بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

العشق والخيانة والسلطة والموت في 5 أوبرات عالمية.. فهل تعرف قصتها الحقيقية؟

السبت 04-11-2017 - نشر 7 سنة - 1082 قراءة

بمجرد أن تنتهي من قراءة هذا التقرير سيكون بخاطرك خمس قصص أسطورية في كمالها، وما بها من دراما معقدة، والتي وضعتها في خانة (أوبرا: عميقة – عمل فني قوي). ربما ترتبط الأوبرا في ذهن معظمنا بصراخ وآلات نفخ صوتها مخيف، أو أنها لا تنتمي لثقافتنا، فلا داعي للتعرف عليها، ولكن هكذا هي الأوبرا، وهنا نعرض عليك 5 أوبرات مع سماع مقدماتها الموسيقية؛ ستكتشف كم هي مألوفة لأذنك، وربما مرتبطة بثقافتك.  

1- أوبرا «لاترافياتا»: المرأة التي ضلَّت

إنني أموت فاذهب أيها العالم إلى الجحيم! مرجريت فتاة لهو فرنسية جميلة وفقيرة، تعشق زهرة الكاميليا، تعرّفت بالصدفة على «آرمان دوفال» وهو ابن لعائلة ارستقراطية. عشق الحبيبان بعضهما، وعاشا قصة وله حقيقية، ورأت مرجريت في مستقبلها معه نجاة لها من ليالي الفسق واللهو التي تعيشها، فربما يطهرها الحب من خطاياها، وتسامح ماضيها بمستقبلها الشريف.   وسط الحب وسعادته ونبله، تخيّل العاشقان أن الدنيا ستوفر لهما كل سبل البقاء للأبد متعانقين، لا يفرقهما قدر، ولكن والد «آرمان» لم تعجبه هذه القصة، وجن جنونه عندما وصله خبر ارتباط ابنه بغانية، فسارع للقائها للومها وتحذيرها من الاستمرار في علاقتها بابنه، والدمار الذي سيلحق بمستقبله بسببها، والضرر الذي سيطال الأسرة كاملة، وسيمس زواج ابنته أيضًا من رجل نبيل، إذا علم بهذه العلاقة الآثمة وغير المنطقية.   كان حب مرجريت لـ«آرمان» أقوى من أنانيتها وحبها لأن تكون معه، حتى ضحّت بقلبها وسعادتها من أجل مستقبله، واتبعت منطق الأب الثري، وقررت قطع علاقتها بعشيقها بسكين يمنعه من الرأفة بها أو التمسك بالحب، فخدعته وادعت أنها لا تحبه، وأنه ما كان لها سوى ثري تلهو معه حتى تقابل من هو أغنى منه؛ لأن المال غايتها، والآن هي في انتظار الكونت حبيبها الحقيقي. بكل تأكيد تحطم قلب «آرمان»، ولم يرحم مرجريت؛ فأهانها وشتمها على الألم الذي سببته في قلبه، وتولى عنها وهو لا يعلم مدى الألم الذي في قلبها هي الأخرى.   في يوم لم يعدّ له العاشقان المفترقان ميعادًا، وبعد فترةٍ طويلة، عاد «آرمان» إلى باريس، وقابل مرجريت في حفلٍ كبير، رمى في وجهها حزمة أوراق نقدية كان قد ربحها من القمار، وتأجَّج غضبه أمام كل الحضور، وقال إنّ هذا المال مقابل الأيام الرخيصة التي قضتها معه، وأنه لم يفتقدها، بل أبدلها بغانية جديدة، يدفع أجرها، دون وهمه بحبها، أو مقابلتها بحب.   ضاعف الألم الذي ألمّ بقلب مرجريت من ألم جسدها، ومعاناتها من داء السل الذي مرضت به، فسارع الدّاء وهتك جسدها الموهَن، حتى وضعها على شفا حفرة الموت، وعندما شعرت بقرب نهايتها، طلبت من وصيفتها، الشخص الوحيد الذي لم يتخلَّ عنها بعد في فقرها ومرضها، بكتابة رسالة وإرسالها لـ«آرمان» تشرح له فيها أن هناك من أحبته وأخلصت له وضحّت من أجله؛ ليسارع حبيبها إلى أحضانها معترفًا بنار حبه التي لم تزل مشتعلة، لتكون الساعات الآخيرة لمارجريت في حضن حبيبها قبل أن تفارقه.   كتب قصة حب «مارجريت وآرمان» ألكسندر دوما الابن عام 1848، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، تحت اسم رواية «غادة الكاميليا»، ثم تحوّلت الرواية لمسرحية، وأفلام عديدة، بنفس الاسم؛ بسبب نجاحها، حتى أصبحت أوبرا «لاترافياتا» للموسيقي جيوزيبي فردي، و«لاترافياتا» تعني الشخص الضائع، في إشارة للبطلة.   القصة مست معظم دول العالم التي شهدت تحولات اجتماعية شديدة الانحراف بسبب حروب أو ثورات، فهي تصوير اجتماعي قوي يفضح سمات الأنانية المسيطرة على الطبقة العليا في المجتمع، أمام تضحيات الفقراء البائسين، والشق الاجتماعي الذي ظهر بالضبط في خضم الثورة الفرنسية الشعبية ونجاح الثورة الصناعية، وتقلب الطبقات الاجتماعية بصعود الطبقة المتوسطة، وفي وقت صعب فيه كتابة الأدب الرومانسي في واقع مضطرب، جاءت غادة الكاميليا الواقعية لتعكس هذا الاضطراب، وترسم صراع الطبقات في قصة عاشقين.  

