ثمنها خيالي… فقراء قرية مغربية يرتزقون من بقايا نيازك وأسنان الديناصورات
على بعد حوالي 61 كلم شمال مدينة أكادير السياحية جنوب المغرب، وبالضبط في المغارات المحيطة بمنطقة “وادي الجنة” إحدى أجمل المناطق الطبيعية بالمملكة، تنتشر عمليات تنقيب غامضة، بحيث يحلُّ بالمنطقة علماء في ثوب سياح للبحث عن أحجار كريمة وبقايا هياكل الديناصورات. للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه يقوم هؤلاء المنقبون بالاستعانة بخدمات أبناء المنطقة، الذين يعاني أغلبهم من البطالة، ولا يعرفون قيمة الآثار المستخرجة من أراضيهم. وتتنوع أنشطة الشبكات المتخصصة في سرقة تاريخ المغرب لتصل إلى عظام وأسنان الديناصورات والنيازك الفضائية وغيرها الكثير، وطبعاً كل شيء وثمنه في السوق العالمية. تجارة من كوكب آخر يتوفر متحف التاريخ الطبيعي بالعاصمة البريطانية لندن على واحد من أهم النيازك الفضائية التي سقطت بكوكب الأرض خلال القرن الماضي. يحمل هذا الحجر النادر اسم “نيزك تيسينت” وقد كلف، استناداً إلى تقارير صحافية غربية، أضعاف المبلغ الذي تخصصه إدارة المتحف المذكور لهذا النوع من القطع الفضائية. هذا النيزك الفضائي النادر لم يتم العثور عليه سوى في قرية تيسينت البسيطة جداً، والتي تقع على مقربة من مدينة طاطا جنوب شرق المملكة، حيث تنشط شبكات متخصصة في الاتجار في هذا النوع من الأحجار الفضائية النادرة. يصل ثمن الغرام الواحد من الذهب بالمغرب إلى حوالي 40 دولاراً، بينما يباع الغرام الواحد من حجر النيزك الفضائي، النشاط المنتشر بكثرة بهذه المنطقة، إلى حوالي 1000 دولار وقد يرتفع الثمن أو ينقص حسب نوعية هذا الأخير. تبدو هذه التجارة مربحة للغاية من الوهلة الأولى، غير أن المعطيات التي حصلت عليها “عربي بوست” تؤكد أن الأثمنة التي تباع بها أجزاء النيازك تبدو تافهة مقارنة مع الثمن الحقيقي الذي تخصصه المؤسسات العلمية الغربية المهتمة بجمع ودراسة هذه العينات. ناشط جمعوي معروف بالمنطقة، وله دراية بهذا النشاط يؤكد لـ”عربي بوست” أن السكان المحليين البسطاء يبيعون هذه الأحجار النادرة أحياناً بأثمان زهيدة لكسب لقمة العيش، في الوقت الذي “يكسب منها السماسرة والمختصون في هذا النوع من التجارة أضعاف هذه المبالغ”. ويشرح مصدرنا، الذي فضل عدم كشف هويته، أن وسطاء مغاربة وأجانب يستغلون ضعف تكوين المنقبين المحليين على النيازك الفضائية، دون أن تنعكس هذه التجارة، التي تدر ملايين الدولارات على الواقفين وراءها، على التنمية المحلية للمنطقة. وقد يحدث ألا يعثر المنقبون على النيازك على شيء ذي قيمة طيلة شهور من العمل المتواصل، وفي حالة ما إذا نجح أحدهم في إيجاد قطعة تستحق الاهتمام يقوم بربط الاتصال بوسطاء مغاربة يقومون بدورهم بإخطار التجار الغربيين الكبار، لتستمر الحكاية من جديد في ما يشبه شبكة سوداء متشعبة الأطراف. أحجار كريمة وحياة غير كريمة جمال وهو واحد من أبناء منطقة “وادي الجنة” السياحية، الذين يرافقون السياح في رحلات ظاهرها اكتشاف المغارات والغطس في مياهها البللورية، وجانبها الخفي: البحث عن الأحجار والآثار وتهريبها خارج المغرب. يتقن الشاب الثلاثيني أربع لغات أجنبية وبالكاد يعيل أسرته ذات الدخل جد المحدود، في البداية لم أكن أعلم أي شيء سوى أن بعض السياح الأجانب يحتاجون دليلاً سياحياً يعرف جيداً جغرافية المنطقة لمساعدتهم على الوصول إلى المغارات”، غير أن تكرار هذه التجارب جعل الشاب يفطن إلى حقيقة مغايرة. كان بعض هؤلاء يستعمل معدات بدت للشاب متطورة، ولم يفهم حينها سبب استعمالها في أمكنة كهذة، إلى أن شاهد بأم عينه فرحة هستيرية سادت أعضاء المجموعة التي رافقها في إحدى المرات. “بعد أن كان متفقاً على أن ثمن الخدمة التي أقدمها هو 50 دولاراً، تم منحي 200 دولار كاملة، فطنت حينها إلى أن هؤلاء لا يستكشفون المنطقة بل ينقبون عن الأحجار الكريمة!، يقول الشاب. يشترك كل الواقفين وراء تهريب ثروات المغرب الأثرية وغيرها في شيء واحد: البحث عن أكبر قدر من الربح مقابل استغلال جهل وضعف تكوين السكان المحليين وإيهامهم أن الأموال التي يحصلون عليها كبيرة جداً، بهدف الحفاظ على سرية هذه الأنشطة، في حين أن هذه الأموال لا تساوي في حقيقة الأمر أي شيء بالمقارنة مع القيمة الحقيقية لهذه الأحجار.