بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

عدنان ميسر وبداية الاتجاه السوريالي

الخميس 30-03-2017 - نشر 8 سنة - 1561 قراءة

لوحات ورسومات وبحوث وكتابات الفنان الرائد عدنان ميسر 1921-1976 شكلت بداية انطلاقة الاتجاه السوريالي في التشكيل السوري، منذ مطلع أربعينات القرن الماضي، ولقد كان يكتب البحوث المطولة في الفلك، وعلم النفس ليستشرف آفاق العلاقة المتبادلة بينهما،

ونجد الروابط المتينة ما بين لوحاته وسيكولوجية النفس البشرية المعقدة والغامضة والمشحونة بالتناقض، وهذه الروابط استشرفها، في خطوات الوصول إلى شعر المناخ الحالم لعوالمه السوريالية وأشكاله العجائبية.‏

تحليل فرويدي‏

ولقد شغفه التحليل النفسي الفرويدي، الذي اتخذه منطلقاً لإظهار انفتاحه المتحرر على الغرائز والنزوات والرغبات الآتية من الأحلام أو من الذاكرة الداخلية، وهكذا فتح مساحات لوحاته على مفاهيم افتراضية يتداخل فيها الشعوري مع اللاشعوري، في تناقض غريب شبيه بتناقضات السلوكيات الإنسانية. ولقد ظل مسحوراً حتى لحظة وفاته، بتجسيد تداعيات أحلامه السوريالية من خلال تمسكه الدائم بعلم الفلك، ولقد وجدنا احلامه السوريالية، في تخيلات الأجساد العارية والمناظر البحرية والأزهار، المفتوحة على الأحلام الهاربة أو القادمة من تداعيات معطيات اللاشعور السوريالي لروائية الأحلام.‏

وكانت الرموز والعناصر والمشاهد الغرائبية، التي يجسدها من ضمن السبل الهادفة إلى كشف الحقائق الإنسانية المستترة خلف نزوات الأحلام النرجسية، ومن خلال حرية بحثه التشكيلي السوريالي، ومجاهرته برغبات الجسد ونزواته وغرائزه، طرح تساؤلات جوهرية عن حقيقة السلوك الإنساني، وبذلك كان سباقاً، في اكتشاف آفاق وجماليات الفن السوريالي الحديث والمعاصر.‏

ولقد برزت حريته التعبيرية، في مجاهرته المطلقة بمواضيع العري الإنساني، والتي حاول من خلالها الكشف عن الأحلام والغرائز والأهواء، وبخصوصية اعتمدت على الحركات المنسابة والملتوية والحلزونية، وعلى التأليف التشكيلي المتداخل برؤى حلمية كابوسية احياناً، وبرؤى تقترب أحياناً أخرى من تداعيات الأساطير الميثولوجية.‏

هكذا كان يضفي على لوحاته، ومنذ مطلع الاربعينات،عناصر وأجواء الحلم الخيالي، بصوره الغرائبية الخارقة عبر المزاوجة التشكيلية بين معطيات الرموز والعناصر والاشكال.‏

ولقد استطاع إدخال ذاكرة الزمن المتناقض في عناصر ومفردات لوحاته، التي بدت بمثابة عملية استرجاع لأحلام غير مرئية أو ما يسمى الأحلام الهاذية التي صاغت في عشرينيات القرن الماضي الأسلوب المسرحي الخيالي، في تصوير إشارات الواقع والتوغل في رؤية التفاصيل الدقيقة وتشابك الصور الحلمية حتى الهذيان، ولاسيما في لوحات سلفادور دالي التي تميزت بتوليف الأشكال الغرائبية، ضمن منظر أو مشهد طبيعي في أغلب الأحيان، للكشف عما يجري وراء الظواهر الطبيعية للأشكال دون أي عائق وبلا رابط منطقي بين الوعي واللاوعي.‏

هاجس التحوير‏

وقد تدرجت الصياغة السوريالية في علاقتها بالمرجع الواقعي، حين كان يعمل على تفكيك هذا الواقع، وإعادة صياغته من منظور فني وتشكيلي يعطيه خصوصية، في طريقة تقديم أو استعادة المشهد الخيالي، فنشاهد العناصر الإنسانية والإشارات المختلفة، قد ذهبت إلى إضفاء المزيد من التحوير، حاملة مقومات البحث عن صياغة تعبيرية حديثة وخاصة بالفنان نفسه. ونرى في بعض لوحاته ما يشبه التشكيلات المبنية على عناصر عاطفية، بمعنى أنه لم يكن يستغرق في الدقة الرياضية، بقدر ما يذهب لإضفاء أجواء عفوية، تتحقق بلمسات مبنية على حساسية عاطفية،تتجاوز السياق البصري الساكن المقروء في الهندسة التشكيلية.‏

وهكذا تحولت التكوينات التشكيلية والمناخات اللونية إلى تعبيرية بصرية تكشف لحظة ذاتية، قادرة على خلق لوحة خاصة او شخصية محددة. حيث هناك إمكانية لإهمال المنظور التقليدي وتدرجات الظل والنور وما إلى ذلك من أسس جمالية تقليدية. فاللوحة يحضر فيها العنصر الإنساني كهاجس أساسي، مع جنوح نحو حضور لوني مشغول بتقنيات مختلفة، وبنوع من الصياغة المحكومة بجماليات اللوحة الفنية الحديثة.‏

وبالعودة إلى علاقة الفنان الراحل بالفلك، فإن هذا الجانب أضفى على اشكاله حركة دائبة، مستمدة من حركة الكواكب والأجرام، وصولاً الى العناصر المجهرية كالذرة وحركة الالكترونات، ورغم الرقيب العلمي (يمكننا الانتباه إلى العفوية اللونية، في أقسام متفرقة من بعض لوحاته) بل إن العناصر تبرز بتدرجات مختلفة.‏

ويبرز الحوار بين الإرث الحضاري وبين المعاصرة، من خلال ما رأينا لديه من أعمال تشكيلية حديثة، تأخذ من الماضي رؤاه الميثولوجية والأسطورية وحتى روحانيته اللونية، وما يبرز بشكل واضح في لوحاته، هو العمل على أجواء لونية خافتة أو معتمة، تتخللها ومضات ضوئية، تبرز جوهر العلاقة بين ذات الفنان بما فيها من مسحة سوداوية، وبين الذاتية المشرقية ونزعتها الروحانية.‏

اهتمامات متعددة‏

ولم تقتصر اهتمامات الفنان الراحل عدنان ميسر على التشكيل والرسم السوريالي والفلك وعلم النفس، وإنما كان متعدد الاتجاهات والاهتمامات، حيث كان عازفاً على الغيتار والكمان والعود، وكان مهندساً كهربائياً ويجيد عدة لغات أجنبية، كتابة ولفظاً، إضافة لاهتماماته الشعرية ومساهماته في مجال فن التصوير الضوئي.‏

وعلى هذا الأساس جمع عدنان ميسر في تجربته بين الرؤية السوريالية وبين الرؤية الوجودية، بين علم الفلك وعلم النفس، وبين الرسم والشعر، كل ذلك في خطوات الوصول إلى الأجواء الغرائبية في إشاراتها الرمزية والخيالية، التي تسجل عصب لعبة إيقاعه التشكيلي المدروس والموزون، حيث كان يبتعد عن القفزات المفاجئة للتشكيل، ويعمل ضمن صياغة لونية متقاربة، يسجل من خلاله لولبية العمق والبعد، في تشكيل عوالم عناصره السوريالية.‏

وكان يكتب الشعر ليعكس معالم نزعته السوريالية المقروءة في فراغ لوحاته، حيث نجد الروابط المتينة ما بين اللوحة والقصيدة، ففي اللوحة كان يعمل على توليف اشكال الواقع من عناصر إنسانية وطبيعية وحيوانية وصامتة. كل ذلك في خطوات الوصول إلى شعر المناخ الحالم لعوالمه السوريالية. وعلى هذا الأساس جمع في تجربته بين الرؤية السوريالية وبين الرؤية الوجودية، وبين الرسم والشعر، كل ذلك في خطوات الوصول إلى الأجواء الغرائبية في إشاراتها الرمزية والخيالية، التي كانت تسجل عصب إيقاعه التشكيلي المدروس والموزون، من خلال تركيزه على لولبية العمق والبعد، في تشكيل عوالم عناصره السوريالية.‏

 


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية