مستورد واحد يحتكر الموز في سورية !
قد يستغرب الكثيرون لو اكتشفوا أن هناك تاجراً واحداً فقط يحتكر استيراد مادة الموز لا شريك له منذ ثمانينيات القرن الماضي..! وقد يكون الاحتكار انتقل إلى أحد أولاده بالوراثة، كما يحصل لدى جميع “شيوخ الكار”..! فإبان منع استيراد الموز لأكثر من عشرين عاماً نشط تهريب المادة من لبنان، ولم تغب عن أسواقنا ولا مطاعمنا الفاخرة..! وقيل وقتها إن التاجر المذكور كان يستورد المادة إلى الموانىء اللبنانية ويدخلها تهريباً إلى أسواقنا بكميات تزيد عن الطلب..! ولعل وزارتي التموين والاقتصاد اكتشفتا بعد عشرين عاماً أن السماح بالحصر أي الاحتكار أفضل من المنع، فسمحت باستيراد الموز من خلال المستورد الوحيد..! واكتشفنا فيما بعد أن هذا التاجر يحتكر مواد أخرى لا يشاركه أحد باستيرادها، غزت أسواقنا بعد تحرير استيراد السلع فور صدور قانون الاستثمار عام 1991، إما بالاستيراد المباشر كالموز، وإما بالتصنيع المحلي “الشكلي” كالمشروبات الغازية بماركاتها العالمية والمحلية..! وقد يسأل البعض مستغرباً: ألا تستطيع وزارة الاقتصاد كسر الاحتكار ومنع ظاهرة المستورد الوحيد..؟ نظرياً تستطيع من خلال السماح بمنح إجازات استيراد للمادة نفسها لمن يرغب من التجار..! ولكن .. لن يتقدم أي تاجر أو مستورد لكسر احتكار زميله لا احتراماً لمهنة الكار، بل لأنه يعرف أن ذلك مستحيل في حال كان “الزميل” وكيلاً حصرياً للبلدان المصدرة للموز أو أية مادة أخرى..! وبسبب هذا الواقع الاحتكاري المذهل والفريد .. وبسبب رغبة الكثيرين في كسر الاحتكار، وتغيير هذا الواقع المفروض على الأسواق والمستهلكين .. كدنا نصدق إعلان المؤسسة السورية للتجارة بأنها حصرت استيراد الموز بها خلال الأسابيع الأخيرة..! وما عزز “صدقية” هذا الإعلان لكسر الاحتكار أن المؤسسة قامت بطباعة اسم “السورية للتجارة” على كراتينها لتمييزها من الموز المهرب في الأسواق..! إلى هنا لا أحد شكك بما أقدمت عليه المؤسسة؛ لأن الجميع فرح بكسر الاحتكار.. إلى أن انكشف المستور على لسان التجار المتضررين من احتكار زملاء لهم للمواد شديدة الطلب في الأسواق، فأكدوا أن المادة ما يزال يستوردها التاجر الحصري الذي يحتكرها مع أولاده منذ ثمانينيات القرن الماضي على الأقل..! حسب التجار المتضررين فإن المستورد الحصري الوحيد لمادة الموز هو الذي يستورد المادة ويعطي 15% من الكميات التي يستوردها ويبيع الباقي لتجار سوق الهال..! مهما يكن من أمر فإن المؤسسة نجحت بتخفيض سعر الموز بنسبة 50% تقريباً عن سعره السابق، وهذا جيد جداً، أما كسر الاحتكار فالأمر يحتاج إلى معجزة..! ولو اقتصر الاحتكار على الموز لما توقفنا عنده كثيراً، ولكن هاهو ذا وزير التجارة يكشف أن هناك 20 (أمير استيراد) احتكر كل واحد منهم مادة..! وطبعاً لن يتخلى هؤلاء عن احتكارهم، فهم يشفطون المليارات ويعتبرون أي تخفيض بسعر المادة التي يحتكرون استيرادها خسارة جسيمة ..! السؤال: أما من سبيل لكسر الاحتكار والقضاء على ظاهرة “المستورد الوحيد”؟! يمكن في بعض المواد كالسكر مثلاً؛ إذ هناك الكثير من الدول تقوم بتصديره، ويصعب على أي تاجر احتكار استيراده، ولكن بالنسبة للمواد والسلع التي تحمل شارات عالمية يستحيل كسر احتكارها؛ لأن هناك تجاراً يتمتعون بوكالة حصرية لها ولا يمكن أن تُستورد إلا من خلالهم..! والأمر يصبح أكثر تعقيداً بالنسبة للسلع الكمالية حيث لا يوجد عادة سوى بلد واحد يصنعها، وبالتالي لكل سلعة منها وكيل حصري واحد يتحكم بأسعارها..! في جميع الأحوال.. كسر الاحتكار لن يتم بمنح إجازات استيراد للجميع لمواد يحتكرها الوكيل الحصري أي المستورد الوحيد..! الحل المتاح حتى الآن هو بقرار وزارة التجارة بإلزام المستوردين كافة “بلا أي استثناء” بتسليم نسبة مئوية من مستورداتهم بسعر التكلفة لصالات مؤسسة التجارة، ودون ذلك لا يمكن تخفيض الأسعار ولا التخفيف من قسوة الاحتكار..! البعث