تأثير موتسارت.. هل يمكن أن تزيد الموسيقى الكلاسيكية من معدل ذكائك؟
تأثير موتسارت.. هل يمكن أن تزيد الموسيقى الكلاسيكية من معدل ذكائك؟
الأربعاء 28-03-2018
- نشر 7 سنة
- 6254 قراءة
في أوائل التسعينيات، ظهرت نظرية علمية مثيرة للجدل تنص على أنّ الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية يجعلك أكثر ذكاءً. شهدت النظرية انتشارًا واسعًا بين الأوساط العلمية، وتناولتها عديد من وسائل الإعلام، كما لاقت قبولًا شعبيًا حتى صرَّحت عدَّة سيدات أنَّ الاستماع إلى مقطوعات موتسارت وغيرها من الموسيقى الكلاسيكية الأخرى خلال فترة الحمل؛ جعل أطفالهنّ أذكياء بشكلٍ لا يصدق.
مع ذلك، أثارت النظرية كثيرًا من الجدل والتساؤلات حولها؛ إذ يرى كثيرٌ من العلماء أنَّها محضُ خرافة زائفة، في حين يؤمن بها البعض الآخر. ويتساءل البعض لماذا خصصت النظرية الموسيقى الكلاسيكية تحديدًا؟ وهل تملك الموسيقى أية فوائد للأطفال وغيرهم؟
تأثير موتسارت.. ما هو وكيف ظهر؟
«تأثير موتسارت» نظرية وضعها الدكتور«جوردون شو» في عام 1991، وقام بوصفها في دراسة بعد ذلك بسنتين في عام 1993 نُشرت في مجلة «نيتشر» للعلوم. أثارت نتائج الدراسة المثيرة التي تتبنى فكرة أن الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية يحسِّن بشكلٍ ما من قدرات الدماغ، اهتمامَ وسائل الإعلام والرأي العام على حد سواء؛ إذ بدت واحدة من تلك الأفكار التي تبدو معقولة؛ فموتسارت ذلك الملحن النمساوي الشهير كان عبقريًا بلا شك، وألف مقطوعات موسيقية معقدة، وإذا استمعنا إلى ما يكفي منها، فقد نتشرب بعضًا من تلك العبقرية.
كان الدكتور «شو» مهتمًا بالنظريات المتعلقة بطريقة عمل الدماغ البشري منذ عام 1973، وحينها بدأ دراسة قدرات الدماغ على التفكير المكاني. يُستخدم التفكير المكاني في أداء الأنشطة المتعلقة بحل المعادلات الرياضية، ولعب الشطرنج، والهندسة، والعلوم.
في البداية، أجرى شو أولى دراساته على أطفال في سن الثالثة، ثم عكف على دراسة تأثير الموسيقى الكلاسيكية على طلاب الجامعات. وفي عام 1993، لفت الأنظار إليه عندما أعلن أن مجموعة من طلاب الجامعات الذين أجرى دراسته عليهم؛ قد ارتفع معدل ذكائهم بمقدار تسع نقاط، بعد استماعهم إلى إحدى مقطوعات موتسارت بضع دقائق قبل إجراء اختبار لقياس مهارات التفكير المكاني. وحققوا أداءً أفضل في الاختبارات من أقرانهم الذين استمعوا إلى نوع آخر من الموسيقى، أو كانوا في غرفة صامتة بلا موسيقى على الإطلاق.
الجدل القائم.. خرافة أم حقيقة؟
أدت نتائج «شو» المثيرة إلى إجراء عديد من الدراسات المشابهة، التي أظهرت نتائج إحداها والتي أُجريت بولاية ويسكونسن على مجموعة من الأطفال في سن ما قبل المدرسة، أن الأطفال الذين تلقوا دروس العزف على البيانو مرة واحدة في الأسبوع، حققوا نتائج أعلى بنسبة 34% في اختبارات التفكير المكاني مقارنة بأولئك الذين لم يتلقوا دروس العزف.