2- أوبرا سالومي: قاتلة يوحنا المعمدان

في منطقة الجليل الفلسطينية، وفي الأعوام الأولى بعد الميلاد، فترة الحكم الروماني، كانت المنطقة خاضعة لهيرودس الأكبر. وعند موته في عام 6 ميلاديًا، انفصلت عن الحكم الروماني بعض المناطق والممالك الصغرى، ومنها منطقة الجليل. بعد ذلك بسنوات، تحديدًا بين العامين 20 إلى 30 ميلاديًا، بدأ يوحنا المعمدان، قريب السيد المسيح، في التبشير بدين جديد في الجليل، في الوقت الذي بدأت زوجة أخي الحاكم إغواء الحاكم لسعيها للمال والجاه ومحاولة الزواج منه، حتى نجحت في مسعاها وتزوجت منه، وهو ما حرمه يوحنا المعمدان لعدم جواز ذلك شرعًا؛ لأنها كانت متزوجة من أخيه، الأمر الذي وصل للسلطة؛ فأمر هيرودوس بالقبض على يوحنا ومحاكمته، بعدما وسوست له زوجته الجديدة هيروديا بإعدامه؛ لقطع الطريق على ثورته ضد الحكم، لكن الحاكم رفض إعدامه؛ لكونه نبيًا.   في نفس الوقت بدأت نبتة هيروديا زوجة الحاكم في النمو، ابنتها «سالومي»، ابنتها من زوجها الأول، أخي الحاكم، الفتاة المسكونة بشهوة جنونية ورغبة في يوحنا المعمدان، فتاة جميلة ترقص شبه عارية فيختل عقل الرّجال، حتى عقل عمها، والتي ساعدت في تأجيج نار رغبته في «سالومي» هي أمها نفسها، وشجعته إرضاءً لشهوته.   كانت رغبة «سالومي» في يوحنا المعمدان قوية؛ فقادتها إلى رئيس الحرس؛ تطلب منه مقابلة يوحنا المحظورة بأمر من الحاكم، وما أن رأت يوحنا حتى راودته عن نفسه بشبق شديد واندفاع فج، لكنه رفض لمسها تمامًا، فحاولت تقبيله، ولكنه نهرها، ودعاها إلى الدين الجديد، وعندما استمرت في ألاعيبها رفض إكمال حديثه معها، وطلب عودته إلى الزنزانة؛ فأصابتها برودته بغضب وحقد؛ ما جعلها تسعى لإيذائه ترضية لنفسها.   كانت «سالومي» معروفة برقصها المثير للغرائز، فاعتمدت على ذلك كسلاحها ضد يوحنا، وفي ليلة الاحتفال الذي أقامه الحاكم، ودعا له كل رجال البلاط الملكي، طلب هيرودوس من «سالومي» أداء رقصة الشالات السبعة، وهي تتعرى جزءًا جزءًا مقابل أي أمنية تطلب تحقيقها فيحققها لها مهما كلفه هذا من عناء.   عندما انتهت «سالومي» من رقصتها وهي عارية تمامًا، تطلب من عمها رأس يوحنا المعمدان؛ فاضطر لقبول الطلب، ونزل أحد الحراس للسجن، وأتى برأسه على طبق من فضة، فانتابت «سالومي» حالة من الجنون البغيض، وأخذت تقبل رأس يوحنا وهي غارقة في دمائه بشهوانية وثمالة، فراع الحاكم فظاعة ما رآه، وشعر بأنه خرق لكل طبيعة ومقدس، فأمر بقتل «سالومي» الصغيرة التي عشقها، وقتل نبيًا من أجلها.   اختلطت القصة الحقيقية لسالومي المذكورة في الإنجيل والتوراة بكثير من الدراما، خاصة عندما كتبها الكاتب البريطاني أوسكار وايلد عام 1891 كمسرحية، وكان وايلد معروفًا بقدرته على الاستفزاز وتناقضه مع القيم البريطانية السائدة في ذلك الوقت، وبعد تمثيل مسرحيته ثار على القصة الجمهور، وأثارت مشاعر متناقضة داخل الجميع، بين قصة نبي ومسرحية عن غانية فاجرة مع كثير من المبالغات، حتى تحولت القصة إلى أوبرا لحنها الموسيقار الألماني الكبير ريتشارد شتراوس مؤسس المدرسة الحديثة في الموسيقى الأوبرالية.  

3- أوبرا عايدة: قصة مخطوطات مصرية قديمة

في ممفيس بمصر القديمة، وتحديدًا في القصر الملكي لفرعون مصر، يصل إلى علم رئيس الكهنة تهديد إثيوبيا لوادي النيل، فيقرر الفرعون إرسال جيش مصري على رأسه قائد الجيش المحب لابنة ملك إثيوبيا «عايدة» والتي وقعت في أسر المصريين، ليذهب حبيب عايدة ليقابل جيش والدها الملك قائد جيش الحبشيين الذي كان متجهًا لطيبة لاستعادة ابنته الأسيرة، والتي ما إن علمت بذلك، اعتصر قلبها اضطرابًا وألمًا، فحبيبها سيواجه والدها في قتال.   عصر الشك قلب أمنريس ابنة الفرعون نحو عايدة، وفرضية حبها لقائد الجيش، فنصبت لها فخًا وخدعتها بأن رادميس حبيبها قد قُتل في المعركة مع والدها، فلم تستطع عايدة التماسك وانهارت في بكاء شديد وصريخ حزنًا على حبيبها، لتتأكد أمنريس من حب عايدة له، فعادت وأخبرتها بحقيقة عدم وفاته، وحذرتها من تعدِّي حدودها كأسيرة وجارية للمصريين، بأن تحب قائد الجيش، واستمرت في استفزازها؛ ما دفع عايدة للتمسك بكونها أميرة حبشية، وليست لعبة في يد هذه الفتاة.   عاد جيش مصر منتصرًا على جيش الحبشة، وعاد القائد المحب يجر والد عايدة، الملك، أسيرًا معه، وفي حفل ضخم تم استعراض الأسرى وبينهم والد عايدة، واختلف الرأي بين كبير الكهنة الذي طالب بإعدام كل الأسرى، وقائد الجيش الذي طلب الإبقاء على حياتهم وإطلاق سراحهم كمكافأة من الملك له على نصره، ليوافق الفرعون على طلب الأخير.   انحرفت قصة الحب كثيرًا عن مسارها الطبيعي، فبينما كانت عايدة على موعد مع حبيبها، يسترجعان حبهما، وحنينها لوطنها المحتل من المصريين، ويخبرها رادميس بخطته للنصر، وتحريره لها، والزواج منها مقابل نجاحه، طلب والد عايدة من ابنته استغلال هذا الحب والتجسس على قائد الجيش راميس ومعرفة خطته العسكرية.   رفضت عايدة مرارًا طلب والدها، لكنها رضخت أمام اتهامه لها بالخيانة والتفريط في وطنها وشعبها، لتقرر عايدة خداع حبيبها، فاستدرجته بينما والدها مختبئ؛ لإخباره برغبتها في الزواج منه بعد انتصاره القادم على الحبشيين، وحاولت إقناعه بالفرار معها لبلدها، وسألته عن الطريق الذي سيسلكه إلى هناك، فيظهر والدها ويعرف المحب أنه وقع في الخديعة، وحاول والد عايدة قتله بخنجر، ولكن المحب توسل إليهما بأن يتركانه يهرب فورًا، وتركه يواجه تهمته بالخيانة لإفشائه أسرارًا عسكرية.   يتم الحكم على قائد الجيش المحب بتهمة الخيانة، وتخيره ابنة الفرعون بين إعدامه والتخلي عن حب عايدة، لكنه يرفض عرضها معلنًا حبه لعايدة، فيسوقه الكهنة إلى قبره ليدفن حيًا، وبمجرد دخوله قبره وجر الصخرة فوقه، يرى عايدة وقد سبقته إلى القبر للموت جانبه، وتبع ذلك محاولات فاشلة من المحبّين بتحريك الصخرة الضخمة ليستسلما لمصيرهما، ويواجهان الموت سويًا.   كان عالم الآثار الفرنسي أوجست مارييت والذي تم تعيينه مديرًا للآثار فى عهد الخديوى عباس عام 1858؛ قد اكتشف مخطوطة قديمة مكونة من أربع ورقات في وادي النيل، كتب على إثرهم قصة «عايدة”، وصاغها شعرًا الإيطالي أنطونيو غيالانزوي، وألف موسيقاها جوزيبي فيردي الذي تلقى أجره عليها من الخديوي إسماعيل حاكم مصر، من أجل عرضها في حفل افتتاح قناة السويس ودار الأوبرا الخديوية عام 1869.  

4- أوبرا مانون ليسكو: ألم أن تعشق خائنة

في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، بينما تمر عربة تحمل نساءً عاهرات إلى المنفى في لويزيانا الأمريكية، وقف بطل القصة دي جرييو الشاب يحكي ويعترف بالكثير لعجوز لا تعرف اسمه الحقيقي، فالبطل شاب، تم نفي حبيبته من أوروبا إلى أمريكا، وسافر يتتبعها في طريقها، الشاب الذي عشق وهوى مانون الفتاة الفاتنة التي قابلها وقتما كان هاربًا من أسرته، وينهي دراسته للفلسفة في مدينة «أميان» في شمال فرنسا، وبادلته الفتاة على حبه حبًا، ولكن حقيقتها تمنعها من الاستمرار في ذلك.   تعشق مانون نفسها أكثر من حبيبها، وبينما هي تهرب معه إلى باريس مختبئين بعيدًا عن أسرة الشاب وعشيق مانون القديم، ارتبطت مانون بعجوز ثري لإرضاء رغباتها الدنيوية وتحسين وضعها، حتى علم حبيبها بخيانتها له، فواجهها بمعرفته خيانتها، لتشي به عند أسرته وتعرفهم مكانه،؛ ما يجعل أثر خيانتها على قلبه مضاعفًا.   يقع الشاب في هوة من اليأس والضجر، ويتجه لدراسة اللاهوت في السوربون، وفي نفس الوقت تعود له مانون نادمة، فيغفر لحبيبته، ويختبئان من جديد في مدينة شايو، إلا أنها كحقيقتها تعود ثانية لخيانته بتواطئ مع أخيها للنصب على كهل ثري، ثم ابن هذا الثري، لتتفاقم الأمور وتصبح أكبر من قدرة الشاب على التحمل والغفران.   تلقي السلطات القبض على مانون بهدف احتجازها مع العاهرات، ونفيها معهن إلى لويزيانا الأمريكية، وبالرغم من يأس الشاب المحب من محبوبته، إلا أنه يتبعها إلى منفاها، وهو ما منحهما الفرصة بعيدًا عن أي خطر من معارفهما لاستعادة علاقتهما، ولكن ها هو نفس الخنجر يضرب قلب المحب، فتدخل مانون في علاقة مع ابن حاكم ولاية لويزيانا؛ ما دفع الشاب إلى مبارزته وإصابته، وجر حبيبته للهرب من فعلته، حتى تموت معه في الصحراء من شدة التعب، فيدفنها ويعود إلى فرنسا باكيًا على حظه في الحب وسنوات شبابه التي ضاعت.   كتب أنطوان فرانسوا بريفو روايته هذه ونشرها عام 1731، واعتبرها الجميع قصة حياته الحقيقية، مستشفين ذلك من أجزاء سابقة من مذكراته، ما زاوج بين عاطفة ذاتية عميقة ونزعة واقعية سعى فيها الكاتب إلى لمس الحس الأمريكي المفعم بالواقعية والمفتقد للعاطفة. وكان أول من أعلن تشابه الرواية مع حياة كاتبها كان جاكومو بوتشيني الذي قرر تلحين هذا النص الأدبي بقطع موسيقية تعكس كل منها مدى اضطراب الأحداث، وتعد أغنيات مستقلة وجهها المحب لمحبوبته الخائنة في كل موقف يمر به.   قصة الشاب المحب، للفاتنة مانون التي لا تقاوم، اعتبرها النقاد رحلة في أعماق النفس البشرية وتناقضاتها، وقد كتبها بوتشيني في الخامسة والثلاثين من عمره؛ بغرض عكس الاتجاهات الفلسفية والإيقاعية لمرحلة ما بعد الرومانسية واستحداث عناصر جديدة على الدراما الإيطالية، مثل الواقعية والرموز اللحنية المتكررة إلى جانب التعبير الموسيقي البارز عن المشاعر الإنسانية، والحب هو وعد عاطفي لما نعيشه ويبقى محفورًا في القلب حتى الموت.  

5- أوبرا لا توسكا: عن امرأة أحبت حتى الموت

في كنيسة سانت أندريا يتجول حارس الكنيسة بمشيته العصبية متململًا من ريشات الرسم التي تركها على الأرض الرسام ماريو كافارادوسي، دون ترتيب كعادته كل يوم، بينما ماريو منشغلًا برسم لوحة لامرأة جميلة تشبه العذراء مريم المجدلية، لينبهر بها حارس الكنيسة، ويخبره بأن امرأة تأتي لتصلي كل يوم تشبه تمامًا المرأة التي باللوحة، وبالضبط هي الماركيزة أتافنتي، والتي تغار منها فلوريدا توسكا، عشيقة الرسام ومغنية الأوبرا.   وقتما يكون الرسام ماريو منشغلًا بفنه، يلجأ له صديقه أنجيلوتي هاربًا من رئيس البوليس سكاربيا (صورة مجازية لنابليون الذي نصب نفسه إمبراطورًا عام 1804) وطالبًا للاختباء، فيساعده صديقه، ويمنحه سلة الطعام التي تركها له حارس الكنيسة، الذي يكتشف أمر الهارب، ويخبر رئيس الشرطة بمساعدة ماريو له، كما يمنحه الحارس حق التفتيش بغرفة ماريو.   في غرفة ماريو يقابل سكاربيا توسكا المحبة للرسام، ويقول لها: إن الكنيسة أصبحت مرتعًا للعشاق المنحلين، ويظهر لها مروحة يد خاصة بالماركيزة أتافنتي وجدها بالكنيسة، ليثير الغيرة والحقد في قلب توسكا، فتبكي بذل متوعدة منافستها على قلب حبيبها، ويتظاهر سكاربيا (نابليون) بمواساتها واحتضانها، وبعد مغادرتها يأمر مساعده بتتبع خطواتها.   في جناحه يجلس رئيس البوليس يتمنى شنق ماريو الرسام، وصديقه الهارب، ولكن يفشل مساعديه في القبض على الهارب، فيقبضون على ماريو بدلًا عنه، ويعذبونه ويرفض الاعتراف بمأمن صديقه، فيستغل سكاربيا عشق توسكا لحبيبها، وأدخلها غرفة التعذيب؛ لتجد حبيبها ينزف بشدة، ولكن يرجوها ألا تفشي سره، ولخوفها عليه تعترف بعنوان منزل ماريو، والذي من المحتمل أن يخبئ به صديقه الهارب، معتقدة بأنهم سيطلقون سراح حبيبها بعد القبض على الهارب، ولكن سكاربيا يحكم بإعدام ماريو لتستره على مجرم.   تتوسل توسكا لاسكاربيا كي يترك سراح حبيبها مقابل أي شيء، فيجيبها أنها هي نفسها المقابل، فتوافق توسكا من أجل حياة ماريو، وتغني أغنية (عشت للفن.. عشت للحب) معبرة عن تمزقها الداخلي، ويأمر سكاربيا حرّاسه بإعدام ماريو إعدامًا صوريًا فقط أمام الحاضرين، بنظرة منه لا تفهمها توسكا، وفي الوقت نفسه يدخل مساعد سكاربيا ليخبره بأن أنجيلوتي الهارب انتحر بالسم قبل القبض عليه.   