعمارية ضخمة. لكن.. هل وضع العلم يعني ملكية الأرض؟ في حين أن موقف الدول الاستعمارية كان مرتكزا للغاية على ضم أراضي القارة الأوروبية إلى دولهم، فإن الفكرة القانونية القائلة بأن وضع علم على مكان لإثبات ملكيته كانت فعلا فكرة لتأسيس السيادة التي سرعان ما انتشرت وأصبحت مقبولة عالميا باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من قانون الأمم. لكن من الواضح أن رواد الفضاء لديهم أشياء أكثر أهمية في أذهانهم من التفكير في المعنى القانوني والنتائج المترتبة على وضع العلم. ولحسن الحظ جرى الاهتمام بهذه القضية قبل المهمة ذاتها. فمنذ بداية السباق إلى الفضاء، عرفت الولايات المتحدة أن مشاهدة علم الولايات المتحدة على القمر بالنسبة لكثير من الناس حول العالم سيثير قضايا سياسية كبرى. وإن أي اقتراح بأن القمر قد يصبح، من الناحية القانونية، جزء من المناطق التابعة للولايات المتحدة قد يُغذي مثل هذه المخاوف، وربما يثير نزاعات دولية ضارة لكل من برنامج الفضاء الأمريكي والمصالح الأمريكية ككل. وبحلول عام 1969، ربما أدى إنهاء الاستعمار إلى تدمير أي فكرة مفادها إخضاع الأجزاء غير الأوروبية من العالم، رغم كونها مأهولة بالسكان، بذريعة أنها غير متحضرة. لكن بالنسبة للقمر لم يكن هناك شخص واحد يعيش على القمر. فحتى الحياة نفسها كانت غائبة. ما قد يعني أن إحتلال القمر كان ممكنا. ومع ذلك، فإن الإجابة البسيطة على السؤال حول ما إذا كان أرمسترونج وألدرين —عن طريق وضعهما علم أو أشياء تخصهما على سطح القمر- قد حولا القمر، أو جزءا كبيرا منه على الأقل، إلى أرض أمريكية، هي: "لا. لم يفعلا". يضيف البروفيسور دونك أنهما أو "ناسا" أو الحكومة الأمريكية لم تقصد برفع العلم الأمريكي ملكية القمر أو الاستيلاء على القمر. الأمر ليس شفهيا.. فهناك معاهدة "الفضاء الخارجي الأولى" الأهم من ذلك، أن هذه الإجابة كانت مذكورة في معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، التي أصبحت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وكافة الدول الأخرى المرتادة للفضاء طرفا فيها. واتفقت كلتا القوتين العظميين على أن "الاستعمار" على الأرض كان مسؤولا عن معاناة إنسانية هائلة والعديد من النزاعات المسلحة التي دارت خلال القرون الماضية. وكانوا عازمين على عدم تكرار ذلك الخطأ للقوى الاستعمارية الأوروبية القديمة عندما يتعلق الأمر بالبت في الوضع القانوني للقمر؛ على الأقل إمكانية تجنب "الاستيلاء على الأراضي" في الفضاء الخارجي مما قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية أخرى. ومن هذا المنطلق، أصبح القمر شيئا من "المشاعات العالمية" التي يمكن الوصول إليها بشكل قانوني لجميع البلدان — قبل عامين من أول هبوط فعلي على سطح القمر. لذا، لم يكن العلم الأمريكي مظهرا من مظاهر المطالبة بالسيادة، بل كان بمثابة تكريم لدافعي الضرائب والمهندسين الأمريكيين الذين جعلوا أرمسترونغ، وألدرين، ومايكل كولينز، يصلون إلى سطح القمر. أغلقت القضية!.. فما الحاجة لمحامي فضاء؟ هل أغلقت القضية فعلا، وهل لم يعد هناك حاجة لمحامي فضاء بعد الآن؟ أو حتى تدريس قانون الفضاء في الجامعة أو الدخول في مزيد من المناقشات والنزاعات حول قانون القمر. يجيب البروفيسور فرانس دونك بالقول: ليس الأمر بهذه السرعة. ففي حين أن الوضع القانوني للقمر باعتباره "مشاع عالمي" متاح لجميع البلدان في البعثات السلمية لم يلاق أي مقاومة أو تحد كبير، فإن معاهدة الفضاء الخارجي تركت تفاصيل أخرى غير مستقرة. وخلافا للافتراضات المتفائلة جدا في ذلك الوقت، لم يعد البشر حتى الآن إلى القمر منذ عام 1972، مما يجعل من حقوق ملكية أرض القمر نظرية إلى حد كبير. وهنا تكمن الإشكالية، فحتى بضع سنوات قليلة بدأ الإعداد لعدد من الخطط الجديدة للعودة إلى القمر. بالإضافة إلى ذلك، بدأت شركتان أمريكيتان هما Planetary Resources وDeep Space Industries، اللتان تتمتعان بدعم مالي أمريكي كبير، باستهداف الكويكبات بغرض تعدين مواردها المعدنية. وبموجب معاهدة الفضاء الخارجي المذكورة أعلاه، فإن القمر والأجرام السماوية الأخرى مثل الكويكبات، من الناحية القانونية، تنتمي إلى نفس التصنيف. ولا يمكن لأي منها أن يصبح "إقليم" تابع لدولة أخرى. لكن الحظر الكبير الذي تم بموجب معاهدة الفضاء الخارجي بمنع الاستيلاء على الأراضي وضمها إلى دولة، عن طريق زرع علم أو بأي وسيلة أخرى، فشل في التصدي للاستغلال التجاري للموارد الطبيعية للقمر أو الأجرام السماوية الأخرى. وهذا هو النقاش الرئيسي الذي يدور حاليا في المجتمع الدولي، ولا يوجد حل مقبول بشكل واضح حتى الآن. وقد اتفقت دول مثل الولايات المتحدة ولوكسمبورج (كبوابة للاتحاد الأوروبي) على أن القمر والكويكبات هما "المشاعات العالمية"، مما يعني أن كل دولة تسمح لأصحاب المشاريع الحرة الخاصة —طالما حصلوا على تراخيص حسب الأصول ووفقًا للأمور الأخرى ذات الصلة بقواعد قانون الفضاء- بالسفر إلى هناك واستخراج ما في وسعهم استخراجه، ومحاولة التربح من ذلك. ويشبه ذلك قانون أعالي البحار، التي لا تخضع لسيطرة دولة بعينها، ولكنها مفتوحة بالكامل لعمليات الصيد المرخّصة الملتزمة قانونيا من مواطني أي بلد وشركاته. وبمجرد أن يكون السمك في شباكهم، فمن الطبيعي أن يقوموا بالتربح منه. من ناحية أخرى، فإن دولًا مثل روسيا، وبصورة أقل نوعا ما، البرازيل وبلجيكا تؤكدان أن القمر والكويكبات تنتميان إلى الإنسانية ككل. وبالتالي، فإن الفوائد المحتملة من الاستغلال التجاري يجب أن تتراكم بشكل أو بآخر للإنسانية ككل — أو على الأقل يجب أن تخضع لنظام دولي صارم يفترض أن يضمن منافع شاملة للبشرية. إنه يشبه النظام الذي أنشئ أصلاً لحصاد الموارد المعدنية من قاع البحر العميق.إذ تم إنشاء نظام دولي للترخيص بالإضافة إلى مشروع دولي، والذي كان من شأنه تعدين تلك الموارد وتقاسم المنافع بشكل عام بين جميع البلدان. يقول دونك: بينما أرى أن الموقف السابق سيكون بالتأكيد أكثر منطقية، من الناحيتين القانونية والعملية، فقد انتهت المعركة القانونية بأي حال من الأحوال. وفي الوقت نفسه، فإن الاهتمام بالقمر قد تم تجديده كذلك، فعلى الأقل، الصين والهند واليابان لديهم خطط جادة للعودة إلى هناك، مما يزيد من المخاطر، لذلك سنظل في حاجة إلى تعليم طلابنا مثل هذه القضايا لعدة سنوات قادمة. سبوتنيك