في تقريرها المنشور بصحيفة «الجارديان» البريطانية، كتبت ريبيكا ريديال، المؤلفة والمؤرخة ومنتجة البرامج التلفزيونية؛ عن أشهر الخرافات التاريخية التي يؤمن بها الكثيرون، حول جنكيز خان وبلقيس إلى كولومبوس والأخوين رايت.
وتقول ريبيكا: «هذا الأسبوع قيل لنا إن الفئران لم تكن سبب تفشي الطاعون، وأن الأوبئة الغامضة التي قتلت 15 مليون شخص من شعب الأزتيك بين عام 1545 و1550م، لم تكن الجدري أو الحصبة، بل كانت الحمى المعوية؛ وأن ما عُرف بكباش الفداء في أوروبا الحديثة (صبيان صغار كانوا ينشؤون بجوار الأمراء الصغار في البلاط الملكي، ليتلقوا العقاب بدلًا منهم)، مشكوك في صحة وجودهم». وتساءلت الكاتبة عن الأساطير الأخرى المشبوهة والمشكوك في صحتها بالتاريخ.
الأسطورة الأولى: الملك هارولد تلقَّى سهمًا بعينه في معركة هاستنجز
هذه المعلومة واحدة من أكثر الحقائق المؤكدة في التاريخ الإنجليزي، بالرغم من أن التقارير المتعلقة بموت الملك هارولد جودوينسون تحوي اختلافًا كبيرًا؛ إذ تقول بعض المصادر إنه قُتل في المعركة. ويؤكد «كارمن دي هاستنجي برويليو» (مصدر كُتِب بعد فترة وجيزة من المعركة)، أنه طُعن بالصدر، وقُطعت رأسه وأُخْرجت أحشاؤه بالرمح. وتلفت الكاتبة النظر إلى أن الادعاءات التي تقول إن جودوينسون قُتل بسهم في عينه، لم تظهر حتى القرن الثاني عشر.
ويعتقد العلماء أن تداول هذه الأسطورة يرجع جزئيًا إلى التقارير التي تحدثت عن الرماة البارعين الذين كانوا في المعركة، وأيضًا بسبب الصورة المرسومة على نسيج بايو التي يُعتقد أنها لهارولد جودوينسون. إذ رُسم نسيج بايو بعد فترة وجيزة من المعركة، ويظهر فيه شخصان تحت نقش: «قتل الملك هارولد»: الأول مقتول بسهم في رأسه، والثاني يُداس من حصان. وتتساءل الكاتبة؛ هل الملك هارولد هو الرجل الأول؟ أم الثاني؟ وهل يمكن أن يكون المقصود من هذه الرسوم إظهار تسلسل قتل الملك هارولد؟ وأشارت إلى عدم وجود توافق في الآراء.
الأسطورة الثانية: الاعتقاد بأننا نعرف من هي الملكة بلقيس وأين تقع سبأ
تُعد الملكة بلقيس أشهر ملكة في التاريخ بعد كليوباترا؛ وعلى الرغم من قوة أسطورتها وحقيقة ذكرها في النصوص المسيحية والإسلامية واليهودية، إلا أنه – وبحسب الكاتبة – لا يُعرف سوى القليل عن الشخصية الحقيقية وراء الحكاية. ففي القصة التوراتية؛ تظهر على أنها ملكة مستقلة تزور الملك سليمان وتقدم له بعض الهدايا من الذهب والأحجار الكريمة والتوابل.
ويعتقد بعض العلماء أن بلقيس كانت ملكة سبأ، التي تقع ضمن حدود دولة اليمن حاليًا، في حين أن هناك نظرية أخرى تؤكد أن مملكة سبأ كانت في إثيوبيا؛ فوفقًا للملحمة الوطنية الإثيوبية «كيبرا ناجاست»، فإن الملكة بلقيس هي أم الإمبراطور منليك الأول، مؤسس السلالة السليمانية وابن الملك سليمان.
