بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

قصة وصول الإنسان إلى الزواج والارتباط

السبت 18-11-2017 - نشر 7 سنة - 5852 قراءة

يبدو الزواج من البديهيات والمعطيات الاجتماعية، فيعتبر كطقس لتقنين الجنس وبناء الأسرة، مكّوناً أساسياً ومؤسسة رئيسية في تنظيم المجتمع. ولكن الزواج شأنه شأن التاريخ البشري، مرّ بمراحل تطور كثيرة كانت نتاج تطور الجنس البشري سلوكياً ومعرفياً. في هذا الموضوع نتناول نشأة الزواج وتحول الإنسان من المشاع الجنسي إلى التقنين، وقد يتبادر للذهن سؤال هام: أليس الزواج معروفاً للإنسان منذ خلق آدم؟ يبدو هذا التساؤل منطقياً للوهلة الأولى في إطار الأديان وبالأخص الأديان الإبراهيمية، لكن في نظرية تعتمد التطور الاجتماعي، بدلاً من السرد الديني، فإن الزواج جاء متأخراً عن نشأة الإنسان الأولى. أغلب الأبحاث التي تمت حول الزواج تضع فرضيات حول طبيعة السلوك الإنساني الأول، فالآثار المكتوبة من تلك الحقب السحيقة قبل اكتشاف الزراعة وظهور الحضارات شبه معدومة، والمعين الأول لهذه الفرضيات هو الحفريات وبقايا الإنسان من تلك الحقب.  

الشيوعية الجنسية، هل كانت موجودة حقاً؟

أغلب تلك الفرضيات تؤكد وجود ما يسمّى بالشيوعية الجنسية أي تعدّد الشركاء الجنسيين مقابل العلاقات الأحادية. يعتقد عددٌ من علماء الأحياء التطوري أنّ الزواج الأحادي بين الأنثى والذكر يشكّل نسقاً أساسياً من التطور البشري، لكن عدداً كبيراً من الأبحاث في هذا الإطار تعارض فكرة اعتبار العلاقات الأحادية جزءاً جوهرياً من طبيعة الإنسان. بحسب الأنثروبولجيين كريستوفر ريان وكاسيلدا جيثا في كتابهما "بدايات الجنس: الأصول ما قبل التاريخية للجنسانية الحديثة"، الزواج الأحادي يتعلق بحقوق الملكية أكثر من المشاعر والحب. كان من المتبع نسب الأبناء إلى الأم ولم تكن المرأة ملزمة بشريك واحد، لكنّ الأمور تغيّرت بعد أنْ بدأت المجتمعات بالزراعة. ومعها ترسخ مفهوم توريث الملكية ضمن نظام اجتماعي أبوي، فأصبح نسب الأولاد إلى أب مهمّاً لتمرير الثروة من الوالد إلى الأبناء. بحسب كاتبي "الجنس عند الفجر"، أنّ السلطة في المجتمعات، استثمرت في تنظيم علاقات الزواج، وسنّت قوانين لضمان التقنين الجنسي للمرأة، ودخلت تلك القواعد الجنسية والاجتماعية في حياة المجتمعات تحت سلطة جديدة، هي سلطة الدين. لم تطبق ذات القوانين على الرجال، فلم يكن هناك ما يملي عليهم العلاقة الأحادية والوفاء للشريك بنفس الطريقة التي فرضت على النساء. إنّ الزواج لإنشاء أسرة هو قضية هامة في حياة الكثيرين، حيث يجدون فيها علاقة متينة مع شريك واحد. ولكن هناك البعض الآخر، ممن ينظر للزواج على أنه جزء من منظومة السلطة، كالمفكر والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، الذي يعتبر الزواج والعائلة مؤسستي ضبط وسيطرة. كما أنّ هناك من حاول فهم ماهية المشاعر والميول وراء التزاوج والعلاقات. فكما تقول عالمة الأنثروبواوجيا البيولوجية هيلين فيشر (Helen Fisher)، توجد ثلاث فئات عاطفية للتزاوج والتكاثر: الدافع الجنسي أو الشهوة، والجاذبية لشخص بشكل يوّلد الرغبة والتوق لإقامة علاقة عاطفية مع شريك واحد، وأخيراً، الارتباط بذلك الشريك مما يضمن الشعور بالراحة والطمأنينة. من الملفت للانتباه أن الزواج بغرض إنشاء أسرة وليس بغرض التكاثر فقط موجود عند الكثير من الحيوانات في عادات لم تتغير، فالسلوك والعادات البشرية تتغير وتتطور أما لدى الحيوانات فهي تتأقلم. فمثلا الأسود تتزاوج ويقوم الأب والأم برعاية أشبالهما حتى سن معينة يكون فيها باستطاعتها الحياة بمفردها، وكذلك بعض أنواع (فصيلة) القردة العليا. وبناءً على التقارب بيننا وبين الشيمبانزي حيث نتشارك بـ98% من حامضنا النووي معهم، تفترض فيشر في كتابها "لماذا نحب؟ طبيعة الحب وكيمياؤه" Why We Love? The Nature and Chemistry of Romantic Love أن أسلافنا ممن كانوا يعيشون على الأشجار كانوا يعيشون بالأسلوب ذاته أو على الأقل بشكل مشابه. وبناءً على ذلك الافتراض فقد عاش أسلافنا فوق الأشجار في تجمعات تتكون عادة من ثمانية إلى مائة ذكر وأنثى. كانوا ينامون في أعالي الغابات المظللة بأوراق الأشجار، يستيقظون بعد الفجر ويهبطون إلى أرض الدغل ليقوموا بجولات تكرارية في محيط المنطقة المشتركة، وحينها يلتقون بأعضاء ويمتزجون منفردين أو في جماعات صغيرة، ويتناولون الطعام ويتبادلون الاجتماعات العاطفية.  

عندما انتقل البشر إلى الحياة على الأرض

عندما انتقل البشر إلى الحياة على الأرض (من الشجر)، عرفوا مفهوم "عضو الأسرة"، وعرفوا أيضاً مفهومي "الخصم" و"الصديق". وكانت لديهم ممارسات حميمية مشابهة لنا؛ فكانوا يتعانقون، ويتبادلون القبل، ويتجولون ذراعاً في ذراع، ويربتون أحبتهم برفق. غير أن أسلافنا الأوائل كانوا في البداية غير انتقائيين في علاقاتهم العاطفية، فكانت الأنثى من أسلافنا تقترن بذكر واحد وترحل عن التجمع لكي يتزاوجا في خصوصية ولكن العلاقة كانت مؤقتة في معظم الحالات، لا تزيد عن أيام قليلة أو أسابيع. وتشير هيلين فيشر أن فكرة الارتباط لدى الإنسان ظهرت عندما انتقل إلى الحياة على الأرض، ففي كتابها توضح أن أسلاف الإنسان الأولين كانوا يمشون على أربع لذا كانت الحياة فوق الأشجار تناسبهم. وبعدما تطور الإنسان ليمشي على قدميه فقط أصبحت حياة الأرض هي ما تناسبه أكثر، فأصبحت الإناث مضطرات إلى حمل أطفالهن على أذرعهن بدلاً من حملهن على ظهورهن، كما تفعل إناث الشيمبانزي حالياً، وكانت في تلك البيئة، تطوراً يسهّل على الأنثى أن تتسلق الأشجار وأن تهرب من الأخطار إلى مكان آمن، عال عن الأرض. ولكن ما إن بدأ أسلافنا بالمشي على الأرض، أسفل الأشجار، وفي السهول المفتوحة، أصبحت الأنثى مسؤولة عن أعباء إضافية، فهي مطالبة بأن تحفر الأرض لبذر الجذور أو أنْ تصيد الحيوانات الصغيرة بيد واحدة، بينما تحمل طفلاً باليد الأخرى، فلم يكن بوسعها أن تهرب بسرعة من خطر هجوم الحيوانات المفترسة، وهنا ترى فيشر أن ذلك دفعها للاحتياج إلى رفقاء كي يساعدوها في الإطعام والحماية، على الأقل في فترة الحمل وتربية الصغار. ومن هنا أصبح الترافق والثنائية أمراً حتمياً للإناث وعملياً للذكور. وهكذا تطور الأمر إلى الارتباط برفيق واحد، وهي العادة البشرية في تشكيل علاقة ثنائية بين رجل واحد وامرأة واحدة.  

إحصائيات الطلاق: هل تعكس منطق بداياتنا الأولى؟

بحسب دراستها لممارسات الطلاق، تجد فيشر ما يدعم نظريتها. فمن معلومات حول الطلاق في 85 تجمعاً بشرياً، مسجلة في شعبة السكان في الأمم المتحدة، قامت فيشر بتجميعها وتحليلها، تبين أنّ الطلاق غالباً مايتم في العام الرابع من الزواج، وفي العشرينات من العمر مع وجود طفل صغير. وبمقارنة تلك النتائج مع ما تم ملاحظته لدى الكائنات الأخرى، وجدت الباحثة أن 3% من الثدييات تقترن كزوجين لتربية صغارها، هذا فقط إنْ لم يكن بمقدورها تربية صغارها بمفردها. من بين تلك الكائنات، الثعالب، فعندما تلد أنثى الثعلب تضطر للبقاء في جحرها لرعاية أطفالها التي تكون ضعيفة، عمياء وصماء. ولهذا فأنثى الثعلب تضطر للاعتماد على شريك لإطعامها حتى الصيف عندما يبدأ الصغار في الخروج والتجول خارج الجحر فينفصل الزوجان ليتخد كل منهم شريكاً جديداً. وبالرغم من أن طائر أبو الحناء المغرد ليس من الثدييات، فنجد لديه نفس التوجه، فهو يترافق في ثنائيات في موسم التزاوج ويبقى الزوجان سوياً خلال وضع البيض والفقس ورعاية وحماية الفراخ، ثم ينفصلان بعد نمو أجنحة الفرخ وتطير، ليلتقيا برفيق آخر في العام التالي.  

الزواج في القرن الـ21

نجد في يومنا هذا العديد من العلاقات العاطفية والجنسية التي تتبع أشكالاً مختلفة، فهناك من يفضل العلاقة الأحادية وهناك من يرفض وضع العلاقة في أطر قانونية واجتماعية معينة، وهناك من يختار نموذجاً مختلفاً كتعددية الشركاء. رغم اختلاف الآراء حول الزواج، وتطور قوانينه مع الوقت، يبدو أن الكثير من السنن والأفكار القديمة التي تقنن العلاقات ما بين المرأة والرجل ما زالت حية في عصرنا هذا، فللرجل حقوق جنسية وزوجية لا تعطيها المجتمعات للمرأة، وتوجد ازدواجية واضحة بكيفية تعامل القانون مع المرأة والرجل. ولهذا حديث آخر. لا يزال هناك الكثير من الفجوات والأسئلة حول طبيعة العلاقات العاطفية، وأسباب اختيار شكل معين من العلاقة وتفضيله على غيره، لكنّ ما تعلّمنا إياه رحلتنا الموجزة في تاريخ الزواج هو أنّ الجنسانية والعاطفة وعلاقتهما مع المجتمع والقانون ليست على شكل واحد يناسب الجميع.     رصيف 22


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية