خوف وقلق على المستقبل: كيف تدمر مشاهد العنف في الإعلام نفسية المراهقين؟
خوف وقلق على المستقبل: كيف تدمر مشاهد العنف في الإعلام نفسية المراهقين؟
الثلاثاء 01-05-2018
- نشر 7 سنة
- 6307 قراءة
تجتاح موجات العنف دول العالم بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، في البلدان العربيّة وسواها.
وتتم تغطية كلّ أشكالها من الممارسة القتاليّة إلى القنص والاقتتال المباشر، إلى مظاهر الدمار وأجساد الضحايا، وتنقل مَشاهدُ هذه الأعمال عبر نشرات الأخبار المتلفزة ووسائل الاتصال الاجتماعي، التي أصبحت في مُتناول جميع المشاهدين كباراً وصغاراً.
أكثر من أي وقت مضى، ينشأ المراهقون في العالم اليوم ويكبرون في ظروف متقلّبة ومليئة بالأحداث والحروب والاضطرابات وعدم الاستقرار، وبالتّالي باتوا معرّضين بشكل كبير ومتكرّر لمُشاهدة أعمال العنف التي تطال مجتمعاتهم أو مجتمعات قربية منهم.
ومن هنا جاء السؤال المشروع: "ما هي الآثار السلوكيّة والنفسيّة التي يعاني منها المراهقون نتيجة مُشاهدتهم لأعمال العنف في نشرات الأخبار؟"
فكانت دراسة ميدانية، في العاصمة اللبنانية، بيروت، أجريناها في عدد من مدارسها، شارك فيها 200 تلميذة وتلميذ من الصف الثانوي الأول، تتراوح أعمارهن/هم بين 16 و17 عاماً.
كيف تترجم مشاهد العنف في حياة المراهقين؟ هنا ما تستخلصه دراسة من 24 سؤالاً شارك فيها 200 مراهق ومراهقة (16-17 سنة)
كان هدف الدراسة معرفة مدى تأثير هذه المشاهد في نفسيتهم وبالتّالي في سلوكهم.
إنّ طبيعة البحث فرضت اعتماد المنهج الوصفي التحليلي واستعملنا في عملنا الاستمارة التي ضمّت 24 سؤالاً تناولت الأبعاد النفسيّة والسلوكيّة لمُشاهدة صور العنف ومنها الخوف، والقلق واليأس والاكتئاب وغيرها.
تستعرض المقالة اضطرابات الخوف والقلق التي تتأتّى من هذه المشاهد بعدما أظهر البحث نتائج مهمّة.
فقد تبيّن أن حوالي ثلث التلاميذ (33% منهم) يخافون أن يلاقوا مصير القتلى والجرحى الذين يشاهدون صورهم، و32% منهم يتذكّرون مشاهد العنف التي يرونها و27% منهم ينتابهم الخوف عندما يصادفون هذهالصور.
وبناء على هذه النتائج، يتبيّن أنّ الخوف ينتاب نسبة مقلقة من التلاميذ عندما يشاهدون صوراً للعنف في نشرات الأخبار المتلّفزة.
وإذا سلّمنا جدلاً أنّه من الطبيعي أن يخاف المراهق ويشعر بعدم الاستقرار نتيجة التغييرات النفسيّة والجسديّة عنده، لا بدّ من التأكيد على ضرورة توفير الدعم والشعور بالأمان في فترة التغير هذه.
ولا بدّ كذلك من الالفتات إلى أنّ مشاعر القلق والخوف تتضاعف إذا تعرّض المراهق لمواقف لا يستطيع أن يسيطر عليها.
والعنف الذي يصله في مشاهد عبر شاشات التلفاز يأتي في رأس هذه المواقف.
إنّ مشاعر الخوف هذه لا بدّ وأن تؤثّر في ردّات فعل المراهق واستجاباته لمتطلّبات الحياة، فهو اجتماعيًاً يصبح أكثر انطوائيّة.
وفي دراسته، يفقد تركيزه المطلوب حتّى أنّه في بعض الأحيان يتساءل "ما جدوى التحصيل العلمي في وقت أنا معرّض للقتل والاستباحة والتعنيف؟"
واللافت أيضاً أنّ مشاعر الخوف ترافق المراهقين الذين يصادفون أعمال عنف، أكان ذلك بشكل متكرر أم لا.
فصور العنف تنطبع في ذاكرتهم وتشكّل عندهم جرحاً نفسياً كبيراً.
يلازمهم الخوف ويشتت تركيزهم القلق.. لا تقتصر تداعيات مشاهدة أعمال العنف على شعور المراهق بالخوف بل تتعدى ذلك إلى شعوره بالقلق.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ 36% من التلاميذ الذين خضعوا للبحث يشعرون بالقلق على أنفسهم.
و59% منهم يقلقون على أفراد عائلاتهم، كما أنّ هناك 78% من التلاميذ لا يشعرون بالطمأنينة والرّاحة النفسية بشكل عام.
ونتوقف هنا عند القلق الذي يشكل علميّاً حالة من الاستجابة الانفعاليّة تجاه ضغوط الحياة اليوميّة.
كما إنّه الخوف الغامض والمُبالغ فيه من حدوث أشياء سيّئة غير محتملة الحدوث.
تضخيم الأمور واختلال الثقة بالذات وبالمستقبل
ويترافق القلق عند المراهقين بفقدان ثقتهم بإمكانيّة حصولهم على مستقبل آمن، مما يدفعهم في بعض الأحيان إلى عدم التركيز واعتماد سلوكيّات غير مرغوب فيها.
وقد دلّت بعض الدراسات أنّ من أعراض القلق العجز عن التفكير المنطقي والتركيز وتضخيم الأمور والشعور بالخلل داخل الذات.
إنّ هذه المشاعر قد تنعكس على أداء المراهق في المدرسة، كما تؤدّي إلى ميله نحو العزلة والابتعاد عن أفراد أسرته، وتتجلى في خشيته من التواصل مع المجتمع، وقد تصل إلى ممارسة سلوكيّات عنيفة بفعل عدم تقبّله للرأي الآخر والشعور بالاضطهاد.
وبما أنّ المراهقة هي من أكثر مراحل الحياة دقّة إذ يكون الفرد فيها غير ناضج بعد، فإنّ الظروف التي يمر بها تؤثر كثيراً في تكوين شخصيّته.
كيف نحمي الشباب من آثار مشاهد العنف؟
ما عرضته المقالة يقدم بعضاً من الأرقام والنسب المئوية التي أظهرتها الدراسة، وهناك أرقام صادمة متعلّقة بالاكتئاب واليأس وتبلدّ المشاعر عند المراهق كنتيجة لمشاهدته أعمال العنف في نشرات الأخبار سنستعرضها في مقالات مقبلة.
الهدف من هذا العرض إظهار التأثيرات الكارثية التي يختبرها المراهقون بسبب غياب معالجة دقيقة لكيفية حماية المشاهدين من آثار انتشار العنف والحروب والمآسي والقهر والتعدّي في مجتمعاتنا.
إن هذا الواقع برسم القيّمين على وسائل الإعلام التي تتباهى بعرض مشاهد العنف وإحراز ما يسمى بالـ"سكوب" الإعلامي. كما أنّها برسم الدوائر الرسميّة الرقابيّة التي أصبح من الضروري أن تتحرّك وتعمل على سنّ قوانين صارمة للحدّ من انتشار هذه المشاهد.
رصيف 22