بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

نادى بالعودة إلى الأصول وظلَّ مُتفائلاً بأن خير الفن آتٍ

الأحد 08-01-2017 - نشر 7 سنة - 5984 قراءة

منذ أربع سنوات بالضبط كان صوته يأتيني عبر الهاتف هادراً بالصِّدق، ولتوخِّيه الدِّقة كان يختار كلماته بعناية، إذ يسعى في كل لقاء له مع مُحبِّيه سواء عبر صفحات جريدة أو لقاء تلفزيوني أو ضمن برنامج إذاعي أن يُكثِّف المعنى في وجوده الفني الذي تجاوز السبعة عقود، وأراده أن يكون داعماً لكل من حوله، إذ يؤمن ابن دمشق، الذي رحل عنَّا جسداً يوم الخميس الماضي، بدور الفن في خدمة المجتمع على اختلاف المشارب التي أبدع فيها من فن المونولوج، إلى التمثيل في كل من المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، لذا سخَّر كل طاقاته ليكون «مُفرداً بصيغة الجمع»، أهم ما يُميِّزه هو التصاقه بواقعه ونقدِه البنّاء لمجتمعه وللفن الذي عمل فيه، وصدقه الذي تبدَّى في كل ما اشتغل عليه كتابةً وتلحيناً وتمثيلاً، واحترامه لقيمة الفن الذي كان أبرز أعمدته في سورية، ولعل التذكير ببعض ما جاء في حواري معه والذي نُشر بتاريخ 13/1/2013 على صفحات تشرين، يكون خير تعبير منا على الوفاء لهذه القامة الفنية التي يتردد صدى صدقها وعُمْق وعيها في وجداننا حتى الآن:

اهتم الفنان «رفيق سبيعي» بتوثيق ذاكرة الوطن تلفزيونياً، وهو ما جعله قبل رحيله بفترة قصيرة ينقل برنامج «حكواتي الفن» من صيغته الإذاعية إلى ما يناسب الشاشة الصغيرة، بغية تحقيق مزيد من التواصل مع الجمهور، فهو لا يريد أن يقتصر عمله على الإذاعة، ولا أن يقف خصماً تجاه التلفزيون. يقول: «أحاول أن أساير وسائل الإعلام عموماً، لكنْ لدي أفكار أريد أن تصل كما هي، وهناك بعض المسؤولين في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون يقفون في وجهي نتيجة عدم وجود خبرة كافية عندهم، ويعملون سداً في طريق النفاذ إلى الناس بما يفيد الوطن, لا أريد أن أتهم أحداً، لكن في كثير من الأحيان أصبح محبطاً تجاه ذلك».

ورغم أن فنان الشعب يدرك أن أكثر ما يتأثر بالأحداث الجارية في سورية هو الفن، إلا أنه متفائل بأن الخير قادم رغم كل ما يحصل، وبأن الأمور ستعود لتأخذ مجراها الطبيعي، والسلام والأمان سيعمّان، ويدعم تفاؤله بالتأكيد على أن عجلة الدراما السورية ما زالت دائرة شركاتٍ وممثلين ومخرجين وفنيين.

ويؤكد صاحب شخصية «أبو صياح» أن الدراما السورية لم تعد تؤسس لشخصيات استثنائية كما في السابق مع بعض الاستثناءات، ومنها شخصية «طوطح» في مسلسل «طالع الفضة» التي قال عنها: «كنت أكثر جرأة من العديد من زملائي، فقبلت بأدائها بعد أن أعرضوا عنها. ومع العلم بأنه من الصعب إيجاد الشخصية التي تطمح لأن تترك أثراً في الناس، فهي لن تستطيع ذلك إلا عبر ارتباطها بالبيئة التي تعيش فيها، وشخصية «طوطح» تمتلك هذه الميزة، فهي تعبر عن الارتباط بالوطن، وذاك الارتباط هو ما يحفزني لتقديم الأحسن لفائدة بلدي قبل فائدتي الشخصية».

يقول «السبيعي»: «إن أعمال البيئة الشامية انحرفت عن الواقع، لكنها في طبيعة الحال تُصوِّر مصغر أمة. والحارة تصور البلد بما فيها من نماذج مختلفة وهو ما أعجب الناس بها, لكن تلك الأعمال في معظمها لا تحاول إلا استعراض أمور ليس فيها ما يفيد المجتمع، فمثلاً لا يوجد في كل أعمال البيئة,- باستثناء القليل منها- ولد ذاهب إلى المدرسة، وكلها أعمال فيها «بوجقة»، وتقليد أعمى لشخصيات البيئة الشامية، في حين إنني عندما أديت شخصية «أبو صياح» قصدت أن أقدم أنموذجاً من الإنسان الذي قلبه على بلده، ويهتم به، ويحب حارته والناس الذين حوله. لكن المسلسلات الشامية تتحول إلى خناقات و«بوجقة»، لذلك أرجو من كتاب البيئة الشامية أن يرجعوا إلى الصواب، ويقدموا الصورة الموضوعية والمفرحة لتلك الشخصيات».

يبدو أن هناك مشروعاً لتشويه مجتمعات بأكملها، والدراما إحدى أدوات الإعلام التي هيمن عليها المال فبات يفرض أفكاره، لكن السبيعي لا يوافق على مقولة إن «المال يسيطر»، ويوضح أن «كتاب الدراما باتوا يحذون حذو غيرهم، ولا يبدعون طروحات اجتماعية جديدة لها قيمة، وللأسف الشديد يتبعون الأسهل عبر جمع مجموعة أشخاص يختلفون ويتشاجرون وبعدها يتصالحون، بمعنى, ليس هناك بعد اجتماعي أو قيمة حقيقية ولذلك لا بد من العودة إلى الأصول».

أما فيما يتعلق بـ«فن المونولوج» الذي كرسه السبيعي وانتقد من خلاله كثيراً من أخطاء المجتمع فـ«ليس من الممكن أن يرجع للشاشة إلا باهتمام المسؤولين عن الإعلام» هكذا يقول صاحب أغنية «شرم برم كعب الفنجان»، ويضيف:«أذكر أنه كان في كل بلد عربي ناقد شعبي مشهور يتناول أهم القضايا الاجتماعية ضمن أعمال دمُّها خفيف يمكنها أن تدخل إلى المجتمع وتجعل المستمع والمشاهد يتنبه إلى الأخطاء التي يقترفها، أما الآن فقد قلّ وجود هذا الناقد إلى الحد الأدنى، وأكاد أكون الوحيد من الذين يقدمون هذا النوع من الأعمال التي لا يمكن أن تستمر إلا بعد أن تأخذ الضوء الأخضر, وبصراحة قدمت الكثير من الأعمال وبعد أن أسجلها لا تأخذ الاهتمام الكافي، وأنا أعتب على القائمين على التلفزيون لأنهم لا يعطونها حقها، فأنا عندما أرى أنه لا تتم الاستفادة مما أقدم تثبط همتي، وبصراحة لا أعود متحمساً لتقديم شيء جديد».

يقول بطل فيلم «أحلام المدينة» معاتباً المؤسسة العامة للسينما: «السينما لا يُقدم لها حيزها المناسب، ولا يسمح لها بالظهور كما يجب، ولاسيما في القطاع العام… على ما يبدو, أن مؤسسة السينما ما زالت تتعامل مع الإنتاج كواجب تقديم فيلمين أو ثلاثة في السنة من دون النظر إلى تطلعات الفنانين، وللأسف الشديد, إن العمل فيها يصطدم بروتين، وأشياء عجيبة غريبة، وأنا ما زلت أعد إنتاجها متواضعاً وغير كافٍ وغير مجد».

يتذكر المبدع الكبير أساتذته ورفاق دربه فيقول: «أفتقد اليوم القصاص والناقد الشعبي حكمت محسن وزملاءه الذين تعاونوا معه في تلك الفترة التي لم يكن فيها إلا الإذاعة، حيث استطاعت فرقته أن تؤثر في الناس، لأنه رصد في أعماله ما يلاحظه أمامه ويشاهده ويحتك به، حيث نقل الواقع والحقيقة عن طريق الدراما، ونجح في ذلك، وأمثال أولئك الناس نفتقدهم فليست هناك أعمال تترك آثاراً كما كانت تلك الأعمال, لكن حتى الآن هناك أدوات قد تستخدم من قبل الفنان ليقول ما يريده»، لكنه مع ذلك متفائل بالطاقات الفنية الجديدة ويصفها بالواعد, متمنياً أن تزول كل العوائق أمام هذه الأجيال لتقدم ما عندها ولاسيما إن حصلت على دعم أكبر.

تشرين


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية