الاحتكارات تسيطر على أسواق الهال والأسواق تغصّ بالسلع غير الصالحة للاستهلاك
كشف وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد اللـه الغربي عن دخول كميات كبيرة من المواد غير الصالحة للاستهلاك إلى الأسواق المحلية خلال الأشهر الماضية، مما تطلب رقابة حقيقية بالتعاون والتنسيق مع التجار. جاء حديثه خلال ورشة عمل عن دور التجارة الداخلية في عمل الأسواق المحلية لإنجاح العملية التسويقية، يوم أمس في المركز الثقافي في كفرسوسة، بالتعاون مع اتحاد غرف التجارة السورية ومشاركة غرف الصناعة والزراعة، مبيناً أن هذه الورشة تندرج ضمن سلسلة ورشات عمل تقام بالتعاون مع اتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة بهدف الوصول إلى آلية رقابية للأسواق تنال رضى المواطن ورضى التاجر على السواء. ورأى الغربي أنه على الرغم من تواجد بضائع كثيرة ومتنوعة مخالفة للشروط الصحية وتفتقد للجودة إلا أن هناك رضى بعمل الرقابة التموينية بنسبة 70 بالمئة حيث هناك ضبط لبضائع بكميات كبيرة مهربة أو منتهية الصلاحية أو بلا مواصفات ولا جودة داعيا للعمل كفريق واحد لنيل رضى المواطن وثقة التجار. من جانبه دعا رئيس اتحاد غرف التجارة غسان القلاع في كلمته إلى تشجيع المنتج المحلي لأنه يلتزم بالمواصفة والجودة المطلوبة ولكونه يعطي دفعاً أكبر لحركة البضائع في التجارة والزراعة والصناعة والإنتاج بشكل عام ويشغل من الأيدي العاملة الوطنية في مختلف مجالات الإنتاج والصناعة. إستراتيجيات التسويق بدوره قدم معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عماد الدين شعيب خلال محاضرة حول إستراتيجية التسويق لحالات نجاح بعض المنشآت في عمليات التسويق وتعثر البعض الآخر في هذه العملية بسبب غياب الدراسات التسويقية وشح المعلومات حول الأسواق والكميات المطلوبة والاحتياج الحقيقي للاستهلاك المحلي من الإنتاج أو الاستيراد. وأشار إلى أن هناك الكثير ممن يبحثون عن زيادة الإنتاج بعيداً عن الكلف والقدرة على تسويق هذا الإنتاج بالطرق السليمة، منوهاً بضرورة اعتماد كافة المنشآت والورش وكافة المنتجين والمستوردين لخطط تسويق إستراتيجية لأي منتج للوصول على الأسواق. ودعا إلى ضرورة العمل وفق مبدأ التنافسية والاعتماد على احتياجات السوق لأنها تؤدي إلى تخفيض الأسعار والابتعاد عن الحصرية في بعض المواد والبضائع والسلع ببعض المنتجين أو المستوردين كي لا تخضع مثل هذه المواد للتحكم في الأسواق وفرض الأسعار وغياب المنافسة. وأشار إلى أبرز مشاكل التسويق خلال السنوات الماضية وأهمها التذبذب في الأسعار وارتفاع أجور النقل وارتفاع مستلزمات الإنتاج وقد اتصفت فترة الأزمة بالإنتاج الوفير والتسويق الضعيف في الوقت ذاته، داعيا ضمن هذا الإطار إلى اعتماد مبدأ التوزيع الجيد والالتزام بالمواصفة والسعر والجودة والأخذ بالاعتبار وعي المستهلك الأمر الذي بات يستدعي البحث عن التسويق بالطرق العصرية والحديثة والتي تلائم أذواق الناس. الأسواق بعين التجار مدير غرفة تجارة دمشق عامر خربوطلي تحدث عن واقع الأسواق والتجارة الداخلية من وجهة نظر اتحاد غرفة التجارة السورية، مبيناً أنه على الرغم من الأزمة فإن الأسواق المحلية لم تشهد فقدان أية بضائع، ولم تفرغ الرفوف من السلع والمواد على اختلافها نتيجة أن عدداً مهماً من التجار آثروا الاستمرار في أعمالهم داخل سورية ولم يبرحوا مكانهم، إلا أن الأسواق والاقتصاد عانى من الركود التضخمي وهو أمر متناقض حيث شهدت الأسواق ارتفاعاً في تكاليف العمل والإنتاج وبات هذا الوضع يتطلب توجيه الكتلة النقدية الأكبر باتجاه مشاريع سريعة المردود. ولفت مدير غرفة تجارة دمشق كذلك إلى أن تأثير الأزمة كان الأقل حدة على قطاع التجارة الداخلية وتمكن من امتصاص تداعيات الأزمة ولم تسجل اختناقات كبيرة سوى لبعض المواد المرتبطة بالأسواق الخارجية والمتأثرة بالعقوبات والحصار الاقتصادي وأن الأثر الأكثر حدة كان في قطاع الزراعة والصناعة والخدمات. وبين من جهة أخرى أن القدرات الشرائية للناس توجهت بالمقام الأول نحو الغذائيات على حساب السلع غير الأساسية كما تم تصنيفها خلال الأزمة على الرغم من أنها سلع أساسية إلا أنها ليست سلعاً كمالية وذلك نتيجة تراجع الدخل وانخفاض القوة الشرائية. ووصف خربوطلي آليات الرقابة والتسعير ونقاط البيع بالتقليدية، وأشار إلى المنعكسات السلبية لإغلاق المولات في معظم المناطق وتراجع الطلب وفقدان الكوادر المؤهلة وعدم الاستقرار في حركة البيع وتركز نقاط البيع في مراكز المدن الرئيسية. وأشار من جانب آخر إلى أن المنتسبين في غرف التجارة يشكلون نسبة 25 بالمئة من إجمالي الحاصلين على سجلات تجارية من وزارة التجارة وأن إلزام هؤلاء بالتسجيل في غرف التجارة بحسب تعليمات الوزارة الأخيرة سيرفع نسبة المنتسبين لغرف التجارة بشكل يتوافق مع المسجلين في السجل التجاري في وزارة التجارة مشيراً إلى أن غرف التجارة تصدر وبشكل أسبوعي نشرات أسعار ميدانية لحوالي 66 مادة في الأسواق المحلية وتعد تحليلاً لها سنوياً أو ربع سنوي للمفرق والجملة وان غرف التجارة تتابعها وتلاحقها بشكل دوري إلا أنه نفى وجود مسوحات ميدانية حكومية حقيقية للأسعار. وعرض رؤية اتحاد غرفة التجارة وتتمحور على هدف الوصول إلى اقتصاد أكثر منافسة ومولد للقيم المضافة وتحقيق المشاركة بين العام والخاص وتنشيط التجارة وحرية المنافسة لخفض الأسعار وتسهيل أعمال حلقات التجارة المختلفة والتركيز في الرقابة على المواصفة والجودة والصحة وتوازن الأسواق ومنح السجلات والتراخيص المؤقتة لمنشآت نقلت أعمالها إلى مناطق آمنة. الإنتاج الزراعي بيّن ممثل اتحاد غرف الزراعة خالد أحمد أن الإنتاج الزراعي في سورية يفتقر إلى أسواق تجميع رغم الإنتاج الوفير والكبير مشيراً إلى ضرورة إيجاد أسواق تجميع وتوضيب وفرز وتغليف بسبب تطور أذواق المستهلكين وخاصة المعد للتصدير وظهرت شرائح مجتمعية لم تعد تقبل إلا بالمنتج النوعي والمتضمن بيانات كلفة وشروطاً صحية وبيئية وتغليفاً جيداً وغيرها من الشروط. وقال إن تموضع أسواق الهال في سورية غير مناسب وأكثرها في مراكز المدن حيث تزاد الكلف لإدخال البضائع إليها والتراخيص والضرائب وموافقات متعددة وكلف نقل مرتفعة عدا عن الازدحام داخل هذه المدن ما يفقد أسواق الهال فيها الكفاءة التسويقية. وأشار إلى عمليات احتكارية داخل أسواق الهال وبين المحافظات وبين الحلقات التسويقية للمواد الزراعية التي تؤثر سلبا في المزارع وأرباحه وترفع الكلف على المستهلك حيث تتجاوز نسب ربح بعض الحلقات الوسيطة قيمة المادة المنتجة ذاتها ولا تكتفي بنسبة 6 بالمئة عمولة بل تصل إلى أكثر من 20 بالمئة مخالفا بذلك النسب الموضوعة من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. ونفى وجود أسواق متخصصة في أسواق الهال أو الجملة وهي تؤثر سلبا على الأسعار حيث تسود المضاربات ويتم البيع من تاجر تجزئة إلى تاجر تجزئة آخر وهو يخالف العرف المتبع في مثل هذه الأسواق ويغيب عنها التنظيم والمعلومات والمداخلات والمخرجات وما يتوافر من معلومات فهي تقديرية وغير دقيقة للإنتاج والاحتياج والاستهلاك. واقترح ممثل اتحاد غرف الزراعة اعتماد خطة زراعية واضحة تنظم الإنتاج والأسواق والتسويق ووضع حوافز وحماية للمزارعين للخروج من دورة الإنتاج بلا خسائر وتطوير سياسات التسعير وتنظيم أسواق الجملة والمفرق للقطاع الخاص. ودعا كذلك إلى ضرورة تنظيم سوق الحيوانات فهي غير خاضعة للرقابة التموينية أو الشروط الصحية والبيطرية وهي تؤذي المنتج أو البائع النظامي حيث لا يدفع المنتج غير الشرعي رسوماً وضرائب ولا أية كلف أخرى تقع على عاتق النظامي. مداخلات دعا مدير هيئة المنافسة ومنع الاحتكار أنور العلي إلى إنشاء مؤسسة تسويق عملاقة للتسويق الداخلي والخارجي وتحقيق رغبات المواطن ومصالح المنتجين بالأسعار المناسبة لكافة الأطراف في العملية الإنتاجية والتسويقية. وأشار إلى وجود زراعات وصناعات سورية تتمتع بميزة تنافسية وليس بميزة تسويقية مثل الحمضيات وزيت الزيتون والحبوب والشوندر السكري وغيرها إضافة إلى نحو ست صناعات تنسحب عليها ذات الحال. وأشار إلى الحديث منذ ثلاثين سنة عن تسويق الحمضيات بلا جدوى داعيا إلى إنشاء شركة تسويق عملاقة من القطاع الخاص ترعاها الدولة تدرس احتياجات السوق الداخلية وحجم الإنتاج والكلف والأسعار وتضع أسساً لهذا العمل بالتعاون مع الاتحادات المهنية والمنظمات والجمعيات الأهلية. من جانبها أشارت رئيسة جمعية حماية المستهلك سراب أسمر إلى التعويل بالدرجة الأولى على الرفع من مستوى وعي المستهلك لإنجاح العملية التسويقية لأي منتج واعتماد اللوحة الالكترونية في كافة الأسواق المحلية وفي المولات والمراكز والصالات ونقاط بيع الجملة ونصف الجملة والمفرق والتجزئة ووضع الأسعار لكافة المواد والسلع بمختلف مستوياتها وأنواعها وأصنافها ومسمياتها وهي من حق المستهلك وتعتمد في كل بلدان العالم. رئيس غرف تجارة وصناعة القنيطرة مفيد ماشفج بيّن أن مشاكل التوثيق ليست جديدة ونعاني منها منذ سنوات كثيرة وهي تبدأ من المنتج الزراعي أو الصناعي وصولا إلى المستهلك والمعاناة الأكبر للمزارعين والفجوة الكبيرة بين أسعار وكلف الإنتاج وأسعار المستهلك وضياع هذا الفارق الكبير بين الحلقات الوسيطة. أيمن يحيى من اتحاد غرف الزراعة دعا إلى الابتعاد عن استخدام مصطلح تصدير الفائض واعتماد مبدأ الإنتاج من أجل التصدير. وأشار البعض إلى غياب التنسيق بين اتحاد الفلاحين واتحاد غرفة الزراعة ومديريات الزراعة وأسواق الهال فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي وتسويقه بالصورة المثلى. إجابات شعيب وفي معرض إجابته عن بعض التساؤلات بيّن أن الوزارة تدرس حالياً بالتعاون مع محافظة دمشق وضع لوحات إلكترونية في كافة الأسواق ونقاط ومراكز البيع تتضمن المواد وأصنافها ونوعياتها وأسعار كل واحدة منها ويمكن أن تعمم على باقي المحافظات. وبين من جانب آخر أن هناك الكثير من المواد والبضائع تدخل عبر المنافذ غير الشرعية. وأكد أن إستراتيجية التسويق هي مسؤولية مختلف وزارات الدولة والاتحادات المهنية وغرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة مقترحاً تشكيل لجنة من هذه الجهات والقطاعات لوضع الإستراتيجية والحلول المناسبة للعملية التسويقية مبيناً أن الحلول الآنية لا تجدي نفعاً، وأن وزارة التجارة الداخلية تؤمن بالتشاركية مع القطاع الخاص بهذا الصدد. وأشار إلى مشروع مرسوم في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ناظم لأسواق الهال في سورية. بينما أوضح عامر خربوطلي أن فجوة الأسعار بين مواقع الإنتاج وأسواق الهال والحلقات الوسيطة موضوع شائك وقديم إلا أن هذا الأمر لا ينفي ضرورة وجود أسواق الهال لأنها موجودة في كل بلدان العالم وتحتاج لدينا إلى ضبط وتنظيم لتحقيق العدالة والتوازن بينها وبين مواقع الإنتاج للوصول إلى السعر التعادلي عبر توفير معلومات شاملة وشفافة عن الأسواق وحرية الدخول والخروج منها. الوطن