تحضيرات «طبخة الرقة» مستمرّة
تعقيدات معركة «الرقة» الموعودة بلغت ذروتها مع سيطرة «قسد»، مدعومة بقوات أميركية وبريطانية، على مطار الطبقة.. وتستعد فرق أميركية لإعادة تأهيل المطار تمهيداً لضمّه إلى قائمة المواقع المحتلّة أميركيّاً تحت اسم «قواعد عسكرية لمحاربة الإرهاب».
وبالتزامن يستمر الإعداد لـ«الطبخة السياسية» الملائمة لمعارك الشرق السوري بأكمله، فيما تتزايد فُرص «الفدرلة» في التحول إلى حقيقة تفرضها «قوة الأمر الواقع»
كثيرة هي العلامات الفارقة التي سجّلت حضورها على خارطة الحرب السوريّة، لكنّ سيطرة «قوّات سوريا الديمقراطيّة/ قسد» على مطار الطبقة العسكري تبدو مؤهّلة لانتزاع الصدارة من كل ما سبقها، وفرض نفسها حدثاً مفصليّاً في الحرب، وربّما في تاريخ سوريا الحديث. لا تقتصر خطورة الحدث على نتائجه الآنيّة فحسب من رسم معالم معركة الرقة (وهي بدورها شديدة الأهميّة)، بل تتجاوزها إلى التمهيد لفرض احتلال أميركي مباشر على المطار العسكري السوري المهم، مع ما قد يشكله ذلك من مقدمات لاحتلال مدينة الرقّة ذاتها تحت عنوان «محاربة الإرهاب».
ورغم أنّ تسيير الأمور يحاول الإيحاء بأنّ انتزاع السيطرة على المطار يُعدّ تكراراً لعمليات سابقة أفضت بالنتيجة إلى توسيع رقعة سيطرة «قسد» في محافظة الرقّة، غير أنّ المطار في واقع الأمر على وشك الانضمام إلى قواعد الاحتلال الأميركيّة في البلاد (سبع قواعد، من بينها أربعة مطارات، وجميعها في مناطق سيطرة «قسد». «الأخبار»، العدد 3037). وتتزايد المؤشرات على أهمية مطار الطبقة في حسابات الولايات المتحدة و«التحالف الدولي»، في ظل ما نقلته تقارير بريطانيّة عن مشاركة «القوات الجوية البريطانية الخاصة» في عمليات السيطرة عليه.
ويحظى المطار بموقع استراتيجي مهم، إذ يشرف على عقدة طرقيّة بين الرقة وكلّ من دير الزور، حلب، حماة، وحمص. وتنتظر فرق هندسية عسكريّة أميركيّة ضوءاً أخضر للبدء بإصلاح البنى التحتية للمطار، تمهيداً للعب دور محوري في عمليات طرد تنظيم «داعش» من مدينة الرقة كخطوة أولى.
وتؤكّد معلومات «الأخبار» أنّ الفرق الأميركية (هندسيّة وأمنية) قد أنجزت بالفعل مرحلة «رصد وتقييم الأضرار في المطار» بشكل كامل، فيما يرتبط البدء بعمليات إعادة تأهيله بمعطيات أمنية وعسكريّة يبدو توافرها «مسألة وقت لا أكثر».
يبلغ محيط المطار نحو 20 كيلومتراً، وهو مجهّز بمدرجين، أحدهما رئيسي بطول يقارب 3 كيلومترات والثاني فرعي، ومن المرجّح أنّ إنجاز إعادة تأهيله سيترافق بإعلان الولايات المتحدة «رفد قوّاتها في سوريا بعديد إضافي».
ويبدو لافتاً حرص المصادر العسكرية الأميركية أخيراً على تأكيد أهمية المطارات داخل سوريا في «محاربة داعش». وقبل أيام، نقلت تقارير صحافية عن نائب قائد القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركيّة جاي سيلفيريا قوله إنّ «مهندسي القوات الجوية أهّلوا مطاراً سورياً حتى يتمكن من استقبال شحنات منتظمة من الذخائر واللوازم».
ولن يكون مطار الطبقة القاعدة الوحيدة داخل الأراضي السورية التي ستؤدي وظيفةً مباشرة في معركة الرقّة، بل سينضم إلى القاعدة الجويّة الأميركيّة في عين العرب (كوباني).
وتفيد مصادر متطابقة بأنّ قاعدة عين العرب تستعد للعب دور شبيه بالدور الذي لعبه مطار القيّارة العراقي في معركة الموصل.
القاعدة التي بُنيت «من الصفر» خضعت لعمليات تطوير مستمرة، حيث كان طول مدرج المطار أول الأمر قرابة كيلومتر واحد وعرضه حوالى 65 متراً، قبل أن تتمّ توسعته ليتجاوز طوله 1700 متر بعرض 110 أمتار.
وكان مطار أبو حجر (الرميلان، القامشلي) أيضاً قد خضع لعمليات توسعة ضاعَفت مساحة المدرج.
ورغم أنّ بعض المصادر تذهب إلى اعتبار هذه الخطوات تمهيديّة للاستغناء عن قاعدة إنجرليك (في تركيا) بشكل كامل، غير أنها تأتي في واقع الحال لتشكل عنصر ضغط إضافياً على أنقرة في لعبة التجاذب السياسي المحتدمة حول معارك الشرق السوري.
وترجّح مصادر عدّة أن يشهد الموقف التركي من معارك الرقة تحوّلاً جديداً بعد انتهاء استحقاق التعديل الدستوري الذي يشكل أولوية مطلقة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الفترة الراهنة.
وعلاوة على إتاحة الوقت اللازم لاستكمال عمليات توسعة القواعد الأميركية داخل سوريا وتأهيلها، يبدو انتظار الاستفتاء التركي (16 نيسان) سبباً من أسباب إرجاء معركة مدينة الرقة حتى نهاية نيسان.
إنجاز الاستفتاء بدوره يبدو تفصيلاً في إطار تفاصيل أوسع تتعلّق بتجهيز «طبخة الرقّة» وما بعدَها. ورغم أن الصورة العامة تُظهر أن المعركة محجوزة لمصلحة اللاعب الأميركي و«التحالف» و«قسد»، غير أنّ «البازار» ما زال مفتوحاً على تقديم ترضية من نوع ما لأنقرة الأطلسيّة.
في الوقت نفسه، ورغم أن «إنزال الطبقة» وضع (على الأرجح) حدّاً لفرص مشاركة الجيش السوري في المعركة، لكن بعض المصادر تلحظ دوراً «لوجستيّاً» سوريّاً متوقعاً بالاستفادة من «خلايا أمنية نائمة» داخل المدينة نفسها.
ويبدو بمثابة المسلّم به أن معركة الرقة إنّما هي جزء من معركة الشرق السوري بشكل عام، وهو جزء وثيق الارتباط بمعركة دير الزور.
ويحتفظ الجيش السوري بسيطرة محدودة داخل دير الزور، لكنّها «شديدة التأثير في لعبة التوازنات»، وفقاً لمصادر سوريّة. وسواء صحّ الحديث عن مقاربة أميركيّة مختلفة للملف السوري أو لا، فمن البديهي أن الولايات المتحدة ليست في وارد الخروج صفر اليدين والاكتفاء بالمساعدة في «القضاء على الإرهاب».
وتأتي وحدة البلاد على رأس الأثمان المطلوبة المحتملة، علاوة على «ضمان المصالح الأميركية وتقويض النفوذ الإيراني».
ويُظهر الأكراد ثقةً متزايدة بأنّ مسألة «الفدرلة» في طريقها لتصبح أمراً واقعاً تفرضه خريطة السيطرة وتوزعها. ولا تستمد هذه الثقة قوّتها من «الحليف الأميركي» فحسب، بل يضاف إليها الموقف الأوروبي الرابط بين ملفي «إعادة الإعمار» و«الحكم اللامركزي».
تبدو ورقة «إعادة الإعمار» صالحة لتكون ورقة ضغط مؤثرة في ظل الأضرار الكارثيّة التي لحقت بمعظم القطاعات في البلاد، وكان أحدث فصولها الضرر الذي لحق أخيراً بسد الفرات بعد استهداف صواريخ أميركية موجّهة بدقّة غرفة التحكم الكهربائي فيه، وعطّلت وظيفته في توليد الكهرباء بشكل كلي.
ولم يوفّر تنظيم «داعش» الفرصة التي أتاحها استهداف السد وما أثاره من ذعر أدى إلى حالات نزوح جماعية عن مدينة الرقة، إذ تؤكد معلومات «الأخبار» أن «خمسة قياديين بارزين على الأقل قد نجحوا في مغادرة الرقة بين حشود المغادرين».
وبدا لافتاً أن التنظيم حرص على تأجيج مخاوف السكان من انهيار السد وتشجيعهم على النزوح، في مقابل حرصه على «حضّ المسلمين في دير الزور على الثبات والاستعداد للمعارك القادمة».
وحفلت خُطب الجمعة الماضية في مساجد دير الزور بمحتوى «التحريض على الجهاد»، إضافة إلى مضاعفة التنظيم جهود التجنيد في المناطق المذكورة. وعلاوة على الدعم الأميركي والأوروبي، تستند «قسد» أيضاً في سبيل تحقيق حلم «الإدارة الذاتية» إلى الموقف الروسي المشجّع على «الوصول إلى صيغة توافقيّة بين قسد ودمشق».
ويؤكّد السياسي الكردي ريزان حدّو لـ«الأخبار» أنّ «محادثات مكثّفة قد جرت أخيراً بين الطرفين في موسكو».
حدّو القريب من «وحدات حماية الشعب» أكّد أيضاً أن «حظوظ دخول قسد على خط معارك مستقبلية في إدلب تتزايد»، وذهب إلى اعتبار معركة إدلب «ذات ارتباط وثيق بمعارك الشرق». وتأتي محادثات موسكو المفترضة حلقة في مسار معقّد طويل للوصول إلى اتفاق في شأن مناطق سيطرة «قسد»، ولا تنبع التعقيدات من مجرّد القبول بمبدأ «الفدرلة»، بل تتجاوزه إلى آليات تطبيق أي اتفاق من هذا النوع، لا سيّما أن المناطق المذكورة تشكّل جزءاً أساسيّاً من موارد الاقتصاد السوري (نفط، وغاز، وزراعة).
ويذهب مصدر قيادي كردي إلى أن «إقرار الإدارة الذاتيّة صار من المسلّمات».. ويقول المصدر المقيم في الحسكة، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، إنّ «خيارنا محسوم في أن الحل مع النظام سيكون سياسياً، لكنّ هذا لا يعني تخلينا عن كل شيء».
لكنّ مصدراً دبلوماسيّاً سوريّاً يكرر لـ«الأخبار» ما دأبت دمشق على تأكيده من أنّ «وحدة البلاد ليست موضوع تفاوض أبداً ولن تكون».