الأسطورة الثالثة: كولومبوس اكتشف أمريكا
يعتقد معظم الناس أن أول أوروبي اكتشف أمريكا، كان كريستوفر كولومبوس في عام 1492م. ومع ذلك هناك دليل على وجود أوروبي في الأمريكتين، يسبق اكتشاف كولومبوس بعدة قرون. إذ توجد رواية أخرى تقول إن أول أوروبي اكتشف أمريكا كان المستكشف ليف أريكسون؛ الذي توجه من جرينلاند إلى ما يعرف الآن بكندا في سنة 1000م تقريبًا. وتقول الكاتبة إن الاكتشافات الأثرية المؤرخة من الكربون في الموقع الأثري لانس أو ميدوز بكندا، تدعم هذه الفرضية.
الأسطورة الرابعة: جنكيز خان.. قائد عسكري همجي يفتقر للحنكة
في الثقافة الشائعة، يُذكر جنكيز خان دائمًا على أنه قائد عسكري وحشي وهمجي ومتهور. في حين أن هذه الممارسات كانت خليطًا من الفتوحات العسكرية المختلطة بإراقة الدماء (بعض التقديرات تشير إلى أنه مسؤول عن قتل نحو 40 مليون شخص).
وتقول الكاتبة إن قائد أكبر إمبراطورية عرفها العالم في التاريخ؛ يُصور دائمًا على أنه قائد يفتقر إلى الحنكة والتخطيط، في حين أن هذا مخالف تمامًا للواقع. فلقد استخدم جنكيز خان مزيجًا من القوة العسكرية، والقسوة، والحروب النفسية والإرهاب للسيطرة على أعدائه. إذ كان يأمر بإشعال الحرائق الإضافية، لإعطاء انطباع بأن جيشه أكبر، ويقوم بترقية الجنود بناءً على الجدارة بدلًا من المكانة الاجتماعية. علاوة على استخدامه نظام بريد متطورًا، مكنه من جمع المعلومات وإرسالها في وقت قياسي.
الأسطورة الخامسة: الثورة المجيدة لم تكن بيضاء كما قالوا
في عام 1688م، غزا ويليام أورانج بريطانيا، وأطاح بوالد زوجته، جيمس الثاني ملك إنجلترا، وأصبح في عام في 1689م حاكمًا على إنجلترا وإسكتلندا وأيرلندا. ووفقًا لمؤرخ القرن التاسع عشر؛ توماس بابنجتون ماكولي، فإن الثورة المجيدة التي قامت في عام 1688م، كانت غير دموية، ورضائية، وأرستقراطية، راشدة.
وتفند الكاتبة هذه الأسطورة وتقول، في الحقيقة كانت الثورة بعيدة تمامًا عن مفهوم الثورة البيضاء. ففي مدينة ريدينج، قُتل 50 رجلًا خلال أحداث الثورة، وفي إسكتلندا؛ تسببت الثورة في تفاقم التوترات بين سكان الأراضي المنخفضة وسكان الأراضي المرتفعة، مما أدى إلى افتعال التمردات والمؤامرات. وفي أيرلندا، اندلعت حرب برية بين وليام وجيمس، مما تسبب في إزهاق الكثير من الأرواح، وتسبب انتصار ويليام في ترسيخ التقسيم الديني قرونًا.
الأسطورة السادسة: الصحافة كانت مهنة ذكورية
تقول الكاتبة، عندما نبحث في تاريخ الصحافة والأخبار المطبوعة، دائمًا ما تبرز بعض الأسماء، مثل يوهانس جوتنبرج، الرجل الذي بدأ ثورة الطباعة في أوروبا، ودانيال ديفو وجوناثان سويفت، المبتكرين الأوائل للصحافة المهنية في بريطانيا العظمى، بالإضافة إلى رائد الصحافة الاستقصائية وليام توماس ستيد.
ولكن عندما نتقصى عن منشئ أول صحيفة يومية؟ فمن المرجح أن نفشل في الوصول لإجابة. لكن في الحقيقة فإن أول صحيفة يومية؛ أنشأتها امرأة تسمى إليزابيث ماليت في عام 1702م، عندما قامت بتجميعها ونشرها في مطبعتها القريبة من جسر فليت بلندن، وفي الطبعة الأولى من الصحيفة التي كانت تعرف باسم ديلي كورانت، أكدت ماليت أنها ستروي الحقائق فقط.
الأسطورة السابعة: بداية المرأة مع الطب كانت في القرن التاسع عشر
يعتقد الكثيرون أن قصة النساء والرعاية الطبية بدأت مع ماري سيكول وفلورنس نايتينجيل، اللتين تُذكران بالتبجيل نظرًا لعملهما العظيم في إعادة هيكلة التمريض بالقرن التاسع عشر. ولكن الحقيقة بحسب الكاتبة، أن النساء تمتعن بتاريخ غني ومتنوع في ممارسة الطب يمتد إلى ما هو أبعد بكثير من القرن الثامن عشر، بدءًا من كتابات وممارسات الطب للقديسة هيلدجارد من بينجن في القرن الثاني عشر، ومرورًا بالأكاديمية المذهلة لورا باسي، التي عملت أستاذة تشريح بجامعة بولونيا في عام 1732م، وصولًا إلى مئات النساء اللواتي مارسن الطب وقمن بوصف العلاجات، وفحص البول وإجراء عمليات الإجهاض، فضلًا عن إجرائهن للعمليات الجراحية خلال العصر الحديث.
الأسطورة الثامنة: نابليون حطم أنف أبي الهول
تقول الأسطورة إنه عندما وصلت حملة نابليون إلى مصر في عام 1798م، دمر بعض جنوده أنف أبي الهول خلال تدريبات الاستهداف. وتعلق الكاتبة على هذة القصة بأنها ممتعة، لكنها غير صحيحة. فرسومات قبطان البحرية الدنماركية فريدريك لويس نوردن، التي رُسمت قبل ولادة نابليون بعقود تظهر أبا الهول دون أنف. وفي المقابل، لفتت الكاتبة إلى أن المؤرخ المصري المقريزي علق على الأنف المفقود في القرن الخامس عشر. وما زال النقاش دائرًا حول سبب تدمير أنف أبي الهول هل بسبب الطقس أم بسبب التحطيم المتعمد للأيقونات؟
الأسطورة التاسعة: الأخوان رايت أول من نجح في التحليق بالسماء
يُنسب للأخوين رايت أول تجربة طيران ناجحة عن طريق آلة أثقل من الهواء في عام 1903م، لكنها لم تكن بأي حال من الأحوال أول تجربة بشرية للتحليق في السماء. في حين تشير الكاتبة إلى ما حدث في عام 1783م؛ والذي قد يعد أهم نقلة في مجال الطيران؛ وذلك عندما نجح الأخوان مونغولفييه في تنظيم رحلة منطاد في فرنسا.
وبعد فترة قصيرة من الزمن، أصبحت منطادات الهواء الساخن المأهولة في كل مكان، وكانت تستخدم لأغراض المراقبة العسكرية خلال حروب الثورة الفرنسية. أما أول استخدام مسجل بهذه الطريقة؛ فحدث خلال معركة فلوروس في 1794، واستمر استخدام منطادات المراقبة خلال الحرب الأهلية الأمريكية والحرب العالمية الأولى.
الأسطورة العاشرة: الفيكتوريون كانوا شَدِيدي الاحْتِشام
واحدة من الأساطير الأكثر رسوخًا عن الفيكتوريين، هي أنهم كانوا محتشمين جنسيًا. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الأفكار المعاصرة عن كون المرأة الفيكتورية مثل الملاك في البيت (أي مكرسة لزوجها وعائلتها) وعدم المساواة القانونية بين الرجال والنساء. لكن برغم ذلك وكما تذكر الكاتبة، فإن الفيكتوريين كانوا صرحاء تمامًا فيما يتعلق بأمور الجسد.
فعلى سبيل المثال؛ كتبت الملكة فيكتوريا في مذكراتها، كيف أخذها الأمير ألبرت بين ذراعيه وقبل أحدهما الآخر مرارًا وتكرارًا. وتنقل الكاتبة عن المؤرخ فيرن ريديل قوله إن: نساء الفيكتوريين لم يكنَّ محتشمات إطلاقًا، فهذا عصر نشر النساء لأدوات منع الحمل، والاعتقاد بأن المتعة الجنسية للإناث ذات أهمية كبيرة لجعل العلاقة صحية وسعيدة. وتختتم الكاتبة تقريرها بالقول إنه في كثير من الأحيان، كنا ننظر إلى الفيكتوريين من خلال المواقف القانونية أو الطبية أو العلمية للجنس، ولكن الثقافة الجنسية كانت تختلف كل يوم إلى حد كبير.
ساسه بوست