بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

فنانـون يقاومون السرطان بالأعمال التشكيلية والنحتيـة!

الخميس 23-02-2017 - نشر 8 سنة - 5774 قراءة

بإمكان الفن أن يفعل الكثير!. يقول الفنانون المشاركون في المعرض المقام حالياً في صالة الآرت هاوس في دمشق لدعم الأطفال المصابين بالسرطان، ويضيفون أن من شأن هذه الفعاليات التأكيد على علاقة الفن بالمجتمع، وانخراطه في الهم الإنساني والوطني خاصة في هذه المرحلة التي أفرزت صعوبات اقتصادية قاسية على الجميع.. التشكيليون والنحاتون المشاركون زاد عددهم على عشرين، تبرعوا بأعمالهم المعروضة من أجل الأطفال المرضى، فالفن يدافع عن الأمل مثلما يعمل على رفع الذائقة والدفاع عن الجماليات في الحياة، القضية هنا تبدو متلازمة لا يمكن الفصل بين أطرافها المتعددة.

افتتاحية المعرض للفنان نوار اسمندر بلوحة صور فيها طفل مصاب بالسرطان لكنه حرص على رسم ملامح للبسمة على وجهه الناحل، إنها المساحات البيضاء التي يمكن أن تتسع في خلفية المشهد إذا ما تضافرت جهود البشر وعلى رأسهم الفنانون، رؤية أخذت معالم مختلفة في لوحة الفنان سامي الكور فمال العمل للتجريد وازدحامات الألوان وتقاطعاتها التي لا تخلو من الانفراجات.. الرهان على الفسح اللونية مع حضور المرأة القوي في المعرض، يتحول إلى خيار في لوحة مي أبو جيب التي تجعل اللوحة ضمن تراتبية لونية مقسمة على مراحل من الرؤى والانفعالات التي تقفز نحو فضاءات أخرى في لوحة باسم دحدوح المعروف بالمهارات اللونية وتقنيات رسم الأفكار وتحريض العقل، في لوحة دحدوح عمل مضنٍ وتأملات تحتاج أناة عند تفكيك العناصر اللونية ضمن الكادر، إنها اللوحة الذكية المتمسكة بمخيلة الرائي وقدرته على فك الرموز الصعبة في هذا النوع من الرسم الذي اشتهر به الفنان.

الخصوصية تظهر صادمة بين الأعمال، كأن هناك ضفافاً متباعدة جداً بين تجربة وأخرى، فالانتقال إلى لوحة الفنان طلال معلّا يشير إلى هذا التباين خاصة من ناحية التمسك ببساطة التلوين والمراهنة على جدوى الرموز في الجسد الإنساني الذي يرسم تأملاته بين رجل وامرأة، وفي الخلفية درج يوحي بالصعود إلى أعلى من جرّاء هذا الحوار المتشابك والهادىء في آن.

التلوين في أعمال أخرى يغرق في خدمة اللون أكثر من الاعتبارات الأخرى، فلوحة الفنان فؤاد دحدوح تبدو مسكوبة للتو على أرضيات مزدحمة هي الأخرى بالانفعالات والتداخل العشوائي لكل التدرجات، كأن فؤاد في هذا العمل يترك اللون يرسم ذاته بلا تدخلات من أصابع الريشة.. إنه التجريد في غرائبياته المستفزة والمبهمة لكنها المحفزة للوقوف طويلاً أمام اللوحة.

في فضاء لوحته، يراهن الفنان زهير حسيب على قوة المرأة، لكنه يحمّلها جميع الاحتمالات اللونية ويجعلها مثل طائر العنقاء المنعتق والموشك على التحليق من بين غمامات اللون وغبار الكون المزدهر بالوميض والغنى.. تشظيات تأخذ منحى الأجنحة المفرودة والمتكاتفة في الأعلى عند عنق المرأة التي تطل برأسها من بين الانبلاجات مغمضة العينين كأنها تولد في هذه اللحظة، مشهد فيه من الحركية اللونية الشيء الكثير خاصة في ظل التناقض الكبير مع الخلفية القاتمة التي تتصدرها غمامات الألوان المبتهجة والصادمة.

