بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

المشغولات اليدويّة السوريّة بين خطر "الميكنة" وغياب "شيوخ الكار"!

الأحد 19-02-2017 - نشر 8 سنة - 5830 قراءة

أفرزت الأزمة التي تعيشها سوريّة اليوم، جملة من القضايا والتحديات والأمور، التي كانت تُدار ولا تزال، وفق منطق سياحي قاصر وسطحي، هدفه الأساس الربح المادي السريع والوافر، حتى لو كان ذلك على حساب الأخلاق، والانتماء الوطني، وتراث سوريّة الأصيل، الذي يمثل عظمتها، ويعكس حضارتها العريقة الضاربة بعيداً في التاريخ. من ذلك، الاستخفاف بالحِرف والصناعات والمشغولات اليدويّة الشعبيّة، وإهمال المشتغلين فيها، و«ميكنتها» بشكل غير مدروس، وغياب الخطط والمشاريع التي تحمي وتطور هذه الفنون العريقة.

لقد فطنت الدول المتطورة باكراً، إلى أهمية المشتغلين في حقول هذه المشغولات التراثيّة، فأولتهم العناية والرعاية اللازمتين والضروريتين، لاستمرارهم بإنتاجها، وفق أصولها، وبالشكل الذي يحافظ على قيمها الفنيّة والدلاليّة والتعبيريّة الصحيحة والسليمة، وذلك بتأمين مستلزماتها كافة، وإحداث ورش أو معاهد، للمبرزين من شيوخ كارها، كي ينقلوا من خلالها، إلى الشباب الذين يمتلكون الاستعداد والموهبة الحقيقيتين للاشتغال في مجالاتها، خبراتهم ومعارفهم في كيفية صناعتها، بهدف ضمان استمرارها، وفق قواعدها وأصولها وعراقتها المهددة بالاندثار والضياع، برحيل هؤلاء الشيوخ، إذا لم نبادر لإعداد وتأهيل وارث حقيقي لهم، ينقلها في المستقبل، إلى جيل آخر، وهكذا دواليك.

إن المحافظة على هذه المشغولات الشعبيّة العريقة، وفق أصولها الصحيحة، وضمان تواصلها بين الأجيال المتعاقبة، مهمة ملحة وعاجلة، ولاسيّما بعد دخول الميكنة إلى صناعتها، أو إلى مراحل منها، بهدف تلبية حاجة السوق المتزايدة إليها، وبالتالي فقدانها للكثير من قيمها الفنيّة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً، بأصابع صانعها الماهر، التي غابت أو تكاد عن الاحتكاك بها، لكن هذا لا يعني، عدم الاستفادة من المعطيات التكنولوجيّة الحديثة، وتوظيفها في خدمة إنتاجها وتسريعه، على أن يتم ذلك وفق خطة مدروسة لعملية المداخلة هذه، بحيث لا تعطب قيم صناعتها اليدويّة، ولا تقضم الأحاسيس النبيلة التي تتركها فيها، الأيدي الإنسانية الماهرة، هذه التي طالما استمرت ضمن أُسرٍ بعينها، مارستها كمصدر للرزق، وكنذر حملته بالوراثة، من جيل إلى آخر في الأسرة الواحدة، وكانت تتكتم على أسرار صنعها، كي تنحصر الفائدة الماديّة والمعنويّة فيها، وهذا ما عُرف بـ«سر المهنة».

من هنا تأتي أهمية رعاية شيوخ كار هذه الحِرف والمشغولات، وضمان عدم ضياع أسرارها برحيلهم، والتوقف مطولاً، عند عملية «ميكنتها»، باستبدال الأصابع الإنسانيّة بالأصابع الفولاذيّة، كي لا تفقد هذه المشغولات الحس التعبيري الإنساني، والعفويّة المعبّرة، والجماليات المعجونة بأنفاس صنّاعها، وتوقد أحاسيس أصابعهم المرتبطة بحالتهم الشعوريّة أثناء قيامهم بإنجازها. «فالميكنة» الكاملة لمراحل إنتاجها، تفرز نسخاً مكررة وباردة من هذه المشغولات، بينما تخرج من بين أصابع صانعها، متباينة، ومختلفة، رغم وحدتها العامة، وتشابه أشكالها وخاماتها وموادها، أما القطعة الوحيدة منها، فهي رصيد مادي وفني لمالكها، يتنامى كلما تقادمت عليه السنون، وأوغل بعيداً في العتاقة والقِدم، وجاهز للصرف في أي وقت، بأضعاف الثمن الذي دُفع فيه أول مرة.

من جانب آخر، تُشكّل المشغولات الشعبيّة التقليديّة، المقصد الأبرز للعديد من زوار البلد وأبنائه على حد سواء. فأول ما يسأل ويبحث عنه الزائر لبلد غريب، هو هذه المشغولات، كي يحملها منه تذكاراً، يُعيده إليه كلما وقع بصره عليه، لهذا نجدها بكثرة في كل البيوت: فوق رفوف المكتبات، إلى جانب الكتاب، وفي الزوايا، وفوق الجدران، والكوميدينات والطاولات، وعندما تسأل عن مصدرها، يُسهب صاحبها بالحديث السعيد عنها، لأنها تختزل ذكرى أوقات جميلة، عاشها في البلد الذي جلبها منه.

بالمقابل، كان الاهتمام بهذه المشغولات مقتصراً على فئة شعبيّة قليلة من مجتمعنا السوري، تربطها فيها الكثير من الوشائج، وتذكّرها بالزمن الجميل الذي عاشته، لهذا حرصت على وجودها في بيوتها وأماكن عملها، لكنها بالتدريج، جذبت إليها فئات جديدة بتأثير جملة من العوامل، في مقدمتها، اهتمام الأجانب بها، وحرصهم على اقتنائها، ولاسيّما زوجات السوريين الأجنبيات، ومعارفهم في الدول التي مكثوا فيها للدراسة أو العمل والتجارة، الذين كانوا يُلحون في طلبها واقتنائها، ما لفت انتباه هؤلاء السوريين إليها، ومجاراتهم في البحث عنها واقتنائها. يُضاف إلى ذلك، اهتمام المجموعات السياحيّة بها، وجودها الدائم في ورشاتها، وأماكن تسويقها، وفي المعارض الداخليّة والخارجيّة التي تضمها. كل هذه العوامل مجتمعة، لفتت الانتباه إلى هذه المشغولات والحِرف والصناعات الشعبيّة التقليديّة، وجعلتها محط اهتمام فئات جديدة من المجتمع السوري، كانت مأخوذة بالحداثة ومفرزاتها التي أدخلتها إلى مرافق حياتها كافة، دون تدقيق أو انتخاب، الملائم واللازم منها.

تشرين


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية