في سورية .. مواطن يعيش بـ9 آلاف ليرة شهرياً ومواطن آخر يعيش بـ500 ألف ليرة!
واقع معيشة المواطنين الصعبة عبّر عنه عمر حورية عضو مكتب تنفيذي وأمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام للعمال، الذي أكد وجود فرق كبير بين الراتب وأسعار السلع، فالأسرة الواحدة تحتاج لتلبية نفقاتها، حسب الدراسات الاقتصادية، قرابة 250 ألف ليرة، بينما لا تزال بعض الرواتب تدور في فلك 25 ألفاً، مستغرباً عدم التفكير بكيفية تأمين الأسرة هذا الفرق الكبير، لافتاً إلى أن بعض المواطنين بعد دفع إيجار البيت والتنقل يعيش فقط بـ9 آلاف، في حين يعيش مواطن آخر بـ500 ألف ليرة، مستغرباً دفع ذوي الدخل المحدود 22 مليار ليرة خلال العام الفائت ضرائب على الدخل، بينما التجار والصناعيون لم يدفعوا 33 مليار ليرة، مشدداً على أنه من خلال معالجة واقع التهرب الضريبي مع توجيه قيمة بعض المشاريع غير الضرورية في هذه المرحلة إلى تحسين واقع المواطنين المعيشي، الذي يطالب اتحاد العمال في تحقيقه وليس فقط زيادة رواتب، التي يؤكد أنها طرحت أكثر من مرة، واليوم بات ضرورة ملحة وخاصة بعد تحسن الوضع الأمني والاقتصادي من جراء عودة معامل الغاز والنفط، فاليوم الحكومة تقول بضرورة دعم الإنتاج ولكن أليس العامل جزءاً من العملية الإنتاجية، هل يعقل أن ندعم الآلة ولا ندعم الإنسان الذي يشغلها، ليعود ويطالب بعدم التركيز على الزيادة فقط وإنما تحسين الوضع المعيشي إجمالاً من خلال تحسين خدمات النقل والصحة والتعليم بشكل يخفف ضغوطاً معيشية على المواطن ليكون الراتب لتأمين الحاجات الأساسية فقط، علماً أن الحكومة أكدت مراراً أنها تعمل على تحسين معيشة المواطن لكن الشارع لا يلمس أي شيء على الأرض. آليات خاطئة وأشار حورية إلى وجود مشكلة أساساً في آليات التفكير في زيادة الرواتب لدى الجهات الحكومية، وخاصة أنها غالباً ما تموّل من خلال زيادة الأسعار، في حين مثلاً يمكن زيادة الحوافز للعمال، كعمال التبغ، الذي لحظ زيادة في الإنتاجية بعد تأمين النقل والحوافز، وتالياً إذا كانت الحكومة تريد زيادة الإنتاج لا بد من التفكير بزيادة الرواتب، مشيراً إلى أن المسؤولية الاجتماعية للتجار وقطاع الأعمال عموماً عبر تأمين شبكات حماية مجتمعية تساهم في مساعدة المواطنين وليس فقط تحصيل الأرباح وتكديس الأموال. ليس خياراً! رغم اتفاق أغلب الباحثين الاقتصاديين على ضرورة القيام بزيادة الرواتب في هذه الفترة، إلا أن البعض منهم فضل الاتجاه نحو خيار تخفيض الأسعار في ظل تجارب سيئة سابقة تسببت في امتصاص التجار لهذه الزيادة من دون تحصيل الموظفين أي فائدة منها، لكن د.مدين الضابط شدد على أن زيادة الرواتب ليست خياراً وإنما هي فرض بسبب انخفاض القدرة الشرائية وانخفاض الدخول التي تؤثر في المواطنين والاقتصاد إجمالاً، علماً أن الدستور ينص على هذه الزيادة كل فترة، ليشدد على أن زيادة الرواتب حتى تكون حقيقية يجب أن تسبقها إجراءات محددة كضبط الأسعار مع وضع استراتيجية تدخلية سريعة وصحيحة من قبل وزارة التجارة الداخلية لمنع أي ارتفاعات غير مبررة في الأسواق، إضافة إلى إعادة هيكلة الوزارة نفسها مع مؤسساتها المترهلة عبر إحداث فرق عمل متخصصة مع وضع آليات تسعير ودراسة أرباح السلع وتحديد هوامش الأرباح ورقابة صارمة، والنقطة الأساسية نظام الفوترة، إذ لا يعقل أن يكون هناك سوق كبير ولا يوجد نظام فوترة، وخاصة في ظل وجود مشكلة في البيان الجمركي بسبب التهرب من الرسوم الجمركية، لافتاً إلى أن دراسة الأرباح تكون في ضوء معادلات الطلب والعرض عبر إجراء دراسة سعرية ضمن هوامش محددة وفي حال الخروج عنها تتوجب مساءلة التجار، الذين تتوجب مراقبة مستودعاتهم منعاً للتحكم في الأسواق. قطاع جشع! وضع الأسواق المتقلب يشير إلى وجود إشكالية كبيرة تسود قطاع الأعمال، والباحثين عن الربح دوماً، حسب د.الضابط، فاليوم سعر الصرف هبط ولم نشهد أي انخفاض في الأسعار، فأين الخسارة التي يتحدثون عنها، ولماذا لا يبادر التجار إلى تخفيض أسعار السلع بمثل السرعة التي كان يقوم بها برفع أسعاره عند ارتفاع سعر الدولار، مشيراً إلى أن قيامهم بتهديد الحكومة عن الامتناع عن العمل بسبب تخفيض الأسعار يعد رهاباً اقتصادياً، علماً أن هذا التخوف سببه ضعف الأدوات الحكومية على مدار سنوات طويلة على الأسواق، لتأتي الأزمة وتكشف عدم فعاليتها وخاصة في ظل ضعف التدخلات في الأسواق، وهنا لا بدّ من استراتيجيات وقرارات مدروسة محضرة بعناية مع إيجاد بدائل معينة، وهذا للأسف لم نره، فأغلب قرارات الحكومة لا ينفذ من قبل التجار، لذا لا بد من استراتيجية لضبط الأسواق تسهم في إظهار القيم الحقيقية للسلع والأرباح الصحيحة وليس الاحتكارية حيث تكون الزيادة حقيقية ولا يتم امتصاصها من قبل المحتكرين أو ما يسمى احتكار القلة، مشيراً إلى أنه لو كانت أسواقنا تنافسية لما ازدادت الأسعار بهذه الطريقة الجنونية التي لا تعكس معادلات العرض والطلب. تشرين