تطلب توسكا من سكاربيا تصريحًا للخروج من البلاد مع حبيبها ماريو، فيوافق سكرابيا ويوقع عليه، ويقترب ليحتضنها فتغمد خنجرًا في قلبه كانت قد خبأته، فيسقط تحت أقدامها ميتًا وتهرب هي بالتصريح مع موسيقى نهاية الظالم، وتنتقل الموسيقى لسجن قلعة سان أنجلو، حيث يغني ماريو الرسام متذكرًا ماضيه، حتى تدخل عليه توسكا بالتصريح، وتطمئنه لأنّ الحرس سيطلق عليه رصاصًا وهميًا، وعليه ادعاء الموت، ومن ثم يهربون خارج البلاد.   يساق ماريو لحائط الإعدام ويرفض تغمية عينيه، ثم يطلق عليه الحرس الرصاص، ويسقط على الأرض، وبعدما تتأكد توسكا من رحيل الجميع تقترب من حبيبها وتطلب منه عدم الحركة، وتحدثه فلا يجيب عليها ولا يحرك رمشًا، وتكتشف أنه ميت؛ فتبكي بأسى فوق جثمانه، ويدخل الحرس نحوها بعد كشف جريمة قتلها، فتصرخ (سكاربيا، سأواجهك أمام الله) ثم ترمي بنفسها من فوق سور القلعة.   تعد مسرحية الكاتب الفرنسي فكتوريان ساردو (لاتوسكا) من أفضل الأمثلة على هذا الصراع، وأغرم بها جياكومو بوتشيني وحولها إلى عرض أوبرالي. تدور أحداث أوبرا لاتوسكا عام 1800، في روما العاصمة الإيطالية، وتسجل أحداثًا واقعية أوروبية جسدتها حروب بين العقيدة والتطور الثقافي لدول أوروبا، خاصة إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، وبعد أن أعلن نابليون في عام 4081 تنصيب نفسه إمبراطورًا في كاتدرائية نوتردام؛ ما جعل الموسيقي بيتهوفن يُمزق إهداءه الذي وضعه تكريما لنابليون في  

مقدمة سيمفونيته الثالثة.

خلدت هذه الحروب صورة واقعية لاستبداد ووحشية الساسة والطبقة الارستقراطية، وصورة الديانات الكاثوليكية المعبرة عن الغيبيات مقابل الواقعيات، وهدم أساطير المعتقد الديني التقليدي، وخاصة بعد الاستقلال الأمريكي عن بريطانيا كحادثة ذات مغزى لتغيير طرق التفكير وسقوط الألقاب والممتلكات الموروثة بصفات النبيل، والبارون، والماركيز وغيرها من تفاهات بشّر بها الإصلاح الديمقراطي الأمريكي.     ساسه بوست


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية