الملحّن إيهاب مرادني: الشّارة المتميّزة لا تنقذ عملاً من فشله
للّلحن مكان في قلبه، زاوية من روحه تسكنها الأنغام، وتضيئها الكلمات.
فتح للفن يديه، ففتح له الفن أوسع أبوابه، ومع رقصة الحباري كانت البداية، لتتوالى بعد ذلك الألحان والشّارات، فكانت وردة لخريف العمر، ومخالب الياسمين، وحاجز الصّمت. ولم تقف النجاحات عند ذلك، فقد كانت في انتظار الياسمين، الذي لحّن شارة البداية والختام له، وكان هذا العمل قد حصل منذ فترة على الميدالية الذهبية، وشهادة إيمي أوورد
إنّه الملحّن والمؤلّف الموسيقي إيهاب مرادني، الذي التقته «الوطن» في الحوار التالي:
لمَ تبرز شارة العمل وتأخذ الشهرة أكثر من الموسيقا التصويرية على الرغم من الجهد والعمل المبذول لإنجازها؟
غالبا ما ينفّذ الملحّن ذاته شارة العمل والموسيقا التصويرية، في الفترات الأخيرة، أصبحتا منفصلتين، ولكن المطب الحقيقي الذي وقعت به الشارة حاليا، أنها قد تحولت إلى أغنية غالباً ما تكون بعيدة عن العمل الذي صنعت لأجله، فالدور الرئيسي والأهم للشارة هي تلخيص العمل وإعطاء فكرة عنه ممزوجة بحكمة أو مقولة أو حتى نصيحة توجه للمشاهد من خلال أغنية لا تتجاوز ثلاث دقائق ونصف الدقيقة، وأيضاً أن تظهر جمالية العمل والخطوط الأساسية فيه، وتجذب المشاهد لمتابعة حلقة كاملة.
هل ترى شارة العمل هي العنصر الأساسي الذي يحقق الشهرة والانتشار لهذا العمل وهي التي تجذب المشاهد لمتابعته؟.
للعمل مقومات أساسية تؤدي للنجاح، والشّارة المتميّزة لا تنقذ عمل من فشله، ولكنها تدعم هذه المقومات، ولو فرضنا أن الشارة جذبت المشاهد ليتابع عمل فإن هذا الجذب يكون قصير المدى مالم يكن العمل جميلا ويستحق المتابعة حقا.
في الفترات الأخيرة كثر وجود عدد كبير من المطربين العرب في شارات الأعمال الدرامية السورية، لم لا يلتفت مخرجونا ومنتجونا للمطربين السوريين ليقوموا بأداء شارات هذه الأعمال؟
السبب هو الجمهور، فللنجم العربي جمهور كبير جدا، وحين يقوم هذا النّجم بغناء الشارة نكون قد استقطبنا جمهوره، وبالتالي نحقّق للعمل نسبة مشاهدة كبيرة، وخاصة أن كل عمل حتى ولو صنع داخل سورية فإن الهدف منه ليس الشريحة السورية فقط، بل الشريحة العربية، نحن نمتلك مطربين على مستوى عال من روعة الصوت لكن شهرتهم سوريّة فقط، فلا يوجد لدينا صناعة حقيقيّة للنّجم.
لمَ لا يوجد لدينا صناعة نجم، وكيف تتم هذه الصناعة؟
صناعة النجم عمل مهم لكي يصل إلى الشهرة المطلوبة، س من الناس نجح في برنامج مواهب لا على التعيين، تبدأ شركات فنيّة متخصّصة باحتكاره وبصناعته، خلال فترات متقاربة تستضيفه عدة برامج، يوقع على العديد من الحفلات في أماكن مختلفة، تنتج الأغاني له، هذا هو مايسمى الصناعة، وبالمقابل هناك من نجح في هذه البرامج ولم تتم صناعته بشكل صحيح، فخبا نجمه وكأنه لم يكن، وبالتالي كانت شهرته مؤقتة.
هل يمكن أن نقيس ذلك على الدراما أيضا، وهل يمكن أن نعتبر أن صناعة النجم في الدراما مماثلة لصناعته في الغناء؟
الدراما السورية دعمت إلى حد ما نجوم التمثيل لديها، وأوصلت العديد منهم إلى العالم العربي من خلال أعمال قوية، أما فيما يخص المطرب فلا يوجد مطرب سوري غنّى شارة عمل ووصل من خلالها إلى النّجومية العربية، فكما تدرس الدراما وهناك من يقوم على متابعتها بأخطائها وصوابها، يجب أن يكون للمطرب السوري نصيب من هذه العناية والمتابعة.
حين تتم صناعة مطرب سوري حقيقة فإن معظم شركات الإنتاج السورية ستتجه بالتأكيد له دون غيره حين تجده يحقق لعملها النجاح والشهرة والفائدة ذاتها التي يحققها المطرب العربي.
