الماسونية أو «البنّاؤون الأحرار» هي «منظّمة عالميّة» تتّصف بالغموض وتراوح بين السرّية والعلنيّة، تدّعي زيفًا أنّها منظّمة يشترك أفرادها بعقائد وأفكار واحدة فيما يخصّ الأخلاق الميتافيزيقية وتفسير الكون والحياة والإيمان بخالق (الخالق الأعظم للكون) وأنّها ليست بدين وليست بديلة عن دين.
فما حقيقة وجودها، تغلغلها وتأثيرها في واقعنا المعاصر وهل أهدافها فعلًا الحبّ الأخوي، الحقيقة، الحرّية والمساواة؟ وهل يمكن لمسلم أن يكون ماسونيًّا؟
الماسونية تعني البنّاؤون الأحرار باللّغة الإنجليزية، وهي تبحث في هندسة الكون، البعض يرجعها إلى الدّيانة الفرعونيّة القديمة (الأهرام نعتبر كمرصد وهي مثال مجسّد للكون) والغالبية يعتبرها امتدادًا للعهد القديم من الكتاب المقدّس (اليهود الّذين غادروا مصر مع موسى عليه السّلام – الّذي يعتبرونه الخبير الماسوني الأعظم – شيّدوا أوّل مملكة في تاريخ الماسونية عرفت قمّتها مع سيّدنا سليمان عليه السّلام مع بناء الهيكل (بناه حيرام أبي حسب روايتهم) في حين ينسبها البعض إلى فرسان الهيكل الّذين شاركوا في الحروب الصّليبية (فرسان الهيكل أو فرسان المعبد أو الجنود الفقراء للمسيح: كان أحد أقوى التّنظيمات العسكريّة الّتي تعتنق الفكر المسيحي الغربي (1129م – 1309م)، وقد تمّ حلّها من قبل الكنيسة الكاثوليكية عام1309م بعد مقتل جاك دي مولاي آخر قائد لها، غير أنّها استمرّت في نشاطها السرّي وكانت أساسًا لبعض أسرار الماسونية ورموزها (الكأس المقدّسة، تابوت العهد…).
1- الرّموز المعتمدة
– المسطرة والفرجار: تعامد مسطرة المعماري مع فرجار هندسي في رمزيّة للخالق والمخلوق وعلاقة السّماء والأرض أو الملك والملكوت ونجمة داود هي صورة أخرى للتّعبير عن ذلك (اتّحاد الكهنوت مع رجال الدّولة).
– حرف G: يقصد به الإله God أو الهندسةGeometry أو جماتريا Gematria (تفسير للكتاب المقدّس (32 قانونًا وضعه أحبار اليهود في 200 ق م)). ويقصدون أيضًا بالحرف G كوكب الزّهرة (الممثّل لعضو الرّجل الذّكري وهو أحد أسماء الشّيطان «ملاك النّور» المطرود من الجنّة).
– شعار الأسد الملكي.
– آلة البناء المسطرين أو المالج.
– الكأس: في إشارة إلى الكأس المقدّسة.
– التّابوت: تابوت العهد.
– العين: البعض يقول إنّها ترمز للمسيح الدجّال باعتبار أنّه هو القائد ويقال أيضًا السّامريّ (الفرقة الثالثة عشرة الضّائعة من الأسباط).
وهناك رموز أخرى تعتمد في الانخراط (العصابة السّوداء والحبل) والترقية (السلّم).
2- دستور الماسونية
للماسّونية دستور تمّ وضعه سنة 1723 من قبل جيمس أندرسون في كنيسة إسكتلندا، يتكوّن من 40 صفحة ويشير إلى ارتباط الماسونية بالعهد القديم منذ عهد آدم (عليه السّلام) كما أنّه يتضمّن وصفًا تفصيليًّا لعجائب الدّنيا السّبع، بنودًا تنظيمية وخمس أغان تردّد عند عقد الاجتماعات.
حصل المنعطف التّاريخي سنة 1877 حين صار يقبل عضويّة الملحدين والنّساء. (لا يمكن أن يكون الماسوني ملحدًا أحمق حسب دستور 1723 تغيّر في البداية في بريطانيا (1815) ليسمح للعضو باعتناق أيّ دين كان شرطًا أن يؤمن بفكرة وجود خالق أعظم للكون، وقد اتّبعتها فرنسا بعد ذلك (1877).
غير أنّه من الثّابت أنّ المرجعيّة الدّينيّة انتهت لصالح اللّادينية حيث العلمانيّة هي الصّيغة المهيمنة إذ لم يكن البعد الإيماني محدّدًا للانخراط في هذه الجماعة بل الأهمّية المؤثّرة للشّخص والطّاعة والسرّية. هناك شروط معلنة للانخراط لا تختلف عن شروط انخراط في أيّ جمعيّة أخرى غير أنّ الانخراط في الحقيقة مشروط والمستهدفون هم «خيرة وعلية» القوم أي نخبته السّياسية الثقافية الإعلامية ورجال الأعمال أي أصحاب النّفوذ بصفة عامّة.
3- الهيكلة التنظيمية
ينقسم الأعضاء إلى مبتدئين، أهل الصّنعة والخبراء.
– مرتبة المبتدئ: عند قبول انخراطه بعد تزكيته من عضوين ماسونيين على الأقلّ يؤدّي القسم مغمض العينين بعصابة سوداء ماسكًا حبلًا (يرمز إلى الحبل السرّي) ثمّ يقوم بالطّواف (اتّجاه دوران عقارب السّاعة) فالسّجود للهيكل المجسّد بمجسّم وسط المقرّ.
(الرّئيس الأعظم يطلب من العضو الجديد أن يركع على ركبتيه، ويردّد الرّئيس الأعظم هذه العبارات:
«أيها الإله القادر على كلّ شيء القاهر فوق عباده أنعم علينا بعنايتك وتجلّ على هذه الحضرة ووفّق عبدك – هذا الطّالب – الدّخول في عشيرة البنّائين الأحرار إلى صرف حياته في طاعتك ليكون لنا أخًا مخلصًا حقيقيًا.. آمين».
وبعد مجموعة من التعهّدات بحضور الاجتماعات والحفاظ على سرّية الحركة، فإنّ الرّئيس الأعظم يتفوه بهذه الكلمات:
«إذن فلتركع على ركبتك اليسرى قدمك اليمنى تشكّل مربّعًا أعطني يدك اليمنى فيما تمسك يدك اليسرى بهذا الفرجار وتوجه سنانه نحو ثديك الأيسر العاري وردّد ورائي: يا رب كن معيني وامنحني الثّبات على هذا القسم العظيم».
وبعد أداء القسم يطلب الرّئيس الأعظم من العضو تقبيل الكتاب السّماوي الّذي يعتبره العضو مقدّسًا ويقوم الرئيس الأعظم بتهديد العضو بأنه سوف يتعرّض للطّعن أو الشّنق إذا ما حاول الانسلاخ أو الهرب من صفوف المنظّمة) (1) مع الملاحظة أنّ المبتدئ لا يحقّ له التّصويت أو المشاركة في التّخطيط لأعمال بل حضور الاجتماعات والطّقوس الجنائزية عند موت عضو ماسّوني.
– أهل الصّنعة هم البالغون والمسؤولون (يصعد سلّمًا ينتهي إلى وسط الهيكل) يتعرّفون على التّفاصيل التّنظيمية الدّقيقة ويشاركون في كلّ النّشاطات.
– مرتبة الخبير وهي ترمز إلى مرحلة التّوازن (آلة البناء المسطرين أو المالج.. شعار الأسد الملكيّ) وهم من يقومون بتزكية المنخرطين الجدد ويضعون الخطط وعلى رأسهم الرّئيس الأعظم.
4- انتشار الماسونية وأماكن تواجدها
يوجد مقرّ أعظم في بريطانيا وكذلك في فرنسا وتقام محافل دولية ماسونيّة بصفة دوريّة في مختلف أنحاء العالم.
وقد ارتبطت الحركة الماسونية عضويًّا بالصّهيونيّة باعتبار مركزيّة إعادة بناء الهيكل المزعوم ومرجعيّتها «اليهودية» ويؤكّد الأكاديمي اللّبناني حسّان حلّاق أنه من خلال المراسلات الّتي كان يرسلها السّفير البريطاني في إسطنبول إلى وزارة الخارجية البريطانية يتضح بشكل جليّ الارتباط الكُلِّي الوثيق بين الماسونية والحركة الصهيونية وبين اليهود وبين «الدونما»، (هم من اليهود الّذين دخلوا الإسلام علانية وبقوا على يهوديتهم سرًّا)، وبين جمعية الاتّحاد والترقّي التركية الّتي كانت وراء خلع السلطان عبد الحميد (سنة 1908).(2)
وتشير التّقارير إلى أنّه يوجد حاليًّا في الوطن العربي محفلان أحدهما ثانوي (تابع للمحفل الأوروبّي) ومقرّه المغرب، وآخر رئيسي ومقرّه مصر (المحفل الكبير المنتظم بالشّرق الأوسط) الّذي تعود أصوله إلى حملة نابليون بونابرت واستمرّ إبّان الحكم العثماني والإنجليزي (انخرطت فيه جانب هام من النّخبة الأدبية والفنّية والإعلامية والسّياسية).
هذا المحفل له اسم رسمي الآن (منذ 2007) وهو المحفل الأكبر الوطني المصري للبنّائين الأحرار القدماء المقبولين وهو جدّ مؤثّر في مختلف المجالات (موجود في كلّ أرجاء البلاد وأهمّ أذرعه ملجأ الأيتام الماسّوني).
مع العلم بأنّه عندما لا يقع هضم أو قبول كلمة الماسونية فإنّها تتّخذ أشكالًا ومسمّيات أخرى وتدخل من أبواب مختلفة كاللّيونز (حرّاس الهيكل) The Lions أو الرّوتاري المنتشرة في كلّ أرجاء الوطن العربي والإسلامي(3).
5- الخطورة المفترضة للحركة
الحركة الماسونية حركة خطيرة غامضة ومتشابكة، هي دينيّة مرجعيّتها الأساسية الكتاب القديم بقراءات وتحريفات أحبار اليهود ونفخ الشّياطين وإسهامات العصبيّة المسيحيّة المتجلّية في الحروب الصّليبة وانحرافات المسلمين المتأسرئلين وبمشاركة الاستشراقيين والمستغربين «العلمانيين»، ليمتزج الدّيني بالّلاديني في خلطة عجيبة هي أقرب إلى السّحر الأسود والشّعوذة وهي حركة اختلطت بالصّهيونيّة وصارت وجهين لعملة واحدة، تستعمل طرق الإغراء والمنفعة الشّخصية في الاستقطاب مستهدفة ذوي المكانة المالية والسّياسية والاجتماعية وأصحاب النّفوذ حيث لم يسلم منها ملوك أو رؤساء أو موظّفو الدّولة إلّا النّزر القليل.
والملاحظ أنّ سرّية الحركة والضّبابيّة الّتي تثيرها قد استغلّتها لتضخيم ذاتها وقدراتها على الفعل والتّوجيه والسّيطرة، كما استعملها البعض الآخر كتهمة جاهزة ترمى جزافًا وشمّاعة لتبرير الفشل في مجابهة استحقاقات الواقع تمامًا كما تستعمل نظريّة المؤامرة.
6- هل يمكن للمسلم أن يكون ماسونيًّا؟
أصدر الأزهر الشّريف فتوى في ذلك سنة 1984: «إنّ المسلم لا يمكن أن يكون ماسونيًا لأنّ ارتباطه بالماسونية انسلاخ تدريجي عن شعائر دينه ينتهي بصاحبه إلى الارتداد عن دين اللّه» وقد أصدرت رابطة العالم الإسلامي موقفًا مماثلًا تجاه هذه الحركة المشبوهة.
يقول الله تعالى في سورة الكهف الّتي نصحنا الرّسول الأعظم بقراءتها يوم الجمعة اتّقاء لفتنة الدجّال:
«مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)» صدق اللّه العظيم وبلّغ رسوله المصطفى الكريم ونحن على ذلك من الشّاهدين وبه مؤمنون ومصدّقون.
ساسه بوست