بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

ماذا تعرف عن العلاج النفسي باستخدام الحيوانات؟

الأحد 26-11-2017 - نشر 7 سنة - 1260 قراءة

هل شعرت في يوم من الأيام بعد لعبك مع أحد الحيوانات الأليفة أن حالتك النفسية أصبحت أفضل؟ ربما تعجبت مما حدث ولم تدرك أبعاده جيدًا، لكن ما يؤكده الواقع اليوم أن العلاج النفسي باستخدام الحيوانات أصبح طريقةً شائعة لعلاج العديد من الأمراض النفسية. ثمة علاقة مركبة بين الإنسان والحيوان؛ إذ توجد لدى الحيوانات القدرة على زيادة الراحة النفسية والجسدية لدى الإنسان، فهي تشجع الجسم على إفراز هرمون «الإندروفين»، وهو هرمون مشترك بين الحيوان والإنسان، ويُصنف ضمن الهرمونات الباعثة على الراحة والمسكنة للآلام. من ضمن العوامل الأخرى التي تساهم في نجاح هذه الطريقة من العلاج النفسي، أن العلاقة بين الإنسان والحيوان تتسم بالاستمرارية والثبات، وهما عنصران أساسيان في العلاج النفسي، ويصعب ضبطهما عند الاعتماد في العلاج على الدواء، كما أن المريض النفسي يعبر عن مشاعره بشكل أكثر حرية أمام حيوانه المفضل.   التاريخ يثبت البداية القديمة والتجارب المتعددة على الرغم من أن مصطلح «العلاج النفسي باستخدام الحيوانات- Animal-assisted therapy» يعتبر جديدًا نسبيًّا، إلا أنه لا يُعد فكرة جديدة؛ فقد ظهر الاستخدام العلاجي للحيوانات الأليفة في إنجلترا خلال العصور الوسطى، وتحديدًا في مصحة «يورك ريتريت» للمرضى العقليين، التي سُمح فيها للمرضى بالتجول في الحديقة التي احتوت عددًا كبيرًا من الحيوانات المنزلية الصغيرة، ولم يقتصر الأمر على هذه المصحة، ففي مستشفى «بيتلم» في إنجلترا عام 1860، وضعت مجموعة من الحيوانات في أحد أجنحة المستشفى؛ لتدعيم معنويات المرضى المقيمين في المستشفى، وجعلهم أكثر قابلية للتعافي. تضمنت كتب التاريخ مواضيع أكدت أن الإغريق استخدموا في القرن الـسابع عشر الخيول؛ لرفع معنويات المرضى الذين يعانون من أمراض شديدة الألم، وقد استمر استخدام الخيول بعد ذلك، ففي أربعينيات القرن العشرين، أنشأ الصليب الأحمر الأمريكي مزرعة يقضي فيها المحاربون القدامى أوقاتهم مع الخيول، في نفس الوقت الذي يشفون فيه من إصابات الحرب؛ بهدف مساعدتهم على نسيان الذكريات المؤلمة.  

العلاج النفسي باستخدام الحيوانات

من أشهر العلماء الذين أكدوا الصلة بين الحيوانات الأليفة، والعلاج النفسي الطبيب النمساوي «سيجموند فرويد» مؤسس علم التحليل النفسي، فقد استخدم في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين كلبه المفضل «جوفي» خلال جلسات العلاج النفسي؛ لاعتقاده أن الكلب لديه شعور خاص يمكن من خلاله قياس مستوى توتر المريض، فعندما يجلس بجوار المريض يكون مستوى توتره منخفضًا، ولكنه إذا جلس في الطرف الآخر من الغرفة يشير ذلك إلى شدة توتر المريض، وقد وجد «فرويد» أن العديد من المرضى شعروا بالراحة في الحديث أثناء تواجد الكلب. هناك أيضًا تجربة العلاج باستخدام الحيوانات الأليفة التي سجلها الطبيب النفسي الأمريكي «بوريس ليفنسون» عام 1961، عندما عمل أثناء علاج صبي معاق عقليًّا على دمج كلبه «جينغلز» في عملية العلاج، وفي إحدى المرات ترك الصبي مع الكلب، وعندما عاد وجده يتفاعل معه، ما شجعه على القيام بمزيد من الأبحاث عن العلاقة بين الكلب ومرضاه من الأطفال، ليتوصل إلى أن وجود كلب خلال جلسات العلاج كان له تأثير إيجابي فيهم.  

علميًّا.. ماذا وجد الباحثون في دراساتهم؟

وبالرغم من عدم وجود موقف رسمي يعتمد العلاج بمساعدة الحيوانات ليصبح أحد برامج علاج المرضى النفسيين حتى اليوم، إلا أنه وفقًا لـ«ألبير مخيبر» عالم النفس السريري والطبيب اللبناني المتخصص في علم الأعصاب، يوجد من الناحية النظرية لدى المعالجين التقليديين موقف إيجابي تجاه هذا النوع من العلاج؛ لا سيما أنه يوصل إلى نتائج جيدة في بعض الاضطرابات النفسية، ولا يوجد له أي آُثار جانبية ضارة كما الحال مع كثير من الأدوية النفسية. ويؤكد «مخيبر» أنه لا يوجد سبب واحد يدعو الطبيب النفسي للتردد في استخدام الحيوانات في علاج مرضاه، وما يطرأ من تحسن عليهم يكون سببه تدعيم نظرية التعلق، وهي الحاجة إلى تطوير علاقات اجتماعية وعاطفية لدى الشخص، ولا بد أن يترافق مع ذلك استخدام أنواع أخرى من العلاج تركز على التغيرات السلوكية والعاطفية. يظهر الأثر النفسي لوجود الحيوانات الأليفة في المنزل على الأطفال الذين يعيشون فيه، فوقًا لدراسة أجراها «هال هيرزوع»، وهو طبيب نفسي بجامعة كارولينا الغربية الأمريكية، عام 2015، حول الفوائد الصحية العائدة على الأطفال من تواجد كلب أليف في المنزل، توصل إلى أن الأطفال الذين تمتلك عائلاتهم حيوانات أليفة تظهر لديهم معدلات قلق أقل من غيرهم. ويفسر الدكتور «ألان بيك» المتخصص في علم النفس بجامعة «بوردو» ارتباط الإنسان ببعض الحيوانات الأليفة، بأن ذلك مصدره فرضية «البيوفيليا- Biophilia»، التي يمكن عن طريقها تأكيد أن البشر طوروا حاجتهم بشكل يسمح لهم بالاندماج مع الكائنات الحية الأخرى. للتعمق أكثر في فهم العلاقة بين تمتع الإنسان بصحة نفسية جيدة والحيوانات الأليفة، نذهب للدكتورة «ريبيكا جونسون» رئيسة مركز أبحاث التفاعل البشري الحيواني في كلية الطب البيطري بجامعة ميسوري الأمريكية، التي تؤكد لنا، من واقع الدراسات التي أجراها المركز، حقيقة أن التفاعل مع الحيوانات يمكن أن يزيد من مستوى هرمون «الأوكسيتوسين»، الذي يساعدنا على الشعور بالسعادة والثقة. ترى «جونسون» أن ذلك يوضح لنا سر ارتباط البشر بالحيوانات، ولا يتوقف تأثير ذلك الهرمون عند هذا الحد، فله بعض التأثيرات القوية الأخرى في قدرة الجسم على أن يكون لديه الاستعداد الكافي للشفاء من الأمراض.  

ما هي الأمراض النفسية التي تساعد الحيوانات في علاجها؟

يتميز العلاج النفسي باستخدام الحيوانات بإمكانية تطبيقه مع جميع الأجيال لمعظم الاضطرابات النفسية المنتشرة، فعلى سبيل المثال يساعد هذا النوع من العلاج الأطفال المصابين بالتوحد على التأقلم والتواصل مع بيئتهم الاجتماعية المحيطة، ويعد ذلك عاملًا أساسيًّا لتحسن حالتهم؛ لكون مشكلتهم الأساسية هي عدم القدرة على التواصل مع المحيطين بهم بشكل جيد. وهناك تجربة للطبيب النفسي البريطاني «يوريس يفيسون» استخدم فيها الحيوانات الأليفة لعلاج الأطفال المصابين بالتوحد؛ إذ أحضر قطًا ووضعه مع بعض هؤلاء الأطفال، فظهر أن القط يقدم لهم فرصة جيدة لتجربة الأحاسيس الداخلية والخارجية التي لا يستطيعون إظهارها للناس.  

العلاج النفسي باستخدام الحيوانات

كما تعد الخيول من أشهر الحيوانات التي تُستخدم في علاج الأطفال المصابين باضطرابات الخوف للتغلب على خوفهم، وذلك بإكسابهم أدوات السيطرة وحفظ أمنهم الشخصي على ظهر الخيل، وهو ما يساهم في بناء ثقة متبادلة مع الحيوان، تنعكس لاحقًا على علاقاتهم مع الآخرين. وكثيرًا ما يُنصح الأشخاص المصابون بالاكتئاب أن يربوا حيوانات أليفة لتساعدهم في تجاوز مرضهم، ويؤكد الطبيب النفسي الألماني «أرنو دايتسر» رئيس الاتحاد الألماني للطب النفسي إمكانية تحقيق نجاحات كبيرة في علاج مرضى القلق والاكتئاب باستخدام الحيوانات، ويرى «دايتسر» أنه أحيانًا يجد المكتئبون صعوبة في التواصل مع معالجيهم أو بناء الثقة معهم، وهو ما لا يحدث مع الحيوانات التي تتقبل البشر بكل حالاتهم. كما يُعتقد أن تربية الحيوانات تؤثر في الإفراج عن هرمون «الإندروفين Endorphin» الذي يؤثر بشكل إيجابي في الحالة النفسية للمرضى المصابين باضطرابات الاكتئاب، وغالبًا ما يعمل الطبيب النفسي على توجيه المريض إلى التركيز على الحيوان واحتياجاته ليجذب انتباهه بعيدًا عن مشاكله الخاصة. استخدمت الحيوانات كذلك في برامج العلاج من إدمان المخدرات، فقد اكتشفوا أن وجود حيوان في حياة المدمن يجعله أكثر هدوئًا وقدرة على مواجهة رغباته في العودة للإدمان، وقد أفاد بعض المدمنين الذين خضعوا لهذا البرنامج العلاجي أن التفاعل مع الحيوانات يشجعهم على التفكير في احتياجات الآخرين، ويساعدهم على تدعيم مشاعر الثقة بالنفس.  

العلاج النفسي باستخدام الحيوانات

حتى كبار السن الذي يعانون من الخرف يمكن علاجهم باستخدام الحيوانات، فقد أفادت دراسة أجراها فريق بحثي من كلية التمريض بجامعة نبراسكا الأمريكية، أن مرضى الخرف الذين عملوا معهم أظهروا أعراضًا أقل من «متلازمة غروب الشمس» بعد تطبيق برنامج العلاج باستخدام الكلاب عليهم، وهذه المتلازمة هي عبارة عن حالة مؤلمة مرتبطة بالخرف الذي يحدث في فترة المساء الأولى، وتشمل سلوكيات مثل الأرق والارتباك، والضرب والركل، لكن يبدو أن وجود الكلاب مع المرضى في وقت مبكر من فترة المساء، جعلهم يشعرون بالاسترخاء؛ مما خفف من حدة أعراض المتلازمة.  

مستشفى بريطاني يُطلق تجربةً للعلاج النفسي باستخدام الكلاب والأرانب

دشن أحد مستشفيات مدينة «مانشستر» البريطانية برنامجًا علاجيًّا لمرضى الانفصام والاكتئاب أحادي القطب، تُستخدم فيه الحيوانات عنصرًا أساسيًّا، وتشرف على البرنامج «شارون هول»، وهي ممرضة صحة نفسية سابقة، كانت قد خاضت تجربة شخصية بشرائها جروًا ليساعدها في التغلب على مشاعر حزنها بعد وفاة والديها، واليوم تستخدم في المستشفى نفس الجرو بعد أن بلغ عمره سنتين، بالإضافة إلى عدد من الأرانب والقوارض لعلاج المرضى النفسيين. تقول «هول» إن المعالجين النفسيين أكدوا لها أن بعض المرضى الذين رفضوا في السابق المشاركة في أي برامج علاج جماعية، يستمتعون اليوم بهذا النوع من العلاج، ويشاركون فيه بنشاط، وبعض أنشطة البرنامج العلاجي لا تتضمن حديثًا أو إشرافًا من الاختصاصيين؛ بل كل ما يحدث ببساطة أن يُترك المريض مع الحيوان ليتفاعل معه، فحين يستمتع المرضى بالتواجد مع الحيوانات، يكون هذا هو خيط الضوء الرفيع الذي ينير ظلام حياتهم ويجعلها أكثر متعة.   ساسه بوست


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية