الموسيقى العالقة.. لماذا تتكرّر بعض الأغاني في عقولنا بلا سبب؟
الموسيقى العالقة.. لماذا تتكرّر بعض الأغاني في عقولنا بلا سبب؟
الأربعاء 07-02-2018
- نشر 7 سنة
- 978 قراءة
على مر التاريخ الإنساني، تعد الموسيقى المسجلة ظاهرة جديدة، ويتكهن بأن «متلازمة الموسيقى العالقة» (تكرار الأغاني في الأذن) أيضًا ظاهرة جديدة، فهي النتيجة غير المقصودة لإمكانية سماع الأغنية نفسها بالطريقة نفسها مرارًا وتكرارًا.
تتكرر إحدى الأغنيات في رأسك، بينما أنت على أعتاب مكتبك، أو تتردد إحدى النغمات في ذهنك ولا يمكنك إيقافها بشكل من الأشكال حتى صارت تؤرق يومك، وتصبح على شفا الصراخ عاليًا بكلمات الأغنية لربما إن نطقتها ذهب عن عقلك تكرارها. هناك العديد من الأغاني المشهورة التي على الرغم من جودتها وإمتاعها للمستمع فضلًا عن لحنها ونغماتها المميزة، كأغنية (Bad Romance) لليدي غاغا، أو (work work work work work work)، صارت عبئًا في عقول البعض وأذهانهم.
نشرت مجلة تايم تقريرًا يتناول تلك الظاهرة، والتي تعرف بـ«متلازمة الموسيقى العالقة» (ear worm) فهي تصف الأغنيات التي تعلق في الأذهان حتى بعد انتهائها وتتكرر بشكل عفوي فتصير دودة تعلق بالأذن يصعب إخراجها.
ظاهرة نادرة أم حالة شائعة بين البالغين؟
يقول الكاتب إن الخبراء يطلقون على تلك الحالة «التصور الموسيقي اللاإرادي»، فحسب ما ذكرته مؤخرًا إحدى الدراسات المنشورة على مجلة «سيكولوجي أوف ميوزيك»، فإن حوالي 90% من البالغين يقولون إنهم يمرون بتلك التجربة مرة أسبوعيًّا، إن لم يكن بصفةٍ يومية، وفي حين هناك اختلافات ضخمة من شخصٍ لآخر عندما يتعلق الأمر بتلك الحالة، إلا أنها في الغالب تعلق في العقل لما يقرب من 30 دقيقة، وتتميز هذة الأغنيات عادة بتناغم الكلمات مع الموسيقى، فالأمر لا يتوقف على الموسيقى واللحن فحسب بل الكلمات أيضًا.
يضيف التقرير إنه لحسن الحظ، يرى أغلب من مرّوا بتلك الحالة أن الأغنيات التي تعلق بأذهانهم أو ما تعرف بـ«متلازمة الموسيقى العالقة» عادة ما تكون جيدة وممتعة، إلا أن البعض الآخر يعتبرها مزعجة وتقودهم للجنون، تقول «إليزابيث هيلموث مارغوليس» (الأستاذة في جامعة أركنساس، ومدير مختبر المعرفة الموسيقية في الجامعة نفسها)، بعد دراستها كيف تعلق الأغاني بأذهان الناس: «يبتلى بعض الناس بـ«ديدان» الأغاني لدرجة أنها بدأت تتداخل مع حياتهم».
لماذا تتكرر بعض الأغاني في الأذن؟
تقول «مارغوليس» إن الأغاني التي تصير «متلازمة الموسيقى العالقة» تتشارك بعض الخصائص التي يمكن التنبؤ بها، فهي عادة ما تكون مقتطفات صغيرة من الأغنية وليست الأغنية بأكملها، وتضيف «أنها عادة ما تكون جزءًا من اللحن». فضلًا عن أنها غالبًا تكون من بين الأغاني التي سمعها الشخص مؤخرًا. ولكن يردف كاتب المقال قائلًا إنّ الأمر عندما يتعلق بالأغاني العالقة في الأذن وأنواع أخرى من الذاكرة الدلالية اللاإرادية، كالشعارات والأقوال ومقاطع الأفلام أو الأشخاص وغيرها من الأمور التي لا يقصد استدعاؤها أو حتى إبقاؤها في الذاكرة والتي تمرّ إلى عقلك بدون عمدٍ منك أو محاولة واعية لاستدعائها، فإن المحفزات الغريبة أو التي لا يمكن التنبؤ بها يمكن أن تبدأ في تشغيل مسار ما أو أغنية ما في ذهنك.
وتقول «مارغوليس»: «كنت أصطحب طفلي إلى الطبيب، وفي العيادة كان هناك ملصق كبير عليه صورة رجل متأنق، وكنت أظن أنه يشبه غاستون في فيلم «الجميلة والوحش»، تردف قائلة «مرت بضع دقائق، وأدركت أنني لا أستطيع إخراج أغنية (كن ضيفنا Be Our Guest) من الفيلم من رأسي»، ذلك على الرغم من ادعائها أنها لم تفكر في تلك الأغنية أو لحنها منذ سنوات.
تقول إنها في هذا الموقف كانت قادرة على تحديد الزناد الذي أطلق تلك الأغنية في رأسها، إذ إن الشخص المتأنق على الملصق كان شديد الشبه بغاستون. لكنها تضيف أن الروابط بين المثير الذي حفز «متلازمة الموسيقى العالقة» وبين الأغنية «ملتوية فعلًا» وليست مباشرة. على سبيل المثال، قد تجد أغنية «ثريلر» (Thriller) لـ«مايكل جاكسون» قد برزت في ذهنك للوهلة، ولكنك قد لا تدرك أنك مررت بجوار رجل في الشارع كانت تسريحة شعره تشبه تسريحة شعر «مايكل جاكسون».
ما هي سمات «الموسيقى العالقة»؟
عادة ما تحتوي على انتقالاتٍ أو تحولاتٍ طفيفة غير متوقعة في طبقة الصوت أو الإيقاع التي يعتبرها عقلك بارزة ولا تنسى.
يذكر الكاتب أنه على الرغم من أن مصادر «الموسيقى العالقة» غير معروفة وغامضة غالبًا، إلا أن لها سمات مشتركة، تقول «كيلي ياكوبوفسكي»، باحثة في مجال الموسيقى بجامعة دورهام في المملكة المتحدة، والتي درست ظاهرة الأغنيات العالقة، إن تلك «الأغاني غالبًا ما تتميز بسرعة الإيقاع أو البهجة، أو تلك التي تستخدم المعالم اللحنية القابلة للتنبؤ»، وعلى الرغم من أن ألحانهم متوقعة، فإنها عادة ما تحتوي على انتقالات أو تحولات طفيفة غير متوقعة في طبقة الصوت أو الإيقاع التي يعتبرها عقلك بارزة ولا تنسى.
وفي حين بدأ الخبراء يفهمون السمات المشتركة التي تشترك فيها تلك الظاهرة، إلا أنهم لم يفهموا بعد لماذا تلك الأغنيات تحديدًا تعلق بأذهاننا في المقام الأول؟ تشير «مارغيلوس» إلى أنه على مرّ التاريخ الإنساني، تعدُّ الموسيقى المسجّلة ظاهرة جديدة، وتضيف أن البعض تكهّن بأنّ ظاهرة الموسيقى العالقة أيضًا ظاهرة جديدة، وهي النتيجة غير المقصودة لإمكانية سماع الأغنية نفسها بالطريقة نفسها مرارًا وتكرارًا.
ربما يكون لـ«متلازمة الموسيقى العالقة» أثر أيضًا على الذاكرة، أتي «لاسي ليكانين» من معهد هيلسينكي لتكنولوجيا المعلومات الفنلندي بنظرية أنّ الاهتزازات والإيقاعات اللا إرادية والتي تبرز في أذهاننا فجأة ربما تكون وسيلة متعلقة بالذاكرة أو وسيلة مساعدة للذاكرة، فعلى حد قول الكاتب، أظهر أحد الأبحاث أن الموسيقى يمكنها المساعدة في تحسين ذاكرة الناس الذين يعانون من التصلُّب المتعدد أو (التصلّب اللويحي) وهو التهاب ينتج عن تلف الغشاء العازل للعصبونات في الدماغ والحبل الشوكي، فيُعطّل قدرةَ أجزاءٍ من الجهاز العصبي على التواصل، مما يؤدّي إلى ظهور عددٍ من الأعراض المرضية، من بينها التأثير على الإدارك العقلي، فضلًا عن أن عددًا كبيرًا من الأدلة يشير إلى أن عقولنا تستخدم الارتباطات لأجل التخزين أو استرجاع الذاكرة.
ويضيف أن من ناحية أخرى، أظهرت بعض الأبحاث أن الناس الذين يعانون من سمات الوسواس القهري أو الأمراض العصبية عادة ما يختبرون «الموسيقى العالقة» بصفة متكررة، وعادة ما تعلق الأغنيات بأذهانهم فتراتٍ أطول.
كيف تتخلص منها؟
يؤكد الكاتب على أن «متلازمة الموسيقى العالقة» مثلها مثل العديد من الأمور المتعلقة بالدماغ والذاكرة، لا تزال يغلفها الغموض ويصعب الوصول لتفسيرات شاملة لأسباب اختبار الناس لها، لكن يقترح أيضًا بعض الطرق المجربة والتي من شأنها مساعدتك على التخلص منها.
يقول «ليكانين» إن «العثور على مهمة تتطلب التركيز العقلي العالي والانشغال بها، عادة ما يساعد في صرف انتباهك بعيدًا عن الموسيقى المتكررة داخل عقلك»، توافقه في ذلك «مارغيلوس» وتضيف «عادة ما يصاب الناس بمتلازمة الموسيقى العالقة عندما يعملون على مهام لا تتطلب التركيز الكامل، كغسيل الأطباق». وتقترح أن مضغ اللبان قد يساعد أيضًا، وتفسر ذلك قائلة: «عندما تعلق أغنية برأسك، يبدو الأمر كما لو أننا نغني معها»، وبالتالي «إذا شغلت فمك بشيء آخر كمضغ اللبان»، أو تناول وجبة طعام أو التحدث مع أحد أصدقائك ربما يساعد ذلك في طردها من رأسك. أما «كيلي ياكوبوفسكي» فيقترح حلًا آخر، فهو ينصحك بمجابهة عدوك مباشرة، وذلك من خلال الاستماع إلى الأغنية كاملة للمقطع الذي سيطر على رأسك لربما تجد في ذلك خاتمة أو نهاية لمثل ذلك التكرار.
التايمز