تشكيل.. آيه شحادة في لوحاتها الأحدث.. تعريـة المكـان ورمزيـة السـمكة والبيت..
الأداء التشكيلي الذي تجسده الفنانة آيه شحادة، في حالات التكوين والتلوين، يبعدنا مسافات عن الإشارات الواقعية المباشرة، ويدخلنا في إطار الحالة الرمزية للبيوت والأسماك المبسطة والمختزلة والمتداخلة والمتجاورة، حيث يمكننا التماس عوالم الأحلام والرؤى الخيالية،
في خطوات متابعة جمالية الحركات اللونية والخطية العفوية، التي تأخذ حركات الأقواس والدوائر والمربعات وغيرها، وبتقنيات متنوعة تتخللها خطوط قلمية.
دراسة مكثفة
ولقد درست آيه شحادة الفن في محترفات كلية الفنون الجميلة - قسم الحفر وتخرجت منها عام 2012، كما تخرجت (من المركز الثقافي الروسي، ومركز أدهم إسماعيل، ومركز وليد عزت قسم الرسم والخزف) ولقد شاركت في عدة معارض وملتقيات، وهي تركز في لوحاتها لإظهار تقنية الخطوط العفوية بطريقة ذاتية، وتعمل على التشكيل الذي يستمد من اللون جمالية المساحة اللونية المتقشفة والمنطبعة من اللمسات الأولية المباشرة، وهذا يزيد من وضوح الرؤية التشكيلية الرمزية، في فراغ السطح التصويري، فلوحاتها تشكل مدخلاً لاستشفاف جوهر الرسم الرمزي والتعبيري، الأكثر عفوية في رموزه وخطوطه وألوانه وتقنياته ودلالاته الإيحائية.
والهاجس التشكيلي الشرقي يطل في أشكالها الخيالية، ويتنوع ويتداخل مع المساحات اللونية، حيث تطل أجواء البيوت القديمة، ونوافذها في خطوات بحثها عن إيقاعات تشكيلية جديدة، فرضتها وبشكل غير مباشر، تأملاتها لتلك البيوت، العابقة بالأشكال النباتية، والمتداخلة مع الأسماك، وهذا ما ترمز إليه أشكالها السمكية، حيث تتحول رموز العالم البحري إلى لوحة تشكيلية، لها علاقة بالتراث المعماري والفولكلوري والزخرفي.
كما أن طريقتها في وضع اللون (خطوط قلمية ومواد مختلفة) تمنح السطح التصويري شاعرية لونية، تظهر في أماكن متفرقة بسماكات متفاوتة، وهي تذهب إلى إدخال المشهد المعماري أو الجدار القديم في شاعرية لونية، نستطيع أن نرى من خلالها أسماكاً مبسطة وأشكالاً نباتية وزخرفية،، تتوافق مع ثقافة فنون العصر، كأنها من خلال تركيزها الدائم على هذه الموضوعات، تريد أن تكون شاهدة على مرحلة مشحون بالعنف والتوتر والاضطراب والسواد الكلي والمطلق، فوجود السمكة خارج الماء يشير إلى واقع غير طبيعي، وهذا يساهم في تحويل الصورة إلى رموز تشكيلية حديثة، تتكرر من لوحة إلى أخرى، في خطوات البحث عن حلول تشكيلية وطروحات ثقافية معاصرة، متزايدة الجرأة والعفوية، لتظهرعوالم داخلية ومشاعر ذاتية.
مطبوعات محفوراتها
وتبدو لوحاتها ومطبوعات محفوراتها (اختصاصها في كلية الفنون الجميلة) مشرعة على الأحاسيس الإنسانية المتوترة والقادمة من معايشة فصول الرعب والعنف والألم والدمار الشامل. ولهذا نعتبر مجموعة لوحاتها، المتداخلة مع جماليات اللوحة الحديثة، بمثابة صرخة احتجاج تجاه أهوال الحروب ومآسي الحياة الراهنة، التي نعيش فصولها اليومية، فالبحث عن فضاء معماري، فتح لوحاتها على احتمالات تعبيرية، تصل في أحيان كثيرة إلى حدود التعبير الرمزي، في مظاهر تحوير العناصر وخاصة الأسماك ورموز العمارة القديمة، والأشكال النباتية وغيرها، والذهاب بها إلى أقصى حالات التبسيط والاختزال، لتصل في نهاية المطاف إلى مناخات لونية وتعبيرية مشغولة بإحساس وعاطفة وانفعال متصاعد من إحساسها الداخلي، في أزمنة الحروب الراهنة، على اعتبار أن توترات الحالة الداخلية، مرتبطة بتوترات الحياة الخارجية. فالأشجار عارية، تحمل عراء الأمكنة المهجورة، والأسماك التي تظهر في بعض لوحاتها بهيكلها العظمي، تؤكد استحالة البقاء في هذا الفراغ والخواء والعدم.
فهي تعلن في كل مرة رغبتها في العودة إلى الواقع، الذي تستحضره بالمزيد من الإشارات والعناصر، بما فيها من تداعيات جمالية ونباتية وزخرفية ومعمارية، و تستعرض تلك العلاقة الحميمية بين حضور إشارات الأشكال وغيابها أحياناً، وبين اللون والوهج والسكون والحركة، ضمن هاجس إبراز الحوار اللوني، التي يقوم أصلا على التصادم الحركي، بين الإيقاعات المتنوعة على سطح اللوحة. بينما تظهر لمساتها اللونية العفوية، وكأنها مشروع للتعبير عن موسيقا اللون في ديمومته الإيقاعية والشاعرية. وهذه الطروحات بإطارها الجمالي تبرز قدرة العمل التشكيلي، على تحويل المساحة اللونية، إلى فسحة للحوار والتأمل والوصول إلى علاقة حقيقية مع الطروحات المتفاعلة مع الحياة الراهنة.
هكذا يرى المشاهد البيوت القديمة والأسماك والأشجار العارية والعناصر النباتية والزخرفية وغيرها، بطريقة مختصرة بأقل إشاراتها لدرجة محو كل العناصر غير المفيدة، وهذا ما يمنح عملها صفة المختصر المفيد. حيث يغيب الشكل الواقعي تماماً، وتبقى إشاراته التي تدل عليه بحركات وضربات ولمسات لونية عفوية تبحث عن صياغة تعبيرية مختصرة ومتقشفة.
هذا الكلام يعني أن أعمالها الجديدة تحمل هاجس البحث عن جماليات مختصرة، حيث تذهب إلى تحويل اللوحة من الصياغة المألوفة والمستهلكة، لإثبات الحضور الفني والذاتي والبحث التقني الصرف، الذي يعمل قبل أي شيء آخر، على إبراز جمالية التشكيل التأليفي والتلويني العفوي والتلقائي والفطري أحياناً، حيث تجدد ألوانها وتغير في مناخاتها وحركاتها بين لوحة وأخرى، من دون أن تخرج عن السياق الأسلوبي العام، الذي يتجسد على سطح اللوحة، بالانفعالات اللونية والخطية، فتتحول المساحة إلى حالة تعبيرية شديدة الالتصاق بشخصيتها وعوالمها الذاتية.
الثورة