"الدعم الذكي" .. بين التنظير والتطبيق
كل ما قيل أم لم يٌقل بعد في بطاقة الدعم الذكية، لن يضاهي تناسبيتها مع حاجتنا راهنا، فزيادة عن دورها في إعادة هندسة التواصل الفعّال بين المجتمع وحكومته الراعية على أرضية أكثر وضوحاً، إنما تعد ممراً فنياً وحيداً إلى لائحة التوجهات الحكومية في بنديها الأكثر شعبية: إيصال الدعم لمستحقيه، ومكافحة الفساد.
ثمة قناتان رئيسيتان للتحديات التي ستواجهها اللجان الدارسة في وزارتي الاتصالات والشؤون الاجتماعية، أولاهما -بطبيعة الحال- المقاومة السلبية التي ستبديها قوى الفساد مفضلة قطع الطريق ما سيقلّص من ممارساتها بشكلها الحالي، فساد لطالما التهم قسما وازنا من الإنفاق الاجتماعي وتغذى على صورة الدولة ومتانة الوشائج التي تربطها بالمجتمع، ولم يتوان خلال الحرب الماضوية علينا، عن توجيه ضربة قاسية أجبرتها على اتخاذ قرارات حساسة ومؤلمة طالت علاقتها بالشرائح الأكثر احتياجا لحضورها راهنا.
وإلى جانب الفساد، ثمة صعوبات صنعية تطل برأسها عبر القليل الذي تسرب عن منهجية عمل اللجان الدارسة، فما نقل عن معاناتها من «السرية المصرفية والملكيات العقارية» وغيرها من المحددات التقليدية لتشريح الدعم وتوجيهه، يعزز الانطباع حيال نيّتها التوجه رأساً نحو مماحكة خاسرة مع الهكيليات القياسية وغوص مبكر في رمال العقبات المتحركة التي يصعب تذليلها حاليا، بما يؤسس في مجمله- وعن غير قصد- لدفع العصي إلى عجلات عملها، ذلك أن الذهاب نحو السؤال الذهبي: أيّنا يستحق، سيكون مفيداً لو كان لأي منّا القدرة على الإجابة عنه بدقة راهنا، وفي المدى المنظور.
ولئلا تتورط اللجان الدارسة في تخليق العطالة الذاتية هذه، فقد تستمزج -وفق المنحى الأفقي- اتخاذ «سلعة نموذجاً» كبنية أساسية يتم إلحاقها بأخرى تباعا، بما سيكفل –عموديا- تجنيبها تعلم السباحة في محيط من قواعد البيانات المركبة التي تستتبعها مستويات الدعم وتداخله وتنوع شرائحه الهدف، بشرط اعتماد معايير تأشيرية عامة لـ«السلعة النموذج» على أن تلحظ نجاح الحرب بإلقاء شرائح واسعة إلى لوائح المستحقيين.
ففي «نموذج» الخبز أو المشتقات النفطية –مثلا- يمكن إطلاق الدعم لجميع العوائل باستثناء شريحة يسهل تحديدها فنيا من خلال سجلات ملكية السيارات وفواتير الهواتف الشخصية والسجلات التجارية وحتى مناطق السكن بدرجة أقل، ومع تدفق الخدمة، ستجد الحكومة متسعا لتصحيح المؤشرات الأخرى وتطبيقها، فمن حيث المبدأ، حتى لو حصل جميع السوريين على دعم «النموذج» هذا، فلا شك بأن عائديته محققة سلفا على الصعيد المالي عبر لجم الفساد الذي بات استيضاح حجمه خارج قدرتنا، كما يؤسس لتحرير بند التوجهات الحكومية الأول، وصولاً إلى «إيصال الدعم لمستحقيه» كبند ثان، عقب صقل المؤشرات اللازمة عمودياً.
«بطاقة الدعم الذكية» استدراك عملاني لمستقبل بيئتنا الرقمية استهدفتها الحرب بأدوات التخلف، وهي تستحوذ على المرتبة الثانية أو الثالثة بعد مشروعي السجلات المدنية والبطاقات المصرفية الوطنيين، كما سيمتد تأثيرها لاحقاً نحو قطاعات حيوية، ما يستوجب إشراكا لخبراء وزارة الداخلية في اللجان الدارسة باعتبارها وصيّا على قواعد البيانات المدنية القناة الأساسية للدعم، ورجّا أعمق لوزارة المالية التي تستحوذ على شبكة مصرفية وطنية تشكل أرضية لا غنى عنها لأي من مشاريع الدفع الإلكتروني، بما يجنبنا في مجمله رزمة الإشراك الإدارية والزمنية التي عادة ما تلتهم جدوى مشاريعنا الوطنية الكبيرة.