"الموت ولا المذلة".. مقبرة المسلحين مستشفيات الاحتلال
لم تملك المعركة التي أطلقتها المجموعات المسلحة في درعا إلا اسمها، هي معركة "الموت" كما أسموها، لكن الموت أصاب أحلام دول اقليمية تحاول استثمار جبهة جنوب سوريا بشكل دائم، ضمن معارك كبيرة، لأهداف سياسية بحتة، ولتنضم "الموت ولا المذلة" لسلسلة المعارك الفاشلة التي أطلقتها تلك المجموعات في جنوب سوريا كما في غيرها.
أيام مضت ولم تتوقف المعارك في محيط حي المنشية بمدينة درعا، حيث بدأت العمليات بشن هجوم كبير للمجموعات المسلحة المنضوية تحت اسم "غرفة عمليات البنيان المرصوص"، وقد شكلت المجموعات ما اطلقت عليه "تحالف قوات الجنوب" بقيادة كل من "جبهة النصرة" ومن خلفها "هيئة تحرير الشام" و"حركة أحرار الشام".. أما المجموعات التي انضوت تحت التحالف الارهابي الجديد فهي: "فرقة الحق - فرقة أحرار نوى - ألوية العمري - فرقة الحسم - فرقة 18 آذار - فرقة صلاح الدين - الفرقة 46 مشاة - لواء الكرامة - شباب السنة".
افتتحت المجموعات هجومها بقصف مكثف طال ثلاثة محاور في درعا المدينة، ما شكل قوس نار، بدايته في جامع بلال الحبشي مروراً بالجمرك القديم وحي الكرك، وينتهي عند شارع سويدان، (تلك المناطق تشكل خطوط تماسٍ متقدمة مع المسلحين، تتجه من الشمال الشرقي الى الجنوب الغربي من المدينة)، وتزامن القصف مع محاولة تفجير المسلحين لسيارات مفخخة، تمكنت قوات الجيش السوري من تفجيرها قبل وصولها الى مناطق انتشاره في حي المنشية، ليثبت نقاطه ويعزز تواجده فيها، محبطًا بذلك هجومهم.
لم تكتف المجموعات الارهابية بذلك، بل حاولت مجدداً وعلى عدة أيام، اختراق تحصينات الجيش السوري، مركزة على استهداف حي المنشية، نظراً لأهميته العسكرية، فهو يشرف على جميع أحياء درعا المدينة، ويطل على وادي الزيدي الفاصل بين حيي درعا المحطة والبلد، كما يُشرف على جمرك درعا القديم، وعلى طريق درعا البلد – الرمثا.. والسيطرة عليه تعني أن مساحات واسعة من درعا المحطة باتت تحت مرمى نيرانها، ما جعل هذا الحي منطلقاً للجيش السوري للسيطرة على أحياء درعا البلد التي ما زالت المجموعات الإرهابية تتواجد فيها.
الكثافة النارية والهجوم العنيف قابله الجيش السوري بثبات، وبحسب ما أفاد مصدر ميداني موقع "العهد الاخباري" فإن أبرز مقومات الصمود تلخصت بـ "الإتصال المباشر بين القيادة العليا للعمليات في درعا والجنود على محاور القتال، والتواجد المباشر للقادة العسكريين مع العناصر على الأرض وفي مرابضهم، إضافة إلى توفير جميع مقومات الصمود اللوجستية، وتجهيزات التحصين المعقدة في مختلف المحاور".
وأشاد المصدر بيقظة "الجيش السوري وأجهزة رصده التي كانت تتخذ بشكل دائم بعض التدابير لصدّ أي هجوم، مع خطة محكمة بنيت على أساس تشكيل خطوط صد مترابطة بالنيران بين مختلف خطوط الدفاع، بحيث يدافع كل موقع عن نفسه، ويؤازر من يحتاج مؤازرة"، لافتًا إلى أنه "أثناء عمليات القتال، تم التقدم باتجاه نقاط المسلحين، واستخدم الجيش السوري في تلك المناطق خبراته العالية في مواجهة موجات هجوم تلك المجموعات حيث أصبح القادة العسكريون في الجيش يعرفون خطط الإرهابيين فيها وتكتيكاتهم".
المصدر الميداني أشار إلى استخدام الجيش "تكتيك الصدمة للمسلحين حيث قابل الكثافة النارية بكثافة نارية مماثلة، واستخدمت وحدات الجيش المناورة الهجومية في غير مكان واستثمرت بشكل جيد الضربات الجوية والمدفعية في تنسيق مميز بين مختلف صنوف القوات، ما وضع المسلحين في حالة ارباك وفقدان للسيطرة بسبب استهداف غرف العمليات ومقتل عدد من قادة الهجوم".
المجموعات المسلحة التي لم تحقق أي خرق ميداني فشلت على المستوى الاستراتيجي في المعركة، فصبّت جام حقدها على الأهالي في الأحياء الآمنة، حيث سقط أكثر من ألف قذيفة وصاروخ على أحياء المدينة ونقاط الجيش في الأيام الخمسة للهجوم، في وقت قُتل فيه أكثر من 200 إرهابي وجُرح 600 منهم، نقل أغلبهم إلى مستشفيات الكيان الصهيوني بوساطة من عضو "الائتلاف المعارض" فهد المصري، الذي تواصل بشكل مباشر مع النائب في الكنيست الاسرائيلي أيوب قرة، والذي وفرّ إجراءات نقلهم، وهذا يدخل ضمن حسابات المجموعات المسلحة التي تنفذ الأجندة الاسرائيلية في الجنوب السوري.
وبرأي مراقب لسير العمليات العسكرية جنوب البلاد، فإن إطلاق هذه المعركة كان لمصلحة الجيش السوري الذي يسعى الآن إلى تنفيذ سياسة التطويق والعزل لتلك المجموعات عن خطوط إمدادها القادمة من الريف أو من الحدود الأردنية، واستدراجها الى نقاط اشتباك والتعامل معها بخطة معدة بإحكام، بهدف تفكيك أوصال المسلحين وإضعاف مواقعهم، واستنزافهم في الحركة والتنقل..
ويسود الاعتقاد ان المعركة ستنتهي خلال أيام قليلة، وسيبقى الموقف العسكري لصالح الجيش السوري الذي أرهق المسلحين بتماسك خطوطه ودفاعاته المعقدة وخططه المحكمة، ما يعني أن جبهة المسلحين أصبحت آيلة للاختراق ما يمكّن الجيش السوري من الوصول الى الحدود الاردنية.