كي لا تبقى كتبه حبيسة الأدراج.. كوكش يهدي مكتبته إلى وزارة التربية
المخرج علاء الدين كوكش من الأسماء العربية والسورية المعروفة والبارزة في الدراما التلفزيونية، هو أحد أهم المؤسسين للدراما السورية. واحدٌ من أولئك الذين بذلوا جهوداً حقيقية وصادقة لإبرازها. على أكتافهم نهضت، وأرست مراسيها على شواطئ الأمان في بحر الدراما العربية.
يضاف لذلك أنه يكتب القصة القصيرة والمسرحية والرواية، فقد صدرت له مجموعة قصصية، تحمل عنوان «إنهم ينتظرون موتك»، ورواية بعنوان «التخوم»، والعديد من النصوص المسرحية. كتب سيناريو العديد من الأفلام التلفزيونية.. إنه ورشة عمل في رجل واحد.
هنا حوار مفصّل حول تجربة كوكش الفنية:
• لنبدأ من آخر ما قدمته لنا في مسلسل «القربان».. ما الذي يمكن أن تخبرنا عنه؟
•• (القربان) عمل اجتماعي معاصر، يتحدث عن المرحلة التي سبقت الأزمة والحرب على سورية ببضعة أشهر، يتناول العمل الوضع الاجتماعي، في المجتمع السوري في العام 2010، وفيه استعراض للواقع الحياتي في ذاك العام، ويقدّم مجموعة صور كانت تجري في تلك الفترة. والمسلسل لا يرصد يوميات الناس في الأزمة في سورية فقط، بل يبحث عن الأسباب التي أوصلتهم إلى هذه الأزمة، كما أنه لا يطرح القيم الثابتة في المجتمع السوري بشكل فج، ويذهب نحو المتغيرات التي كانت سبباً فيما نعيشه الآن، كما أنه يحلل الأسباب من اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية، والأهم الأسباب المادية.
• المتابع لأعمالك مثل مسلسل (أبو كامل، ورجال العز، وأهل الراية.. وغيرها) يتلمس ذاك الهوس بالعمل على البيئة الدمشقية، ما رأيك؟
•• أنا ابن بيئة دمشقية، ولدت في حي دمشقي قديم (حي القيمرية) وهي من صلب دمشق القديمة، ذاك الحي أمضيت فيه معظم سنوات حياتي، وعشت فيه طفولتي ومراهقتي، تشرّبت من روح المجتمع الدمشقي، لذلك هذا الشيء مازال يلامسني وما زلت أحس بالحنين إلى ذكريات تلك (الحارة) القديمة ومناخها الاجتماعي الجميل، لكن التغيرات التي تحدث في مجتمعنا وبيئتنا تكاد تمحو ذاك الموروث الاجتماعي وتلك التقاليد والعادات الطيبة، وشدة حبي وشغفي بتلك (الحارة) وبالمجتمع الذي تشكّله، هو ما قادني إلى الهوس الذي تسألني عنه، وتالياً (الحارة) بايجابياتها وسلبياتها هي مجتمع صغير يشكّل لبنة من بيئة المجتمع السوري الكبير. لكن هذا لا يعني أنني أسير هذا النوع من الدراما التي لا ألغيها من تاريخي الفني ولا من تجربتي الطويلة بالتأكيد، فلدي العديد من الأعمال بعيدة كل البعد عن هذا الإطار.
• ما المعايير والأسس التي تعتمدها في اختيار أبطال مسلسلاتك؟
•• في البداية تجب أن تكون هناك ملاءمة جسدية بين الشخصية والممثل الذي يقوم بتأديتها وتجسيدها، أن تكون هناك تقاطعات بين الشخصية المكتوبة في السيناريو، وبين شخصية الممثل الذي أجده مناسباً لتمثيل الدور، في الوقت ذاته أحبذ أن يكون الممثل محبّاً للعمل وللشخصية التي سيجسدها، لأنه من دون المحبة للعمل وللدور لن يكون هناك إبداع… أختار الممثل الذي يعي أبعاد الشخصية، وذاك الحماس والعشق للدور، لأنه بذلك يحقق معادلة نجاحه الفني وقدرته في الوصول للناس.
• اعتدنا أن نراك خلف الكاميرا.. من الذي قادك للوقوف أمام الكاميرا، على وجه الخصوص في فيلم (المتبقي)؟!
•• (مبتسماً) عملت في المسرح والسينما والتلفزيون أربعين عاماً، ولم أفكر في العمل كممثل، لكنني في المقابل لم أكن قد وضعت قيوداً على نفسي، في البداية كان الأمر مجرد مصادفة، حينها كنت أقوم بتصوير ثلاثة أفلام تلفزيونية من تأليفي وإخراجي، وكان معي مدير إنتاج في هذه الأفلام الأستاذ (نيقولا نصر)، تزامن ذلك مع قدوم المخرج (سيف الله داد) إلى دمشق لتصوير فيلم (المتبقي) عن رواية «عائد إلى حيفا» للأديب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني، ولأنه لا يعرف الممثلين السوريين فقد اعتمد على صور الممثلين في أعمالهم، وكان الأستاذ (نيقولا نصر) يعمل مع فريق العمل الفني، فعرض عليهم مجموعة صور لممثلين سوريين، ظهرت أنا في إحدى الصور كمخرج أوجه الممثلين، أشار عليّ وقال: أريد هذا، قال له (نيقولا): (هذا مخرج وليس ممثلاً)، فقال لكني أريده… اجتمعت مع المخرج (سيف الله داد) تحاورنا أعجب بشخصيتي أولاً، وكممثل فيما بعد، فيلم المتبقي فيلم مهم حاز العديد من الجوائز المهمة، ونلت فيه جائزة من مهرجان دمشق السينمائي التاسع.
• بعد ذلك هل تابعت مشوار التمثيل؟
•• نعم، عملت ممثلاً مع الفنان حاتم علي في مسلسل «صلاح الدين»، ومع المخرجة (هند ميداني) في مسلسل «البحث عن المستحيل»، ومع المخرج الزميل فردوس أتاسي.
• أين تجد المتعة أكثر في التمثيل أم في الإخراج؟
•• كل شيء له متعته الخاصة، أنا لست ممثلاً محترفاً، لكنني أفرح حين أجد أن الناس قد أحبوني في دورٍ ما، أما في الإخراج فأنا محترف وأفرح أكثر حين أجد أن الناس قد أحبوا مجمل أعمالي.
• لك تجربة فنية كبيرة في الخليج.. ماذا تحدثنا عنها؟
•• أنا من أوائل المخرجين العرب الذين عملوا في الخليج، عملت في دولة الكويت، ومن ثم في الإمارات، وقمت بإخراج أول مسلسل بالألوان صورته في (دبي) كان مسلسل «رأس غليص» هذا العمل هو أول مسلسل في الوطن العربي يصوَّر بكامله خارج الاستوديو، قمنا بتصويره في صحراء دبي (صحراء كان اسمها العوير).. يعود تاريخ المسلسل للعام 1975 وهو من أشهر المسلسلات البدوية جاء بـ 13 حلقة، وضمّ نجوماً من سورية ومصر والأردن، منهم على سبيل المثال: عبد الرحمن آل رشي، هناء ثروت، وأسامة المشيني، ملك سكر، محمد العبادي وغيرهم. هذا العمل لاقى نجاحاً كبيراً في الوطن العربي، وفتح لي آفاقاً كثيرة، وشهرة كبيرة، تلا هذا العمل مسلسل (ساري العبد الله) عام 1976 وهذا المسلسل يروي قصة حياة الشاعر (عبد الله الفاضل) هذا الشاعر البدوي الجميل، المولود في بلاد الشام، الذي كتب قصائد رائعة باللهجة البدوية، وعبد الله الفاضل ابن شيخ قبيلة، قصته الحقيقية هي كذلك، حين أصيب بمرض الجدري، تخلت عنه قبيلته وتركته وحيداً في مضارب الخيام يصارع الموت، خشية أن تنتقل عدوى المرض لبقية أفراد القبيلة، تركوا له مؤونة وماء ورحلوا، وبقي وحيداً تحت خيمته، ظل كلبه الملقب بـ (شير) إلى جانبه، وحين داهمته ذات لحظة حيوانات مفترسة دافع عنه كلبه (شير) ومات الكلب بعد أن أنقذ حياة صاحبه (ساري)، فكتب عنه قصائد رائعة. القدر يقف إلى جانبه مرة ثانية، حين تمر من أمام خيمته امرأة تتقن الطبّ العربي، فتقف إلى جانبه وتساعده، وعلى يديها يشفى من مرض الجدري. المسلسل من بطولة منى واصف وطلحت حمدي، وبعض النجوم من الوطن العربي.
• ما جديدك في العام 2017؟
•• مشروع رواية ما زلت أعمل عليها، هي العمل الروائي الثاني لي، بعد روايتي «التخوم».
• وماذا عن مكتبتك التي تضم (30) ألف عنوان، والتي قمت بإهدائها مؤخراً لوزارة التربية؟
•• هي مكتبة عملت على تأسيسها منذ خمسين عاماً، اقتنيت كتبها من بلدي سورية ومن مختلف بلدان الوطن العربي، وهي مكتبة شاملة ومتنوعة من الآداب إلى العلوم والفنون والتاريخ… إلخ، قدمتها هدية مني لمكتبة وزارة التربية ليستفاد منها الجميع خيراً من أن تظلّ حبيسة الأدراج والرفوف.
تشرين