القواعد المثلى في معرفة صفات الله العليا
الثلاثاء 26-12-2017
- نشر 7 سنة
- 1444 قراءة
الحمد للّه الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالجلال، الكبير المتعال المتفرد بالذات والصفات والأفعال، لا تدرك الأفهام كنه ذاته ولا يُكيف الحِجى صفاته بل هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به أحد من خلقه في إكثاره وإقلاله. أما بعد: فإنّ التوحيد ينقسم إلى نوعين: توحيد الذات والأسماء والصفات (توحيد العلم والاعتقاد) وتوحيد الربوبية والإلهية (توحيد الإرادة والقصد)، فالأول توحيد المعرفة والإثبات والثاني توحيد القصد والطلب.
دراسة الأسماء والصفات
فدراسة الأسماء والصفات من حيث عددها ومعرفة معانيها وما يتعلق بها من قواعد ومستلزمات ومتضمنات، ومداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التشبيه والمثال، والتنزيه عن العيوب والنقائص. أما بما يخص القواعد التي وضعها أهل السنة والجماعة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان من بعدهم من أئمة الأمة؛ في الصفات فمعرفتها من أهم المهمات وأوجب الواجبات على طالب المعرفة، فالله سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير، سواء في ذاته، أو في صفاته، أو في أفعاله. روى الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح في باب صفة إبليس وجنوده: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، قال أخبرني عروة بن الزبير قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته. وروى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيـمان. فالشيطان قاعد مترصد في كل طريق فإذا سلك عبد طريقًا إلى علم يصده ويعوقه ويمنعه بكل حيلة ووسيلة لذاك قال الرسول في الحديث عن ما يجده المرء في نفسه: «ذاك صريح الإيمان»، وكما يقولون الشيطان لص واللص لا يسرق البيت الفارغ، فإذا امتلأ القلب بشيء من بالإيمان غار عليه الشيطان بأنواع الوساوس حتى يضله عن العلم الصحيح ويغويه أو ينكبه ويرجعه عن الطريق.معرفة قواعد الأسماء والصفات من المهمات الأساسية
لذلك معرفة قواعد الأسماء والصفات لطالب المعرفة من أهم المهمات وأوجب الواجبات، كما في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر». قال ابن القيم: ومن حيل ومكائد الشيطان أنه يكيد الكلام الباطل، والآراء المتهافتة، والخيالات المتناقضة، التي هي زبالة الأذهان، ونحاتة الأفكار، والزبد الذي يقذف به القلوب المظلمة المتحيرة، التي تعدل الحق بالباطل، والخطأ بالصواب، قد تقاذفت بها أمواج الشبهات، ورانت عليها غيوم الخيالات، فمركبها القيل والقال، والشك والتشكيك، وكثرة الجدال، ليس لها حاصل من اليقين يعول عليه، ولا معتقد مطابق للحق يرجع إليه.أسماء الله وصفاته ليست محصورة في ما جاء في الكتاب والسنة
من ذلك أنّ أسماء الله وأوصافه ليست محصورة في ما ذُكر في الكتاب والسنة فهناك أسماء وصفات لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فنسبة ما يعلم العباد من ذلك إلى ما لا يعلمونه كنقرة عصفور في بحر. كما في الحديث الصحيح: «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم: سمى به نفسه، فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه. وقسم: أنزل به كتابه فتعرَّف به إلى عباده. وقسم: استأثر به في علم غيبه، فلم يُطلع عليه أحدًا من خلقه، ولهذا قال: «استأثرت به» أي: انفردت بعلمه، وليس المراد انفراده بالتسمّي به؛ لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه.دلالة أسماء الله على الذات والصفات
الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة؛ فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم، فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم، فإن اسم «السميع» يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدَها، وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم «الحي» وصفة الحياة بالالتزام. وكذلك سائر أسمائه وصفاتهالصفات الإلهية التي وردت في الكتاب والسنة والأخبار حصرت في سبعة أنواع:
- الأول: ما يرجع إلى نفس الذات كقولك: ذات وموجود وشيء.
- الثاني: ما يرجع إلى صفات معنوية: كالعلم والقدير والسميع.
- الثالث: ما يرجع إلى أفعاله نحو: الخالق والرزاق.
- الرابع: ما يرجع إلى التنزيه المحض، ولا بد من تضمنه ثبوتًا، إذ لا كمال في العدم المحض: كالقدوس والسلام.
- الخامس: ولم يذكره أكثر الناس، وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة، بل هو دال على معناه لا على معنى مفرد نحو: المجيد العظيم الصمد، فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال، ولفظه يدل على هذا فإنه موضوع للسعة والكثرة والزيادة، فمنه استمجد المرخ والعفار وأمجد الناقة علفًا.
- السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو: الغني الحميد، العفو القدير، الحميد المجيد. وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن، فإن الغنى صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعهما، وكذلك العفو القدير، والحميد المجيد، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنه من أشرف المعارف.
- السابع: صفات السلب، وصفات السلب المحض لا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة لثبوت، كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية، والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله، وكذلك الإخبار عنه بالسلوب هو لتضمنها ثبوتًا، كقوله تعالى: «لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته، وكذلك قوله تعالى: «وما مسّنا من لّغوب» متضمن لكمال قدرته.