بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

أخلاق العرب قبل الإسلام «أو ما يُدعى بالجاهلية»

السبت 23-12-2017 - نشر 7 سنة - 6495 قراءة

  شعوب سامية من ذرية سام بن نوح -عليه السلام- موطنهم الأصلي شبه الجزيرة العربية، تسميتهم تعود إلى جدهم يعرب بن قحطان، وقيل من لفظة يُعرِب أي يفصح؛ لأنهم اشتهروا بالفصاحة والبلاغة، وقيل مشتقة من اللغة العبرية חופש بمعنى الحرية، تداعت عليهم الكتب التاريخية المزورة، والإعلام المضلل، والمؤامرات الغربية الخبيثة، وفساد التعليم العربي، ليصوروا لنا جيل العرب الأوائل بالجاهلية، وأنهم لم يكن يشغلهم غير القتل، وشرب الخمر، ووأد البنات، وارتكاب أنواع الرذائل، بل صورتهم بالقبائل الهمجية، وأنهم غارقين في مستنقعات التخلف الاجتماعي والثقافي. كل هذا كذب وافتراء؛ فمصطلح الجاهلية، ظهر مع ظهور الإسلام، ويشير إلى الحقبة التي سبقت الإسلام، ويرتبط بالناحية الدينية وجهل الناس بالدين الصحيح، ولم يكن يقصد الناحية الحضارية أو الفكرية قبل الإسلام، والتاريخ يشهد أن تلك الحقبة شهدت تنوعًا فكريًا وحضاريًا تثبته الآثار والدلائل الأدبية، فأذكر مثلًا سد مأرب دليلًا على التقدم العلمي والعمراني، والمعلقات السبع دليلًا على الناحية الأدبية، والرفادة والسقاية للحجيج دليلًا على التواصل الاجتماعي والكرم، والصدق والوفاء بالعهد دليلًا على الأخلاق الحميدة.   فها هو زهير بن أبي سلمى في الصدق يقول: فَلا تَكتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم ** لِيَخفى وَمَهما يُكتَمِ اللَهُ يَعلَم وفي قصة هرقل التي وردت في صحيح البخاري عندما سأل عظيم الروم مخاطبًا أبا سفيان بن حرب عن محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك قبل إسلام أبي سفيان، فاستحى أبو سفيان أن يكذب على رسول الله، رغم عداوته له. وفي الوفاء والشجاعة يوجد من الأفعال والقصص المأثورة عن العرب قبل الإسلام الذين بذلوا أنفسهم في سبيل قبيلتهم وأوطانهم وحماية أعراضهم، فجاء الإسلام ليجعل ذلك في سبيل الله قبل أي شيء ليكون مثواهم الجنة، فنرى المقداد بن أسود «ويعرف أيضًا بالمقداد بن عمرو» قبل غزوة بدر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنـا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِمـاد لجالدنا معك من دونـه حتى تبلغه». ومن جميل ما ذُكر في معلقة ابن أبي سلمى يقول: وَمَنْ هَابَ أَسْـبَابَ المَنَايَا يَنَلْنَـهُ ** وَإِنْ يَرْقَ أَسْـبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّـمِ وفي الكرم لا أجد حديثًا أفضل من ذِكر الجد الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هاشم بن عبد مناف، واسمه عمرو، لكن قومه لقبوه بذلك؛ لأنه كان يطعمهم سنة المجاعة، يقول مطرود الخزاعي: عمرو الذي هشم الثريد لقومه ** قوم بمكة مسنتين عجاف وأتدرج الآن إلى أهم نقطتين، وإن صح التعبير «تهمتين» وهما: شرب الخمر، ووأد البنات. أولًا: نعم كان في العرب شرب الخمر، وكانت مباحة في ذلك الوقت مثل كل شعوب الأرض وقتها، لكنها كانت منبوذة في أعرافهم، وأضرب لحضراتكم مثلًا على ذلك، ألا وهو طرفة بن العبد عندما أسرف في شرب الخمر قامت قبيلته بطرده؛ لأنه خرج عن حدود العفة والحياء، يقول طرفة: وما زال تشرابي الخمور ولذَّتي ** وبَيعي وإنفاقي طَريفي ومُتلَدى إلى أن تَحامَتني العَشيرة كلُّها ** وأُفرِدتُ إفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ بل كان كثير من العرب لا يشربون الخمر لا وقت الإسلام ولا قبله، وعلى رأسهم رسول الله وأبو بكر وعثمان بن عفان، وعبد المطلب بن هاشم، وشيبة بن ربيعة من سادات عبد شمس، وورقة بن نوفل والوليد بن المغيرة، وقيس بن عاصم، وغيرهم الكثير والكثير، كانت العفة من أولوياتهم على عكس ما صوره لنا الذين يريدون تشويه تاريخنا، ونتخلى عن عزتنا وحضارتنا، بزعمهم أن العرب كانوا يشربون الخمر صباح مساء، ويترنحون في طرقاتهم طيلة الأوقات، كل هذا كذب وافتراء. ثانيًا: وأد البنات، تلك القصص الملفقة التي تتهم العرب بقتل جميع بناتهم مثل اتهام عمر بن الخطاب بوأد ابنته في الجاهلية، وهذا كذب، فلو حكّمنا عقولنا لو قتلوا جميع بناتهم إذن كيف جاءت تلك الأعداد الغفيرة من العرب بعدها. نعم كان هناك وأد للبنات في تلك الحقبة، لكن لم يكن لها حجم يذكر كما صوره وهوله لنا الأفّاكون المحتالون على تاريخنا وللأسف نحن من نساعدهم بأيدينا، فلم يُعرف عن العرب إلا احترام المرأة وصون كرامتها، فكانت المرأة سيدة أعمال مثل خديجة بنت خويلد، وشاعرة مثل الخنساء، وترافق الفرسان في الحروب مثل هند بنت عتبة، بل الأجلّ من ذلك حرب البسوس التي قامت لأجل امرأة، وعمرو بن كلثوم الذي قَتل الملك عمرو بن هند لأجل امرأة، وغزوة بني قينقاع قامت لأن يهوديًا كشف عورة امرأة، والخليفة العباسي المعتصم بالله الذي حارب الروم لأجل امرأة، والحجاج بن يوسف الثقفي رغم مساوئه الكثيرة، إلا أنه عندما استغاثت به امرأة، حرك الجيوش نحو بلاد الهند، والسلط بن مالك العماني الذي حارب جزيرة سوقطرة بالمحيط الهندي لأجل كرامة امرأة، بل الأمرُّ من ذلك عندما أقرأ أن عمرو بن هشام «أبو جهل» عندما أراد قتل النبي وجمع شباب القبائل وقف على باب النبي لينتظر خروجه وقت الفجر، ولم يقتحم بيت رسول الله لأن به امرأة، رُغم أن أبا جهل يريد قتل النبي، لكنه لو فعل ذلك للامته العرب، وكل هذا وغيره دليل على أن احترام المرأة مترسخ في زمن دعاه الأفّاكون بالجاهلية، لكننا والله لو قارنّاه بزمننا لكان زمننا أكثر جاهلية وفسادًا. ذاك جيل لم ينشأ في المدارس الدولية والجامعات الغربية، بل التزم بالفطرة الربانية، وبعدها بالسنة المحمدية، فكانوا خير من يستحق أن يكون نسبُ رسول الله منهم ليزيدهم شرفًا ويُعليهم ذكرًا، فإن كنّا لا نتحلى بأخلاقهم، فلا داعي أن نشوه أثرهم.     ساسه بوست


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية