بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

جراحات الترهل الإعلامي.. هل تشفى سريعاً؟

السبت 04-02-2017 - نشر 8 سنة - 5910 قراءة

الترهل والتهدل وغير ذلك من مرادفات بائسات خطيرة هي بالمجمل أمراض عصية قديمة الوجود لها ذيول وانعكاسات كثيراً ما نراها تصيب الأجساد والعقول، وتصيب النظام الاجتماعي العام، تخلُّ بمسارات النجوم والأقمار وكل مناحي الفضاء، تتزاحم في أنماط الكتابات وتتوغل في المعتقدات، تتمشى وسط الشوارع والحارات، تسيطر على المناهج وتتجلى في بعض قوانين القضاء وفي الكثير من الإدارات والقرارات، حتى في المنظمات الأممية نرى الترهل متربعاً أفخم المقاعد بكل شطط واستهتار. ومشهد الترهل في الواقع يلخص حكايا الفوضى البشرية منذ أن خلق الإنسان عارياً بلا منازل ولا عمران ولا حروف ولا قصائد ولا قدرة على الانتقال من مكان لآخر وهو يقطن الكهوف ويستر عورته بأوراق التوت، ويقتات مما يقع تحت يده من حشائش وأعشاب، وهكذا إلى أن أصبح اليوم من رواد المريخ بعد أن ضاقت الأرض من انتقال الكائن البشري من التفرد إلى الاجتماع، ومن البداوة إلى الزراعة وإلى التمدن والصناعة والعمران، ومن عبادة القمر والشمس والبحر والحجر إلى البحث عن الذات الإلهية التي انتهت بإفراز الأديان وظهور الكثير من المذاهب والفلسفات وولادة سياسات بزوايا حادة أو منحرفات والقائمة تطول.

المهم من تلك المقدمة التي استحضرت بها ملامح من تلك النقلات الهرمية، أسأل: هل انتقل الإنسان من حال لأخرى من دون المرور بأنفاق الفوضى والنظريات المتعددة التي كان يُعمل بها حيناً ثم تُستبعد؟ بما يعني أن الترهل كان في التطور حاضراً ولولاه لما ارتقى الإنسان إلى الحالة الفضلى التي ربما لن تكون النهائية وربما ستتحدث الأجيال في القادم من الأيام عن إنساننا المعاصر بأنه كان متخلفاً جاهلاً غارقاً في البؤس معاقراً الشقاء؟! هكذا هو علم العمران الذي تحدث عنه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة منذ قرون وقرون، المهم أنه في حياتنا الشخصية وفي منازلنا وقراراتنا اليومية الكثير من الترهل الذي صنعته فوضى الانتقال من حالة لأخرى في سعي دؤوب ليتحقق الاستقرار الضامن للأفضل من المسارات الحياتية، ولو بشكل آني ونسبي. ونظرة إلى بيوتنا توضح الحقيقة التي أود نقلها، فكم من أشياء تافهة وقبيحة أصبحنا مؤخراً نتلفها ونرميها بعد أن كانت تبهرنا وتنال إعجابنا لكننا مع التقدم والتطور وظهور المقتنيات الأكثر جمالاً وأروع نتاجاً أصبحنا نريد التخلص من الترهل في منازلنا فنستبعد ما لا نحتاجه ولا يخدمنا كي نرفع من مستوى تحضرنا وهذا ما ينطبق على مظهرنا وصحة أجسادنا، ومرورنا أحياناً ببدانة أو سمنة غير محببة وظهورنا بثياب غير لائقة لا تتناسب مع متغيرات عالم الموضة ومن هنا نبدأ بإزاحة مظاهر الفوضى من كل محطات وجودنا وصولاً إلى الأفضل والأجمل والأمثل وفق الميزان المعاصر، وما تعتدل في كفتيه الكثير من الأمور، علماً أنه لا شيء ثابتاً في طوابير التطور والمضي إلى الأمام.  في نقلة نوعية صدرت قرارات إعلامية تقضي بضم بعض القنوات إلى بعضها، وفق خطة ما للتخلص من مآسي الترهل التي تتغلغل في حنايا المنزل الإعلامي الكبير، وهذا يعد من أفضل القرارات التي صدرت خلال الأزمة في سورية (الممتدة على ست سنوات) وأشدها جرأة وتشذيبا للأشواك التي أصابت ثقافاتنا البصرية بالبهتان، وسرقت رهافة السمع من بعض الآذان، وخلطت الأفكار حتى اشتكت الأقدار.

هذه الحقيقة يجب أن نقر بها إن كنا نريد إنقاذ البلاد، وإنعاش الوعي المجتمعي، وتطوير الأداء الإعلامي بما يخدم قضيتنا السورية، ويأخذ بالفكر السوري إلى حدائق الحقيقة عوضاً عن بقائنا في صحارى الضلال والتغيب والتسويف، والظلمات تخنق حاضرنا وتشل تقديرنا لأمجادنا وثوابتنا، فإعلامي واحد يعمل بمصداقية تفاعلية شفافة أفضل ممن يعبثون بالفكر العام، والأزمة في سورية تحرق المواطن السوري فتشوي روحه وتدك معاقل معيشته والبعض مازال يريد الجلوس على منابر الإعلام ليمجده الآخرون وينظرون إليه بإجلال لكون الإعلام اليوم فاق كل مجال.  أن يكون في سورية عشرات القنوات ومئات الإعلاميين يضجون في غرفها ويتجمعون في الردهات والغرف من دون دفع عجلة التطور الإعلامي للأمام فهذا لا يغني من فقر، ونقل البعض لمواقع أخرى تناسبهم أفضل وأجدى نفعاً، خاصة أن بعض القنوات أصبحت رقماً لا تقدم جديداً، ولا تخدم قضايا المتلقي السوري، وأصبح دورها الإعلامي دون الحد الأدنى المطلوب من حيث إنه يفتقد لمواكبة إعلام الآخر ومنافسته بشكل عصري خاص بنا وغير مكرر. ليصح القول: إن هناك كثافة في الحضور مقابل انتكاس في الأداء المثالي والضروري والنهضوي… وعليه فإن استمرار هذه الحالة في مضخات الإعلام الوطني تعني استمرار الإعلام يتخبط في الترهل والفوضى، وأنه يحتاج إلى مقص جراح قلبه قوي كالصخر وفكره منير كالشموس والأقمار. وهذا ما حصل، قرارات وزارية صدرت بضم «قناة تلاقي» إلى قنوات أخرى، وكذلك الحال مع القناة الأرضية السورية التي استفزّ ضمها وإنهاء دورها كجسم إعلامي خاص، وعمرها يزيد على ستين عاماً، أجل استفز هذا القرار البعض ممن يرون أنها «أولى قنواتنا» وأنها «الذاكرة التوثيقية» للمراحل العديدة التي مرت فيها سورية فنياً وإعلامياً وعسكرياً، وهي من سجلت أحداث حرب تشرين التحريرية، من سمعنا صوت المذيع فيها يقول: «جاءنا البيان التالي..»، فيصمت الناس أجمعون، وهي من أرسلت للناس صور الطائرات الإسرائيلية تتهاوى على أراضينا السورية، وهي، وهي… هذا كلام صائب فالاعتزاز بانتصاراتنا وذكرياتنا البيضاء ومآثر البهاء أمر فاضل، لكن القناة الأرضية لم تنته بكل كنوزها النفيسات بمثل هذا القرار وبقي أرشيفها في خزائن مبنى التلفزيون محفوظاً ومكرماً وعزيزاً، وسيستعان به في الكثير من المناسبات.

وهنا لابد من التأكيد، من دون رياء ولا نفاق، أن إعلامنا في بداية الأزمة لم يكن على مستوى الحدث ما دفع البعض للهروب إلى قنوات أخرى، وهنا حدث الخلل التام بين ما يجري على أرضنا السورية من أحداث جسام وما تبثه القنوات الأخرى من تناقض بالغ، فتح المجال لانقسام الآراء بين مصدّق لأخبار مصدرة لنا ومستنكر لمزاعمها حتى إن الكثير قام بتشفير تلك القنوات من يوميات حياته.

ولو سألني أحد: وماذا بعد كل هذه القرارات؟!، هل رحل الترهل من دون عودة وباتت صحة الإعلام بلا وهن ولا اعتلال؟ لقلت، وأنا عاشقة للإعلام النزيه الشريف الصادق وكل ما يدفع بالقوى الإعلامية إلى المسار الصائب: لا، لأن هذا يحتاج إلى زمن وبذل المزيد من الجهود لإعلاء شأن إعلامنا السوري ليكون مواكباً الإعلام العالمي الذي أصبح أشد فتكاً بالعباد من أسلحة الدمار الشامل، بما عرّض بعض أبنائنا لحالات انفصام وقد حُقنوا إعلامياً بأخبار ممنهجة لتفتك بفكر مواطننا بطريقة قد لا يكون معها شفاء ولا برء!.  وهنا أصبح الواجب الوطني يتطلب امتلاكنا منصات إعلامية ضخمة صامدة وقويمة لتبقى في الحنجرة كلمات حق تريد القفز للسطور لأنني أرى رغم هذه الإجراءات، فإننا نحتاج إلى لملمة بعض البرامج ذات النكهة الواحدة، وخاصة برامج الحوارات التي تعددت نوافذها لزيادة أعداد المذيعين فيها، والحوارات تلك بقيت واحدة غير حيوية وتحمل الأسئلة نفسها والأسلوب والنمطية ذاتهما فتضيع مع هذه الإرباكات الأداءات المعقولة والنتاجات المقبولة. وقد لا تسعف إعلام أزمتنا المتعدد الأشكال والغايات ليستمر الترهل بشكل جزئي داخل بعض الغرف الإعلامية لأنه ليس نتاج اليوم بل هو تراكمات السنوات العابرات إلى حاضرنا من خلال الزحف الكبير الذي تشهده ساحات الإعلام لأشخاص بعضهم يريد الشهرة، وبعضهم المال، وفي كل الأحوال نحتاج الآن إلى خطط إعلامية جبارة متكاملة نوضح بها للعالم أخبار بلدنا والمغيب من حقائقنا ونؤكد فيها مدى وعينا المجتمعي.


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية