بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

ثلاثية الخيانة والحزن والأمل.. لأن مسارات حياتنا الحزينة قد تجمعنا يوماً بمن نحب

الأحد 21-01-2018 - نشر 7 سنة - 816 قراءة

  "أَوْمَامِه" فتاة تبلغ من العمر ثلاثين عاماً، يكتب وينطق اسمها بذات الطريقة، التي تكتب وتنطق بها "البازلاء الخضراء"، مما جعلها في حرج دائم وهي تعرف عن نفسها. الفتاة هي مفتاح الرواية الشهيرة "1Q84"، للكاتب الياباني هاروكي موراكامي، المرشح منذ عدة أعوام لجائزة نوبل. الفتاة هي مفتاحنا للدخول في غابة من الأسئلة الإنسانية والوجودية. لماذا يعيش البعض طفولة حزينة على عكس أقرانهم؟ وكيف سيختلف مستقبلهم بسبب ماضيهم البائس؟ لماذا تختار الحياة البعض ليحملوا هموم الآخرين ويحاولوا إصلاح العالم، رغم أن دواخلهم في حاجة إلى ذلك أكثر من أي شيء!؟. الرواية ترجمت إلى العربية عام 2016، من خلال المركز الثقافي العربي، رغم صدورها باليابانية عام 2009. وتدور أحداثها في عام 1984، في اليابان، وتتكون من ثلاثة أجزاء، وفي هذا التقرير نستعرض أحداث الكتاب الأول "أبريل - يونيو". انتمت عائلة "أَوْمَامِه"، إلى طائفة دينية مسيحية متطرفة، تمنع كل ما يمت إلى الحداثة بصلة، فعلى سبيل المثال؛ العمليات الجراحية، ونقل الدم، ممنوعان، كذلك لا تندمج الجماعة بسهولة مع الآخرين، مما جعل "أَوْمَامِه" تعاني في المدرسة. تعمل "أَوْمَامِه" مدربة لألعاب القوة، وتساعد النساء في الدفاع عن أنفسهن، ضد الحوادث التي قد تواجههن خلال يومهن المتعب، ساعدها ذلك، في العمل مع ما يشبه التنظيم السري لقتل الرجال الذين يعنفون زوجاتهم، أو بناتهم بطريقة احترافية لا تكتشف. ثم نلتقي "تنغو"، الذي يعمل مدرساً للرياضيات في إحدى المدارس التأهيلية، التي تمكن الطالب من الحصول على درجات معينة يحتاجها لدخول الجامعة، يحب "تنغو" الكتابة، ولكنه يفتقر إلى الخيال الواسع، فهو يجيد مفردات اللغة، وصياغة الجمل، لذلك بالإضافة إلى التدريس، يعمل مع أحد المحررين، لينقح، ويعالج القصص القصيرة في المجلات، حتى يتسنى له يوماً ما كتابة روايته الخاصة.  

ذكرى الخيانة: لا مانع من التورط في شبكات الغش

يعاني "تنغو" من نوبات هلع، يفقد فيها الإحساس بالزمن، تجتاحه فيها أول ذكرى في عمره وهو ابن سنة ونصف، إذ يرى والدته تخون والده مع رجل آخر، بالطبع كان "تنغو" رضيعاً، ورؤيته مشوشة، إلا أن هذه الصورة لا تفارق خياله وتلازمه حتى شارف على الثلاثين. استغل والد "تنغو"، ابنه في عمله، إذ كان يجبره على السير معه لتحصيل أموال القنوات الفضائية، للشركة التي يعمل بها، فمن سيرفض إعطاء المال لرجل معه طفل صغير، في أيام الأحد الحارة، التي يستمتع فيها الأطفال بالعطلة. تتغير حياة "تنغو" المملة، عندما يطلب منه المحرر الذي يعمل معه، أن يعيد صياغة قصة لكاتبة شابة، أرسلت القصة لإحدى المسابقات، وعلى الرغم من أن القصة أحداثها جيدة، إلا أنها تحتاج إلى إعادة صياغة، وتفتقد إلى الكثير، لتصبح أهلاً للفوز بجوائز مسابقات عديدة. يعلم المحرر، و"تنغو"، أن هذا يعتبر غشاً، ولكنهم مع ذلك، يؤثرون المضي قدماً في خطتهم، وكأن هناك شيئاً يجذبهم، ويخبرون الكاتبة "فوكا-إري"، التي توافق دون اهتمام. أحداث واقعية: هؤلاء الأناس الصغار الذين يتسللون لعالمنا تحكي القصة، عن عالم غريب يعيش فيه أناس صغار، يقومون بصنع شرنقة هوائية، و يدخلون إلى عالمنا عبر جثة، أو جسدٍ ما تعرض للتطهير. كتبت "فوكا-إري"، أحداثاً حقيقية وقعت لها بالفعل، وليست من خيالها، كما يعتقد "تنغو"، والمحرر، ثم تتكشف حياة "إري" لـ"تنغو"، إذ أسس والدها مجتمعاً منعزلاً، يعتمد على الاكتفاء الذاتي، ثم انقسم، وتطور الجزء الجديد، ليصبح ذا صبغة دينية، يدعى "ساكي جاكا"، هربت منه "إري"، في ظروف غامضة ولا يعرف حتى الآن؛ ما إن كان والداها على قيد الحياة أم لا. خلال أحداث الرواية، نعرف أن "تنغو" و"أَوْمَامِه"، يعرفان بعضهما منذ الصغر، ولكن فرقتهما الحياة في المدرسة الابتدائية، دافع "تنغو" عن "أَوْمَامِه" ضد أقرانه المتنمرين، وما زالت "أَوْمَامِه" تحبه، وتنتظر أن تلتقيه صدفة يوماً ما، فهي تتجنب الخوض في علاقة جادة حتى تلتقي به.  