في لوحة الفنانة ماسة أبو جيب، عودة إلى الحروفية بطريقة الدمج بين نصفين في الرسم، الأول أبيض والثاني يحمل الأسود النقيض حيث الحروف تتوزع على يمين ويسار الوجه المقسوم بين جانب مقمر وآخر يغرق في الظلام في إسقاطات فلسفية أرادت منها الفنانة إيصال العديد من الأفكار إلى الرائي.

الفضاءات المغايرة تأخذ أبعاداً مختلفة في لوحة الفنان إسماعيل نصرة الذي لا يغادر أسلوبيته الشهيرة في رسم المرأة الحزينة والمتأملة، بل يجعلها في عمله سيدة الربيع بما يجمعه حولها من مفردات تتصل بالخصب، إنها المرأة الواثقة والهادئة كأنها عشتار لا تهزها انقلابات الطبيعة أو تبدلات الفصول، هي المرأة الملجأ وهي الأم المكللة بالبياض وحولها الكون يبدو شهياً ناضجاً مثل غابة مغسولة للتوّ بالمطر. أسلوبية اشتهر بها إسماعيل واشتغل عليها ضمن مراحل مختلفة من تجربته الفنية التي تطورت بها شخصية المرأة ذاتها لتأخذ أبعاداً مختلفة في كل مرحلة.

في باب النحت، شكلت منحوتة الفنانة شادية دعبول التي يمكن تسميتها بالموسيقي المندمج والمتلاشي مع آلته إلى درجة لا يمكن فيها فصم الاثنين، علامة مختلفة في معرض مال في معظمه إلى التشكيل مقابل ثلاثة نحاتين فقط، إنها المنحوتة المشغولة بالبرونز والمدموجة العناصر كأن شادية ترسم اللحن الذي يعزفه الموسيقي حيث لا نكتشف حقيقة الكتلة إلا بعد التدقيق والبحث في مفردات هذا الشكل الجمالي.. إلى جانب هذا العمل حضرت منحوتة الفنان مصطفى علي بعمارته المضيئة بنافذة تضم رأس رجل يرفع أبنيته الفكرية باتجاه الأعلى حيث التعبيرية في أبهى صورها وهي أسلوبية اشتهر بها النحات علي في معظم أعماله.

الفنان بطرس المعري شارك بعملين، الأول للمائدة التي تضم صحوناً وأشخاصاً وأكواب شاي، مع مفردات تشير إلى أسماء هذه العناصر مثل «شاي خمير» و«كاسة شاي» و«إلى روح أبو نذير» و«صحن زيتون»، في هذا العمل الكثير من الرثاء والفقد، خاصة عند النظر إلى الخلفية السوداء وهي تتصدرها الوجوه البيضاء التي وإن غرقت في الاطمئنان فهي تبدو وكأنها تستعد لهول حزن قادم في الأفق.. أسلوب يكرره المعري في لوحته الثانية التي تصور الأب والأم مع الطفل، في هذه الشخوص الغريبة يحرص الفنان على رسم الانفعالات على وجوه الشخوص لأن تقنيات الخط والتلوين تبقى تفاصيل أمام مضاء البورتريه الغريب وهو يسلب العين بهذا الشكل الظاهر في اللوحة… هذه الخصوصية في رسم الشخوص، تأخذ بعداً مختلفاً في لوحة ريما سلمون التي تصنع سلماً من البورتريهات لرجال ونساء ضمن ثلاث درجات تبدأ بالرجل وتنتقل للمرأة ثم تنتهي بالاثنين معاً، تلك الاحتمالات في الوجوه تنقلب إلى ضفة مناقضة في لوحة ياسر حمود التي تعود إلى التجريد كي تحرض العين على البحث عن خيوط تتصل بين ثلاث نوافذ سوداء قاتمة على قاعدة أرجوانية متدرجة ومتشاركة في الطريق بين هذه الجزر اللونية، لكن هذه المفردات متوضعة على قاعدة بيضاء وعلى أطرافها نوع من التشظي والاندماج مع البيضاء الذي يوحي أن الجميع في طريق.

في لوحة الفنان نزار صابور، نكتشف الغرام اللوني على شكل سحنات مختلفة عما فعله حمود، فإلى جانب الفكرة المرسومة بمهارة، يبدو اللون هو القادر على البوح بتلك المآلات التي يريدها الفنان ويعمل عليها وتلوينها بالأزرق والأسود وتدرجاتهما مع البياض واللون القاتم المزروع بثلاث نقاط حمراء وزرقاء وسط أمواج الأسود.. إنه الانعتاق اللوني الذي يبدأ بالانبجاس بشكل قوي في لوحة الفنانة أسماء فيومي المرسومة بالتداخلات اللونية التي تحتم على المشاهد أن يتوقف ملياً كي يكتشف الوجه المستقر في قعر اللوحة وعيونه للأعلى، بينما تبدو المرأة المنفجرة في الأعلى كأنها تمد أذرعها كي تنتشل أحداً أو كي لا تضيع في الغيم والغبار اللوني المدموغ بالأحمر الذي يؤكد أن هناك ولادات عسيرة في الأفق.. تقنيات دأبت على تصويرها فيومي المراهنة دائماً على انفعالية اللون وطبع تلك الحالة التصاعدية بالألوان الحارة مثل الأحمر وتدرجاته المختلفة على قاعدة من الألوان الفاتحة والبياض!.

في أعمال أخرى نعثر على الأشخاص في أماكن مغايرة تماماً، فما يرسمه الفنان خالد تكريتي لشخص يقف في مواجهة الكادر بلباسه الغريب الذي يوحي بأنه يتنكر بزيّ غريب وفي الخلفية سواد دامس كان من ميزات الكثير من الأعمال في المعرض.. إلى جانب هذه اللوحة تترك الفنانة تايا عثمان رؤيتها على الشخوص أيضاً عندما ترسم في الواجهة طفلاً يحدق ببراءة في وجه في الظل يبدو كأنه الأم وفي البعيد داخل عمق اللوحة يحضر الوجه المحدق.. في إطار رسم المرأة، تذهب الفنانة صبا رزوق باتجاه مشهد العرس أو اللقطات الراقصة لنساء جميلات يلبسن الألوان الوردية، وهي ضفة فيها الكثير من البذخ المفرح في معرض مال في معظم جوانبه إلى السوداوية، وهو مشهد تعيد إنتاجه الفنانة لوسي دمارجيان على شكل قطع لونية تشكل مشهداً لكؤوس وصحون متداخلة على أرضيات زاهية تتقاطع مع لوحة الفنانة جمانة شجاع التي رسمت الطبيعة بشكل مشرق في بحيرات لونية يتربع في أعلاها قمر مضيء يرخي بنوره على مفردات العمل على شكل تدرجات جمالية متفائلة تحمل خيار البساطة والعفوية في فك ملامح تفاصيل الأشياء.

في منحوتة الفنانة صفاء الست، بانوراما من المعدن الصلب الذي يتحول إلى لوحات موزعة على الجانبين وفي الأعلى والأسفل وتحمل كل منها رسومات لشخوص وألوان توحي بقصة متكاملة أرادت الست إيصالها عبر هذا العمل.

أعمال المعرض بقدر ما حملت خصوصيات الفنانين المشاركين، أكدت مقولة ثابتة عن ضرورة الفن في دعم أطفال عصفت بهم أمراض الضعف.. مبادرة شاءت “جمعية بسمة” راعية هذا المعرض أن تسميه “بالفن منرسم بسمة” دلالة على حتمية انتصار الجمال.

تشرين


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية