عبد السلام العجيلي في مرآة النقد المقارن.. القصة هي ميدانه
مرجع من مراجع الأدب العربي، واسم له رنينه في السياسة والطب، وحضور فاعل في الأدب. عبد السلام العجيلي الأديب السوري الذي استطاع بموروث ثقافته وما اكتسبه من قراءاته وأسفاره في حياته أن يخترق كل حدود العالم، ويثبت أن الأدب للإنسانية قاطبة، وهو غير محدود، بل هو أدب واحد لأنه يمثل الذات البشرية المتشابهة العقول والعواطف، ومن رواياته وكتاباته استطاع أن يكون مؤهلا بجدارة لأن يدخل دائرة الأدب العالمي. وللحديث أكثر عن هذا الأديب أقام مجمع اللغة العربية بدمشق محاضرة ألقاها الدكتور عبد النبي اصطيف، جاءت بعنوان «عبقري القص العربي: عبد السلام العجيلي في مرآة النقد المقارن».
سيرة أديب
يعد الروائي السوري عبد السلام العجيلي، أحد أهم إعلام القصة والرواية في سورية والعالم العربي، ولد في مدينة الرقة سنة 1918، عمل في الطب والسياسة إضافة للأدب. درس في الرقة وحلب ودمشق وتخرج في جامعة دمشق طبيباً عام 1945. انتخب نائباً عن الرقة عام 1947. تولى عدداً من المناصب الوزارية في وزارة الثقافة والوزارة الخارجية والإعلام، يعد أحد أهم أعلام القصة والرواية في سورية والعالم العربي، وقد أصدر أولى مجموعاته القصصية عام 1948 بعنوان بنت الساحرة، وله أقاصيص أخرى مثل ساعة الملازم وقناديل إشبيلية. تعتبر كتابات العجيلي في المجال الأدبي من ضمن أغنى وأهم الروايات الأدبية العربية في تاريخ الأدب العربي، وقد ترجمت معظم أعماله إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والروسية، ويدرس العديد منها في الجامعات والمدارس، توفي عبد السلام العجيلي في عام 2006 عن عمر ناهز 88 سنة.
رواية أجملهن
كان موضوع المحاضرة الحديث عن الأديب عبد السلام العجيلي من خلال روايته الأخيرة «أجملهن»، هذه الرواية التي تغمر قراءها بعنفوان يتوهج فيه عشق للجمال وسحر الأنوثة وحرية الحب، إلى جانب الخبرة العالية بفنون الموسيقا والنحت والآثار والطبيعة، هذا ما أضافه الدكتور عبد النبي اصطيف متحدثا: «من المؤسف أنه نادراً ما تم تدبرهذا الفن العبقري من منظور مقارن، وهو ما تسعى المحاضرة إلى تقديمه من خلال تحليلها لرواية «أجملهن» 2001، والوقوف على علاقتها بالفنون الجميلة الأخرى كالموسيقا والرسم والنحت والعمارة، فضلا عن صلاتها بالأسطورة، وحوار الثقافات، وقضايا تمكين المرأة، إلى جانب تفاعلها مع الموروث العربي، ما يجعلها جوهرة التاج في فن القص العجيلي».
أجملهن من منظور مقارن
عندما بدأ أستاذ الأدب المقارن والنقد الحديث عبد النبي اصطيف بالوقوف عند موجات دراسة فن القص لدى العجيلي من منظور مقارن، وجد الأخير في استكشاف أغوار الأديب نفسه، وإمكاناته الفنية، القصة على الخصوص، هي ميدانه، متحدثا: «القصة هي ميدانه الذي يستطيع أن يحوي طاقته الإبداعية التي تنطوي عليها نفسه الغنية بتجاربها النبيلة بإنسانيتها، الشفافة بطبعها. وإنه وهو البدوي الذي لم يؤثر مكانا آخر على بلدته الرقة، لا يخرج في اهتمامه بالقصة عن تقاليد الحياة البدوية، التي لم تغادر الكثير من أعماله القصصية والروائية. حتى تلك التي تدور حوادثها في أقصى الشمال الأوروبي وإنه فضلا عما تقدم ينتسب إلى واحدة من أمم الشرق العريقة التي فتنت الدنيا بروائعها السردية بدءا من ملحمة غلغامش، إلى كليلة ودمنة، إلى ألف ليلة وليلة، أو الليالي العربية، إلى حي بن يقظان. إذاً تنطلق المحاضرة من القاعدة الذهبية في النقد وهي أن النص الأدبي هو ما يملي قواعد درسه، وأن المادة الأدبية موضع النظر غالبا ما توحي لمتدبرها بالمقاربة الأمثل لها، فإنها تمضي إلى تدبر رواية «أجملهن» من منظور عالمي، أو منظور مقارن، لأنها تنتمي بحق إلى ذلك النوع من النصوص الذي تمكن مقاربته من منظورات مختلفة، بفضل ما تنطوي عليه من غنى في أفكار شخصياتها ومشاعرهم، ولأنها تنتمي إلى أسرة الأدب العالمي الرفيع الذي يظل معيناً لا ينضب لإعادة النظر فيه، ومعاودة التفكير في مختلف وجوهه، وغالبا ما يغري قارءه بالبحث والتنقيب، بسبب ما ينطوي عليه من غنى، يوحي بمنظورات متنوعة بتنوع اهتمامات مقاربيها، واختلاف تكوينهم الثقافي وتأهيلهم العلمي، مما يتجلى في وضوح تدبرهم لها: شرحا وتحليلا وتفسيرا وموازنة ومقارنة وحكماً».
مقارنة ومقاربة
يبين المحاضر المتخصص بالنقد المقارن، أنه يمكن مقاربة القصة من منظور مقارني، وأيضاً مقاربتها وفق منظور المدرسة الفرنسية التقليدية، ويلتزم بشروطها الثلاثة من دون أي عناء، ويمكنه كذلك أن يقاربها من وجهة نظر المدرسة الأميركية بدراسة صلاتها بالآداب الأخرى من جهة، وصلاتها بمختلف مناطق التعبير الإنساني من جهة ثانية، فيدرس صلتها بالأسطورة، وصلاتها بمختلف الفنون الجميلة، قائلا: «وإلى جانب مقاربتها فرنسيا وأميركيا فإن بالإمكان مقاربتها من وجهة نظر المدرسة الألمانية، بمناقشة هذا الضرب من التلقي الاستلهامي الذي تجسده، والذي ترى فيه المدرسة الألمانية لب الدرس المقارن للأدب، إذ يعكس التفاعل الحميم الذي تنطوي عليه الرواية بين الأنا والآخر على نحو يشي بعبقرية ما ينجم عنه من فن رفيع».
كما أضاف د. اصطيف إن هذه الرواية تتيح لدارس الصورة الأدبية مثالا رائعا ليخوض في ترائي كل من المسلم «سعيد» و«سوزان» النمساوية المسيحية الكاثوليكية، بوصفهما نمطا مرددا لأمتيهما للآخر على طريقة المدرسة الصورية.
وثمة فرصة مقاربة من منظور جمال يعنى به علم الجمال هو منظور تراسل الفنون أو تقابلها، فيدرس هذا الحوار المبدع في الرواية ما بين الأدب والموسيقا والنحت والعمارة والسينما، وما يقدم للأدب من قيمة إضافية لكل من هذه الفنون الجميلة التي تنتمي إلى أسرة واحدة، وإن اختلف أفرادها في أداة تعبيرهم.