بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

أوهام أمريكية لمستقبل سورية.. فات الأوان

الجمعة 10-03-2017 - نشر 8 سنة - 5799 قراءة

نحن من يصنع مستقبل بلداننا وأي تغيير في الشكل لن يمس العمق.. ونحن ندرك أن المستفيد الوحيد من إثارة الفتن في بلداننا وتحريك الأطراف للتصارع والتناحر إنما هم أعداؤها التاريخيون الذين لم ينفكوا يحاربونها في كل مجال سياسي واقتصادي وثقافي وقد اغتصبوا مقدساتها وانتهكوا حرماتها وشتتوا مجتمعاتها.. ومهما أثيرت الإشاعات بمبررات ذاتية للتصارع إلا أن كل الاختلافات المثارة تستدعي الحوار والتعايش وليس التنافر والقطيعة القاتلة.. فما هو سيناريو الإدارة الأمريكية لمستقبل سورية؟

في تقرير إخباري نشرته صحيفة القدس الفلسطينية قبل أيام قليلة كشفت "مؤسسة راند" والتي تعمل كغطاء بحثي لوكالة الاستخبارات المركزية (C.I.A) والمقربة حاليا من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن اكتمال وضع خطة لتقسيم سوريا.. وإن النموذج الذي استخدمته مؤسسة راند (ذات التأثير البالغ) لتقسيم سوريا سيكون وفقا لنموذج البوسنة، أي على نحو سيشمل حدوث عمليات تطهير عرقي وموجات جديدة هائلة من المهاجرين.. وفي عملية لا تخفى دلالاتها النفسية وأهدافها السياسية تمت الإشارة إلى الحل الأمريكي على غرار ما حصل في البوسنة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، سيتم تسهيل السلام من خلال تغييرات ديموغرافية على الأرض، وموافقة القوى الخارجية على مثل هذه التغييرات، واستنفاد قوى أطراف الصراع، وانه لن ينشأ السلام نتيجة التوصل إلى اتفاق رسمي مفصَّل وإنما نتيجة مجموعة من التفاهمات المحلية والدولية، بدءا من اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا وإيران، الذي يشكل نقطة انطلاق جيدة لكن غير كافية؛ إذ ستكون الاتفاقات طويلة الأجل أكثر فعالية، إذا كانت تنطوي على موافقة أصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة وشركاؤها ومعارضو الأسد الآخرون.

وتدعو المؤسسة إلى تطبيق النظام اللامركزي من خلال تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، مع خضوع المنطقة الممتدة من الساحل الغربي إلى دير الزور باستثناء الرقة لسلطة الحكومة في دمشق وروسيا.

وبحسب "راند"، ستخضع المنطقة التي سيطرت عليها تركيا في إطار عملية "درع الفرات" ومحافظة إدلب للسيطرة التركية، بينما سيخضع الجزء الجنوبي من درعا لسيطرة ما أطلقت عليه مؤسسة راند اسم "المعارضة"، ولكن من دون وصفها بالتفصيل.

وستسيطر قوات سوريا الديمقراطية، التي تتألف من ميليشيات كردية مدعومة من الولايات المتحدة، على جزء كبير من شمال سوريا بحسب خطة "راند".

ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة "راند" تقترح وضع معاقل تنظيم داعش ومراكز النفط في الرقة ودير الزور تحت "إدارة دولية" إذ قالت في تقريرها "ولذلك نوصي بأن تضع الولايات المتحدة محافظة الرقة بعد تحريرها تحت إدارة انتقالية دولية، ما سيخلق منطقة محايدة غير خاضعة لسيطرة النظام ولا المعارضة إلى حين إيجاد حل نهائي للحرب".. وستخضع هذه المنطقة إلى نفوذ الأمم المتحدة، التي تعتمد بدورها على المجالس المحلية.

وتعارض مؤسسة راند، من ناحية أخرى، إرسال قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة إلى هذه المنطقة الدولية، وتدعو بدلا من ذلك الولايات المتحدة وروسيا إلى تنظيم نشر "قوات ائتلافية" تتمتع بتفويض من الأمم المتحدة. وسينطوي هذا الحل على مشاركة تركيا وغيرها من الحلفاء الأمريكيين الإقليميين، الذين لن يتركوا الرقة ودير الزور تحت سيطرة تنظيم داعش ولا سيطرة الميليشيات الكردية، وفقا لمؤسسة راند.