أدت نتائج هذه الدراسات إلى إدخال دروس عزف الموسيقى الكلاسيكية ضمن مقررات الأطفال في دور الحضانة الأمريكية. ليس هذا وحسب، طالَب أيضًا حاكم ولاية جورجيا الجنوبية في عام 1998، بزيادة الميزانية المخصصة للولاية من أجل صرف أقراص مضغوطة (CDs)، تضم مقطوعات من الموسيقى الكلاسيكية لجميع الأطفال حديثي الولادة مجانًا.
وحديثًا في عام 2015، صرحت الممثلة البريطانية الشهيرة «هيلينا بونهام كارتر» أن استماعها إلى موسيقى موتسارت وغيرها من المقطوعات الكلاسيكية خلال فترة حملها؛ جعل أطفالها أذكياء بشكل لا يصدق. وقالت إنها ظلت تستمع إليها مرارًا وتكرارًا؛ لأنها تحفز الأذن الداخلية للجنين؛ وكانت النتيجة أن خرج أطفالها على درجة كبيرة من الذكاء، والانتباه، والاسترخاء.
مع ذلك، ظلَّ الجدلُ قائمًا منذ ذلك الحين حول ما إذا كان هذا التأثير حقيقيًا بالفعل. في عام 1999، حاول مجموعة من الباحثين بجامعة ولاية أبالاشيان تكرار تجربة دكتور «شو» الأصلية ومقارنة النتائج بعضها ببعض؛ ووجدوا أن وجود الموسيقى الكلاسيكية أو غيابها لم يؤثر بشكل كبير على أداء الطلاب في الاختبارات.
وعند النظر إلى الورقة البحثية التي نشرها دكتور «شو» وفريقه؛ نجد أن الفريق كان متواضعًا في عرضه لنتائجه، ولم يستخدم عبارة «تأثير موتسارت» في نتائج الدراسة مطلقًا. والمفاجأة الثانية أن الدراسة لم تُجرَ على الأطفال من الأساس، بل أجريت على مجموعة من طلاب الجامعات البالغ عددهم 36 طالبًا فقط.
وعندما حقق الطلاب الذين استمعوا إلى مقطوعات موتسارت أداءً أفضل في اختبارات قياس مهارات التفكير المكاني؛ أوضح مؤلفو الدراسة أن هذا التأثير دام لمدة 15 دقيقة تقريبًا فقط؛ أي أن الاستماع للموسيقى الكلاسيكية لن يجلب لك عمرًا مديدًا من الذكاء المعزز.
لماذا الموسيقى الكلاسيكية تحديدًا؟
تشمل مقطوعات الموسيقى الكلاسيكية أعمال المُلحنين العِظام أمثال باخ وموتسارت وبيتهوفن، وتختلف عن أنواع الموسيقى الأخرى مثل موسيقى الروك والبوب في امتلاكها بنية موسيقية أكثر تعقيدًا. وبإمكان الأطفال في عمر ثلاثة شهور وأصغر استيعاب تلك البنية، بل وحتى التعرف على المقطوعات الكلاسيكية التي سمعوها من قبل.
ويعتقد الباحثون أن تعقُّد الموسيقى الكلاسيكية هو ما يزيد من قدرة الدماغ على حل المسائل المتعلقة بالتفكير المكاني بسرعة أكبر في نتائج بعض الدراسات؛ وأن السبب في ذلك قد يرجع إلى أنّ تعقُّد أنماط الموسيقى الكلاسيكية يُنشط القشرة المخية. بالإضافة إلى ذلك، تُشبه المسارات العصبية التي تستقبل بها أدمغتنا الموسيقى الكلاسيكية، المسارات العصبية التي نستخدمها في التفكير المكاني؛ لذا عندما نستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية تُحفّز مسارات التفكير المكاني وتصبح جاهزة للاستخدام.
يُسهل هذا التحفيز من العمل على أداء الأنشطة المتعلقة بالتفكير المكاني بشكل أسرع، إلا أن ذلك التأثير يستمر فترةً قصيرة فقط، تتلاشى بعد أقل من ساعة من توقفنا عن الاستماع إلى الموسيقى.
هل يفيد الاستماع للموسيقى الأطفال وغيرهم بطرقٍ أخرى؟
على الرغم من ربط «تأثير موتسارت» بالرضع والأطفال الصغار في العادة، إلا أن معظم الدراسات التي أُجريت للتحقق منه جرت على مجموعات من البالغين، الذين تكون أدمغتهم بالطبع في مرحلة تطورية مختلفة كثيرًا. لكن في عام 2006، أجريت دراسة كبيرة في بريطانيا شملت 8 آلاف طفل، جرى تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات.
استمعت مجموعة منهم إلى 10 دقائق من إحدى مقطوعات موتسارت، وأخرى إلى نقاش حول التجربة، والأخيرة إلى تتابع من ثلاث أغانٍ من موسيقى البوب. جاءت النتائج أن حسّن الاستماع إلى الموسيقى من القدرة على أداء مهام التفكير المكاني، لكن هذه المرة لم يكن «تأثير موتسارت» صاحب النتائج الأفضل، بل كان له تأثير طفيف. أبلى الأطفال الذين استمعوا إلى موسيقى موتسارت بلاءً حسنًا، غير أن الأطفال الذين استمعوا إلى موسيقى البوب كانت نتائجهم الأفضل.
وفي السياق ذاته، أجرت دراسة كندية تجربة مشابهة؛ وجدت أن تأثير الاستماع إلى موسيقى الملحن النمساوي الشهير «شوبرت» كان مماثلًا للاستماع إلى موسيقى موتسارت، وكذلك إلى سماع مقطع من رواية صوتية للمؤلف «ستيفن كينج». وأكدت الدراسة أن هذا التأثير يحدث فقط إذا كان الشخص يستمتع بالموسيقى التي يستمع إليها؛ لذا فإن القضية قد تكون مسألة تفضيل، وأن الاستمتاع بما يسمعه الشخص والتفاعل معه تُعد عوامل أساسية مؤثرة، وليس نوع الموسيقى في حد ذاتها.
على الجانب الآخر، فإن الموسيقى ليست عديمة الجدوى تمامًا، على سبيل المثال قد يُحسِّن تعلم العزف على آلة موسيقية من قدرات التفكير المكاني على المدى البعيد، كما حدث لدى الأطفال الذين درسوا العزف على البيانو؛ وذلك لأن التدريب الموسيقي يخلق مسارات عصبية جديدة في الدماغ.
تقول «جيسيكا غران» عالمة الإدراك بجامعة ويسترن بلندن، إنه يمكن أن يزيد تلقي دروس العزف على البيانو لمدة سنة، مع الممارسة المنتظمة، من معدل الذكاء بمقدار ثلاث نقاط. بالتالي؛ فإن الطريقة التي يمكن أن تحدث بها الموسيقى فرقًا في معدل الذكاء، تتطلب بذل المزيد من الجهد، وليس محض الاستماع إلى بعض المقطوعات المسجلة على قرص مضغوط.
وبالنهاية، أيًا كان اختيارك الموسيقي، يحتاج عقلك لأن يصبح أكثر نشاطًا قليلًا؛ فهو يحتاج إلى شيء يُحفزه. قد يكون هذا الشيء أي نوع من أنواع الموسيقى التي تروق لك، في الواقع، ليس من الضروري أن يكون الموسيقى، بل أي شيء يجعلك أكثر يقظة وتحفزًا مثل القيام ببعض التمارين أو شرب القهوة، على سبيل المثال.
كذلك، فإن الاستماع إلى موسيقى موتسارت لن يضرك أنت أو أطفالك في شيء، بل يمكن أن تكون بداية تشجعهم على حب الموسيقى الكلاسيكية والإبداع فيها، لكن ما لم تقترن بالتعلم والممارسة المنتظمة؛ فإن الاستمرار في مجرد الاستماع لن يحسن من الوضع كثيرًا.
ساسه بوست