مداد يفرد أوجاع الطبقة الوسطى على الورق.. ويقترح الاستفادة من دروس الحرب والاستثمار في التعليم
سلّط مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» الضوء على واقع الطبقة الوسطى في سورية، عبر دراسة حديثة مفصّلة أعدّها الباحث الأكاديمي الدكتور كريم أبو حلاوة بعنوان «الوضع الراهن للطبقة الوسطى في سورية». تطرّقت الدراسة إلى التحديات المؤسساتية للطبقة الوسطى، مشيرةً إلى المحاولات الجادة لإجراء الإصلاح المؤسساتي الحاضن لعملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وترى أن المحاولات اتسمت بالتباطؤ، وأدت إلى أن تواضع نتائجها، إلى جانب مقاومة عملية التحديث من جانب بعض الجهات المتنفذة بسبب تعارض المصالح أو الفساد، فقد واجهت عملية إصلاح البنية المؤسسية أربعة تحديات رئيسة، يتمثل الأول، بالتحدي القانوني المتمثل في تواضع تأثير التشريعات المستحدثة في التشريعات القائمة ومدى تطبيقها في المؤسسات القائمة. أما التحدي الثاني فيتعلق بالجانب المؤسسي المتمثل في تواضع مستوى المرونة والقدرة على استيعاب تعديلات نوعية في وظائف المؤسسات القائمة. أما الثالث، فهو التحدي المتعلق بالموارد البشرية والمتمثل في عدم فاعلية برامج بناء القدرات اللازمة لحصول النقلة الإصلاحية التي تتيح تبني أنساق الممارسة المؤسسية التي قوامها المساءلة الجادة والشفافية الدقيقة. أخيراً، التحدي التقني المتمثل في ضعف نظم المعلومات والاتصالات المنسقة لمؤسسات الدولة. أشارت الدراسة أيضاً إلى أنه لم يتسن للقطاع العام السير بخطا ثابتة نحو إعادة الهيكلة، بغية أن يؤدي إلى أداء أكثر كفاءةً وفق أولويات الإصلاح الإداري والتنظيمي لجميع مؤسسات الخدمة المدنية، من أجل خلق ثقافة الشفافية والمساءلة. لكن بالمقابل وكنتيجة نهائية، حصل تحسن في بعض جوانب أداء المؤسسات العامة. تؤكد الدراسة أن الوصول إلى قدرات بشرية منافسة، لا يمكن أن يتحقق إلا بتوفير تعليم متميز ذي مخرجات نوعية لمتلقيه، فلا بد من وضع الاستثمار في التعليم على رأس سلم الأولويات الوطنية. إذ يشكل الإنفاق على التعليم الأساسي والعالي، ادخاراً في المستقبل وهو يفوق بأهميته الادخار المباشر، فبمقدار ما نخصص موارد مالية وفنية للتدريب والتأهيل ولتعليم الموارد البشرية، ونستثمر في تنمية الرأسمال البشري وتجويد النوعية، بمقدار ما نملك رؤية تنموية تبحث عن الجدوى الاقتصادية والاجتماعية التي تتمثل في تعظيم طاقات البشر وحسن الاستفادة من إمكانياتهم راهناً ومستقبلاً. وترى الدراسة أن تحويل الاستثمار في التعليم إلى خيار سياساتي يتجاوز مسائل نشر التعليم وتوسيع قاعدته، صوب التركيز على نوعيته وارتباطه بحاجات ومستجدات سوق العمل، كي يسهم في رفع الإنتاجية، وتعظيم العائد من التعليم، بوصفه أحد محركات النمو الاقتصادي المستدام وأحد أهم أهدافه في آن معاً، وبذا تستعيد الطبقة الوسطى السورية الكثير من مزايا قوتها وألقها، فهي تمتلك القسم الأعظم من الكفاءات المتعلمة والمدرّبة والقادرة على ترسيخ مكانة المعرفة في المجتمع وتحويلها إلى أحد أهم عوامل الحراك الاجتماعي الصاعد. كما تقترح الدراسة الاستفادة من الفرص المصاحبة للأزمات، فالدروس المستفادة من الأزمة والحرب على سورية عديدة وعميقة وقد دفعنا فيها أثماناً باهظة، وقد غيّرت إلى هذا الحدّ أو ذاك فهمنا ومداركنا، وأجبرتنا على إعادة النظر نقدياً في العديد من القضايا وعلى رأسها أهمية التماسك الاجتماعي الذي تلعب الطبقة الوسطى دوراً أساساً فيه. وأشارت الدراسة إلى ما تواجهه شرائح واسعة من الطبقة الوسطى في سورية من قلق الهبوط إلى الطبقة الفقيرة، بسبب ما أصاب مصادر دخلها من مخاطر وأضرار تمثلت في خروج آلاف الورش والشركات والمعامل من العمل، وصولاً إلى القتل والخطف، إلى دفع الجزية والضرائب الباهظة في أماكن سيطرة الحركات الإرهابية المسلحة، هذا فضلاً عن قلق الخوف على أبنائها الذي دفع بالعديد منهم إلى الهجرة واللجوء والنزوح، أو الانتقال إلى المناطق الأكثر أمناً التي تقع تحت سيطرة الدولة. وتبيّن المعطيات المتوافرة أن أغلبية موجات اللجوء والهجرة إلى أوروبا بشكل خاص كانت من فئة الشباب الخريجين والحاصلين على تعليم جامعيٍّ عالٍ ومن ذوي الكفاءات، هذا ما ينطبق على الشباب الذين هاجروا من المناطق الآمنة نسبياً، الأمر الذي شكّل نزيفاً بشرياً وتنموياً حاداً، ذلك لأن إعداد كفاءة علمية واحدة يحتاج إلى مليون دولار ونحو 20 سنة، هذا إلى جانب ما ينطوي عليه ملف اللجوء من معاناة إنسانية وتجارة ومافيات وأجندات سياسية سوّقتها وروجت لها البلدان الأوروبية المستفيدة. وختمت الدراسة: إن الطبقة الوسطى السورية على اختلاف شرائحها وفئاتها ونظراً لما تملكه من امكانيات بشرية ومادية وتعليمية تبقى المرشح الأبرز في التقاط الفرص اللازمة للتهديدات، أي المشاركة بفاعلية في عملية إعادة البناء والإعمار، ويبقى دورها الأهم، الذي يشكل رهاناً تنموياً مطلوباً، هو المتصل ببناء قدرات الإنسان السوري لأنه سيكون خيارنا الأنجع في صياغة المستقبل. الوطن