“مداد” ينشر دراسة مفصّلة عن مصادر محتملة لتمويل إعادة إعمار سورية
تشير التقديرات الحكومية ممثلة باللجنة العليا لإعادة الإعمار إلى أن تكلفة الأضرار المباشرة وغير المباشرة للحرب على سورية، قد وصلت إلى 43 تريليون ليرة سورية، وهي مبنية على أسس سابقة وليست راهنة. فيما تفيد الإحصائيات الصادرة عن بعض الجهات المحلية بالإضافة إلى مراكز الأبحاث والمنظمات والمؤسسات الدولية، أن التكلفة تتراوح بين 250 و300 مليار دولار أمريكي. وفي دراسة أصدرها اليوم (الأربعاء) مركز دمشق للأبحاث والدراسات مداد بعنوان “تمويل إعادة الإعمار-الاحتياجات والمصادر المحتملة” طرحت سؤالاً محورياً، من أين ستؤمن الحكومة السورية هذه الكتلة المالية الضخمة اللازمة لعملية إعادة الإعمار؟ وهو ما يعادل أكثر من أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسورية المسجل بالأسعار الجارية في العام 2010 (60 مليار دولار أمريكي) العام الذي سبق الأزمة. قسمت الدراسة مصادر الحكومة السورية المحتملة لتمويل إعادة الإعمار إلى داخلية “الموارد الذاتية، والاقتراض الداخلي” وخارجية تضم الاقتراض الخارجي، الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أموال المغتربين السوريين في الخارج. وعالجت الدراسة عدّة فرضيات مع حساب المبلغ الناتج عن كل مصدر ممول محتمل، ففي حال استعاد الاقتصاد الوطني قدراته ما قبل الأزمة، سيُسهم بمبلغ يتراوح بين 8 مليار دولار أمريكي (إجمالي الانفاق الاستثماري) إلى 13 مليار دولار أمريكي (إجمالي الإيرادات العامة). وفي حال عودة قسم كبير من أموال المصارف السورية الموظفة في الخارج على شكل ودائع وأوراق مالية بسبب غياب فرص التوظيف المجزية والآمنة في الداخل طوال مدّة الأزمة، فتُقدّر بنحو 1,2 مليار دولار أمريكي. خصوصاً أن البيئة التشريعية الناظمة لعملية الاقتراض من السوق المالية المحلية، متوفرة بصدور المرسوم التشريعي رقم 60 للعام 2007. وبالانتقال إلى مصادر التمويل الخارجي التي يمكن للحكومة السورية الاستفادة، جاء في الدراسة أنه يمكن اللجوء إلى طرح سندات الخزينة للاكتتاب العام في الأسواق العالمية وبالعملة الأجنبية، كما يمكن إبرام اتفاقيات للحصول على قروض ميسرة أو تسهيلات ائتمانية مباشرة مع دول صديقة كروسيا والصين وإيران والهند. ومن ضمن الممكن أيضاً عقد مؤتمر دولي للمانحين تشارك فيه دول ومنظمات عديدة يهدف إلى تأمين التمويل اللازم لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، بالإضافة إلى أنه يمكن أن تكون المصارف الإقليمية والعالمية أحد مصادر التمويل والاقتراض الخارجي من خلال إقراض شركات عالمية. وإن افترضنا الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت إلى سورية قبل الأزمة مع حجم الاستثمارات التي استمرت بالتدفق إلى دول المنطقة والجوار لاسيما لبنان والأردن ومصر كمصدر ممول فإن حجمها يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار أمريكي. أما عودة أموال السوريين المغتربين في الخارج فيُقدر حجمها بـ 20 مليار دولار أمريكي كحد أدنى، نتيجة عودة تلك الأموال التي غادرت بفعل الأزمة و30 مليار دولار أمريكي، نتيجة القدرة على استقطاب 10% من الأموال السورية الموجودة في الخارج. وتخلص الدراسة إلى أنه بجمع مصادر التمويل المحتملة يتراوح الناتج بين 74 و113 مليار دولار أمريكي تقريباً وهو ما يغطي ما بين 38% و58% من تكلفة إعادة الإعمار، وفقاً للتقديرات الحكومية البالغة 195 مليار دولار أمريكي (مايعادل 43 تريليون ليرة سورية). في حين تنخفض هذه النسبة لتصبح ما بين 30 و 45% من تكلفة إعادة الإعمار، إذا ما اعتمدنا على التقديرات غير الحكومية والتي تصل إلى 250 مليار دولار أمريكي وسطياً. مع الإشارة إلى أن هذا الرقم يمكن أن يزداد بشكل مطّرد، بفعل الإمكانات الكامنة للاقتصاد السوري والمتمثلة بالاكتشافات النفطية والغازية في الساحل السوري والتطور المتوقع للقطاع الصناعي بشكل خاص. بالإضافة إلى التمويل الخارجي المتوقع الحصول عليه من قبل الدول والمنظمات المانحة في حال التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية متوافق عليه دولياً. لا شك في أنَّ عملية إعادة الإعمار بما تتطلبه من موارد وإمكانات مالية وبشرية وتقنية، وبما ستستغرقه من وقت (من 5 إلى 10 سنوات تقديرياً) تعد بمثابة مشروع اقتصادي عملاق ولابد في من تحديد الكيان التنظيمي المسؤول عن إدارته والإشراف عليه، الأمر الذي يستدعي وجود هيئة مستقلة، تتبع مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء تسمى “هيئة إعادة الإعمار والتنمية” تسخر لها كافة الطاقات والإمكانات، وتكون بمثابة بوتقة تنصهر فيها جهود جميع الجهات المعنية بشكل مباشر بعملية إعادة الإعمار. المصدر: مداد