ويتضح من الخارطة السورية التي نشرتها مؤسسة راند أن مدينة منبج ستقع تحت هيمنة تركيا في شمال سوريا، ولكن الجيش التركي لم يستول بعد عليها بينما يرفض المقاتلون الأكراد في وحدات حماية الشعب فكرة أن تُحتل المدينة من قبل الأتراك. وهذا خللٌ واقعي يواجه السيناريو الأمريكي فلقد تقدم الجيش السوري إلى منبج وتمدد في ريف حلب وقد وصل إلى شواطئ الفرات وأصبحت المسافة قصيرة بينه وفرض سيطرته على مناطق واسعة نحو الرقة.

وفي خطإ استراتيجي آخر أمام السيناريو الأمريكي انه يشير إلى أن عمليات تطهير عرقي ضخمة منذ بداية الحرب تمت بناء على أساس خطوط أنابيب النفط المخطط لإنشائها، ولكن تقسيم البلاد على أساس العرق سيسرِّع وتيرة عمليات النزوح والهجرة، لا سيما إلى أوروبا التي تسعى جاهدة لإغلاق حدودها.. وهذا معاملٌ جديد بدأت ملامحه تظهر بالاختلافات المتصاعدة بين اردوغان وألمانيا وهولندا وسواها من الدول الأوروبية التي تضررت بفعل اللجوء الكاسح المار عن طريق تركيا.

بمقارنة سريعة مع الواقع نرى أن السيناريو الأمريكي يعاني من قصر نظر وتخلف عن رؤية التطورات الحاصلة محليا وإقليميا؛ فمحليا أصبحت الدولة السورية أكثر تقدما على صعيد استعادة الاستقرار والأمن في مناطق عديدة وكان لاستعادتها مدينة حلب ومن ثم تدمر الأثر البالغ في صياغة معطيات جديدة.. ومن جهة أخرى على الصعيد المحلي اتفق السوريون، دولة ومعارضة، على جدول أعمال وقد تمكنوا من وضع النصرة وداعش تحت طائلة الإرهاب، بمعنى واضح أن المناطق التي تقع تحت سيطرة هذين التنظيمين تعتبر مناطق مغتصَبة تتحرك الدولة السورية والمعارضة لاستردادها.. ويبدو من مجريات المفاوضات في الاستانة وجنيف أن هناك تلاقيا كبيرا في محاور المفاوضات على مبادئ سيكون لها الفضل في رسم خارطة طريق للخروج من الأزمة.. وفي المشهد المحلي يبدو أن الأكراد السوريين سلَّموا أمرهم للدولة السورية عندما أوكلوا لها حمايتهم في مناطق خشوا أن تستولي عليها القوات التركية.

ومن الواضح أن هناك تفاهمات تركية روسية على استلام الجيش السوري مناطق كانت تحت سيطرة الأكراد السوريين وأن روسيا خلال تفاهمات بينها وبين الأتراك تكون قد رسمت حدود التدخل وقدّمت الضمانات الكافية لعدم تحوُّل تلك المناطق إلى رديف أمني للأكراد الأتراك.

وإقليميا يبدو أن العراقيين يتوجهون إلى إنهاء التمرد الداعشي بعد أن كادت الموصل كلها تصبح بلا داعش رغم التهديدات الأمنية المتواصلة من قبل خلايا مسلحة تقوم بتفجيرات هنا وهناك.. وإن تفرغ الجيش العراقي من مهمته القتالية هذه سيوفر له فرصة ملاحقة داعش في المناطق الحدودية أي في داخل العمق السوري وهذا من شأنه أن يحدث الارتباك الحقيقي للأمريكان وسيناريوهاتهم.

الوضع الإقليمي والوضع المحلي يوجه صفعة قوية للأمريكان الذين يبدون من دون رؤية ولا تصور، فبعد ست سنوات من الحرب الكونية على سورية أصبحت الدولة في هذه المرحلة أكثر قوة من أي فترة من فترات التصارع.. ولعل هذا هو ما دفع الأمريكان قبل يومين إلى الإعلان أن مصير الرئيس السوري يقرِّره السوريون وحدهم.

لن ينجح السيناريو الأمريكي ولن تقسَّم سورية، وكل كلام من هذا القبيل إنما هو محاولة ترعيب للسوريين وضغط عليهم ليقدِّموا تنازلات عميقة في قضايا استراتيجية أهمها الموقف من فلسطين والمقاومة اللبنانية.. ولكن كل المراهنات على إحداث انقلاب في الموقف ستذهب هباء وستخرج سورية واحدة موحَّدة وسيجد السوريون أن عليهم مهمات شاقة في التئام الجروح ولمِّ الشمل والتعامل مع التحديات الداخلية بروح المسؤولية والتسريع في رفع الركام النفسي والمادي فشعب سورية جدير بالحياة الكريمة.. تولانا الله برحمته.


أخبار ذات صلة