هل ينال صناع الموسيقا التصويرية للأعمال الدرامية السورية الأجر المادي الذي يستحقونه؟
بالطبع لا، بمقارنة بسيطة بين الأجور في سورية والأجور في باقي الدول الأخرى نجد أن الأجور السورية هي الأدنى على الإطلاق، على الرغم من تفوق الجودة السّورية على غيرها، هذا ينطبق على الفن عامة وليس فقط الموسيقا التصويرية.
هذه الفوارق الكبيرة في الأجور كانت سبباً أساسياً دفع الشركات العربية، قبل الأزمة، لتنتج أعمالها في سورية، أي إنها تنتج عملا بجودة كبيرة، وبكلفة أقل.
في السّابق كان الأجر منطقياً إلى حد ما، الآن ما أتقاضاه كملحن أكبر ممّا كنت أتقاضاه قبل الأزمة كرقم، ولكن كقيمة فإنّه أقل منه، بمنطقية أكثر نقول إن هذه الأزمة هي أزمة على الجميع، مخرج ومنتج وكل ذلك، في السابق كان المنتج ينفق المبلغ الفلاني لإنتاج مسلسل، ويحصد ضعف ما أنفقه، بسبب بيعه لعدد كبير من المحطات، الآن فقد تغير ربح المنتج أيضاً، فأغلب القنوات التي كانت تشتري الأعمال السورية، قاطعتها في الوقت الحالي، وهذا ما يفسر خسارة عدد كبير من الأعمال السورية، في المقابل بقي عدد قليل من المحطات التي تشتري الأعمال السورية، التي استغلّت هذا الوضع فأصبحت تدفع مبالغ زهيدة.
كل من يعمل الآن في سورية، في هذه الظروف يحترم ويقدر، ويجب على الجميع أن يتعاونوا في ذلك، كملحن من واجبي أن أكون منطقيا في الأجور التي أطلبها، وعلي أن أقدر ظروف المنتج وظروف التسويق، وعلينا أن نتذكر أن عملنا هو جزء من صمودنا وبقائنا.
دائما ما نلاحظ ضمور اسم الملحّن الذي يلحن لعمل، سواء في الموسيقا التصويرية، أم في الشّارة، على الرغم من إدراك الجميع أن النجاح هو موضوع تكاملي بين جميع عناصر العمل، وإن حدث شيء من الشهرة فهو للمطرب الذي يغنّي الشارة، ما السبب في هذا الضمور برأيك؟
في السنوات الأخيرة بفضل تطوّر وسائل الإعلام والتّواصل المتعددة، سلّطت الأضواء على الفنانين الذين يعملون في الخفاء، وازدادت الثقافة الفنية لدى المتلقي فبدأ المشاهد يعرف المجهولين الذين يشاركون في صناعة ونجاح العمل، ولكنّنا مع ذلك بحاجة إلى مزيد من الفعاليات الفنية، التي تعزّز هذه الثقافة وتسلّط الضوء على جميع صنّاع الأعمال الفنية، كإيهاب مرادني لا أشعر أن هناك ظلما أو نسيانا للملحن، فلدي ظهور جيد في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو حتى المكتوبة.
السعي وراء الربح المادي، سبب إخفاق الدّراما
من المخرج الذي يتمنّى إيهاب مرادني العمل معه، طبعاً ممن لم يعمل معهم حتى الآن، والسّبب في ذلك؟
حاتم علي، الليث حجو، المثنى صبح.
أي ملحن في العالم يتمنّى أن يلحّن لعمل يأخذ جماهيريّة كبيرة على مستوى العالم، وهؤلاء المخرجون الثلاثة في أغلب الأحيان أعمالهم تحقق جماهيريّة واسعة، وعندما ألحن لأحد هذه الأعمال، فإن انتشار العمل كدراما يحقق له الانتشار كموسيقا.
للرّقابة دور سلبي أحياناً
الفن مرآة أي بلد، وهو من المظاهر المهمّة في إيصال صورة البلد إلى أنحاء العالم، برأيك، هل يسير الفن في سورية في الطريق الصحيح الذي يجعله على مستوى هذه المسؤولية؟
في أعمال قليلة فقط، على مستوى الدراما أعتقد أنّنا وقعنا في مطب كبير، فما قبل الأزمة كان تمويل الدراما في جزء كبير منه تمويلاً خليجياً، ماسبّب ظهور أعمال عديدة أساءت إلى صورة المجتمع والشعب السوري، والحق أنني لا أبرّئ ماحدث، فقد كان هذا التّشويه مقصوداً من بعض جهات التمويل، ولكنّنا تعاملنا معه كصناعة أعمال، بحكم أن هذه الأشياء موجودة في كل مجتمع ولو بنسب قليلة.
بعض شركات الإنتاج التي تنظر إلى الدراما كربح فقط، وجدت أن هذه الأعمال حققت مشاهدة أكبر، فاستمرت في إنتاجها خلال الأزمة.
الوطن