القمر الأخضر: كيف يجعلنا الكاتب نصدق هذه الغرائب؟

تكتشف "أَوْمَامِه"، أن العالم الذي نعيش فيه أصبح مختلفاً، وأنها فقدت معرفتها بالعالم، وبعض أحداثه، فهناك قمران، الأبيض الذي نعرفه وآخر أخضر اللون، سمت "أَوْمَامِه"؛ العالم الجديد الموازي الذي تعيش فيه ب1Q84، بدلاً من، 1984، الرقم" 9" ينطق" Q" باليابانية، كذلك يرمز للتساؤل في اللغة الإنكليزية. تتوالى الأحداث في الرواية، ويبدو لقاء "أَوْمَامِه" و"تنغو" وشيكاً، فالناس الصغار في رواية "فوكا-إري"، جاؤوا إلى عالمنا عبر واحدة من ضحايا "ساكي جاكه" الهاربات، التي من المفترض أن تنتقم لها "أَوْمَامِه". لا يشبه "موراكامي" أحداً، كعادته في رواياته يصنع عالماً آخر يجعلنا نتيه فيه، ويحيطنا بسحر، وغرائبية تجعلنا عاشقين، وساخطين، ومتلهفين، ولوهلة لا نستغرب شيئاً فنصدق بوجود الناس الصغار، ونجيب على أسئلة الرواية، ونعارضها، ونفكر مع أبطالها.  

التعاطف مع الأبطال: ماضيهم يدفعك للبحث عن قصتك الخاصة

يميز الرواية، انتقاء "موراكامي" للأبطال وشخصياتهم، إذ كل ما يفعلونه يبدو مبرراً، فنحن نعرف ماضيهم، واكتشفنا أوجاعهم، حيث دمجت في مخيلتنا حياتهم السابقة والحالية، وكأننا نحمل ألبوماً لصورهم الفوتوغرافية في مختلف أعمارهم. نرى في الرواية محبة وأثر الروائيين؛ "تشيخوف"، و"تشارلز ديكنز"، في أدب "موراكامي"، وبالطبع"جورج أورويل"، الذي اقتبس اسم روايته، من روايته الشهيرة 1984. تحتفي الرواية بالحقوق الإنسانية، -مثل حق الأطفال في الراحة والترفيه دون استغلالهم في العمل-، والنسوية، ليس فقط عبر "أَوْمَامِه"، وقتلها للرجال الذين يعنفون النساء في محيطهم، بل عبر إظهار المشكلات التي تواجه المرأة طيلة حياتها، مثل التمييز الجنسي في العمل الذي تعايشه صديقة "أَوْمَامِه"، والتحرش الجنسي بالأطفال، والاغتصاب الزوجي، كذلك السلطة الأبوية والدينية المتطرفة التي تمارس على النساء في المجتمعات القديمة والحديثة، رغم اختلاف المسافات مثل "ساكي جاكه" و قبائل "الجيلياك" في "سخالين".  

المشاهد الجنسية: التعري من الخجل والانتقام لماضينا

وعلى الرغم من أن الرواية تحتوي على بعض المشاهد الجنسية، إلا أنها وعلى عادة "هاروكي"؛ ذات مغزى، وهدف في سير الأحداث، فهي تقربنا من شخصيات الرواية، وتجعلنا نفهمهم، وتوضح لنا كيف ينظرون إلى أجسادهم ويعبرون عنها، وكأنهم يتعرون أمامنا من كل شيء، فالخزي، والحزن، والخجل، يمر بنا لنعرفهم كما نعرف أنفسنا. ينهي موراكامي" 1Q84 " الكتاب الأول "أبريل يونيو"، ونحن لا ندري ما حدث لوالدا "إيري"، ودون أن يلتقي "تنغو" و"أَوْمَامِه"، مع علمنا أن مساراتهم أوشكت على التقاطع، ولايزال الناس الصغار لغزاً. ولكنه مع ذلك يجعلنا نفكر في ماضينا، ورغبتنا الدفينة في الانتقام ممن قام بإيذائنا في الماضي، ومحاولاتنا تغيير العالم الذي نعيش فيه، وبلا شك يرغمنا على النظر نحو السماء إذ ربما نشاهد قمراً أخضر يبتسم لنا من بعيد.   هاف بوست


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية