بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

لن تصدقوا ..العقل البشري ينـسحب من المستقبل!

الجمعة 20-01-2017 - نشر 8 سنة - 1197 قراءة

لحم، بواسطة تركيب الذرات ومركباتها، بطرق جديدة، ليست في سيرتها الأولى، واحدة واحدة، كقطع القرميد، بينما ستتجول رواصف أخرى داخل أجسامنا، في مجاري الدم، محطمة كل جسم غريب، أو مرض عضال، بما في ذلك الخلايا السرطانية، وستقوم الرواصف مقام الإنزيمات والمضادات الحيوية الموجودة في أجسامنا لقد تم تجاوز مرحلة تناول الأدوية والجراحات التقليدية كالمضادات الحيوية»، ويستطرد دريكسلر: سيكون بإمكاننا إطلاق جيش من الرواصف غير المرئية لتتجول في بيوتنا، فهي قادرة على تحويل الوسخ والغبار إلى ذرات يمكن إعادة تركيبها كمناديل ورق وصابون وأي شيء آخر .. ثم ماذا بعد؟ الله أعلم.

الإنسان رهن الأبحاث

يبدو جلياً أن العلماء قد عزموا على رهن مصير الإنسان بمنجزاتهم التكنولوجية، فلقد ورد في إفادات علمية موثقة أنه يمكن عبر تقنية النانو القادمة بقوة، صناعة خلايا أقوى 200 مرة من خلايا الدم، ويمكن من خلالها حقن جسم الإنسان بـ 10% من دمه بهذه الخلايا فتمكنه حينئذ من الركض لمدة 15 دقيقة من دون أي تنفس. الرواصف النانوية كائنات تكنولوجية جديدة، شديدة الذكاء والدقة والخبر العلمية طبعاً، تقوم بما لا يستطيع الإنسان القيام به إلا بشق الأنفس وطول الزمان دون هامش خطأ أو نسيان كما قد يفعل الإنسان. وهذا كله ليس الأهم، وإنما المخيف أو على الأقل المقلق، هو أن تلك الرواصف الصغرى ستتحكم في يوم في تركيب خلايا المخ البشري حينما يتم تركيزها على علم الأحياء ووظائف الأعضاء، بما يعني أن العقل البشري بات عرضة لإعادة صياغته بمواصفات جديدة بواسطة العقل الإلكتروني الذي يجسده الراصف الذري، فنكون يوماً قريباً بصدد إنسان محوّر تقنياً، يقع ربما في خانة وسطى، ما بين الإنسان الحالي والإنسان الاصطناعي، بل إن فكرة السوبر مان ستغدو ممكنة من خلال إعادة تركيب جزيئات الدماغ والدم والأعصاب بطرق أكثر مثالية. وهكذا يصبح مصير الإنسان في مهب رياح العلوم التقنية التي لا تعرف الحدود في طلب الأحدث والأقدر والأعمق والأشمل باعتبار أن ذلك هو الأفضل. وبالفعل ليس هنالك حدود.

إدمان التطوير

التطوير العلمي بات إدماناً لدى بعضهم، أضحى مطرداً بإيقاع سريع، وبالتالي فمن يضمن أن يسيطر الإنسان الطبيعي الذي يشبهنا الآن، على ذلك الإنسان القادم المعدل أو المطور تقنياً؟ ولاحقاً من يضمن أن يسيطر ذلك الإنسان المطور نانوياً على الإنسان الذي سيطوره هو نفسه أو على الربوتات متناهية الصغر التي تقوم بهذا التطوير الضخم؟... نحن فعلاً نتقدم بلهفة نحو المجهول.

وفي الحقيقة فإن أهم ثلاثة اكتشافات طبية مدوية في العقود الأخيرة، والتي يمكن أن تغيّر مجرى التاريخ فيما يخص فهم آلية حدوث الكثير من أمراض الإنسان، وكيفية علاجها، كان اكتشاف ما يسمى بالخلايا الجذعية STEM CELLS، ولكن تأتي قبلها من حيث الأهمية، الكشف عن تركيبة الحمض النووي «D.N.A»، وفي المرتبة الثالثة برنامج «الجينوم البشري». ومن بين أشهر التكنولوجيات في العلاج بجانب تكنولوجيا النانو هي تكنولوجيا العلاج باستعمال «الخلايا الجذعية»، والتي تفتح آفاقاً واسعة في إيجاد حلول جذرية لكل الأمراض التي تصيب الجسم البشري، وخصوصاً المستعصية منها.

والعلاج الطبي باستخدام الخلايا الجذعية يتمثل في زراعة خلايا بشرية أو حيوانية لتعويض الخلايا أو الأنسجة التالفة في محاولة لعلاج الأمراض. وقد يستخدم العلاج الخلوي «من خلية»، والعلاج الجيني، معاً، وصولاً لأفضل النتائج. أي استخدام الخلايا الجذعية للعلاج أو الوقاية من مرض أو حالة معينة. ولا يزال البحث جارياً في طريقة لتطوير مصادر مختلفة للخلايا الجذعية ولاستخدام هذه الخلايا في معالجة أمراض الأعصاب التنكسية «بما يعني ارتباط البحث بدماغ الإنسان»، وهكذا ظهر الجدل حول مصير الإنسان الذي بات في مهب هذه التجارب والدراسات التي لا يعرف لها حدود.

تساؤلات ملحة

وستبدو الصورة أكثر إقلاقاً وشحذاً للتساؤلات الملحة حينما نضيف منجزات، بل ربما مغامرات علوم الهندسة الوراثية، بوصفها أداة مهمة للعلوم الطبيعية المعاصرة، حيث يتم تحويل الجينات والمعلومات الجينية الأخرى من مجموعة واسعة من الكائنات.. إلى بكتيريا (!) وذلك بغرض تخزين وتعديل وصنع بكتيريا معدلة وراثياً أثناء العملية: فالبكتيريا كائنات رخيصة تنمو بسهولة ويمكن استنساخها وتتضاعف بسرعة، ومن السهل تحويلها نسبياً ويمكن تخزينها عند درجة حرارة 80 تحت الصفر، إلى أجل غير مسمى تقريباً، فبمجرد عزل الجين فإنه يمكن تخزينه داخل البكتيريا ليعطي مخزوناً غير محدود لأغراض البحث العلمي، فما هو مصير صفات الكائن البشري، في طور ما من هذه الأبحاث، خاصة حينما يتعلق الأمر بتغيير أداء وظائف الدماغ وقدرات العقل البشري وصفات الإنسان؟.

هذا الملف يشرع الأسئلة على مصاريعها، ويضع العقل البشري، في أفضل صوره اليوم أمام ما ينتظره من مؤديات وأشواق العلماء المدمنين للتجارب، والذين لا يعرف أحدهم هدفاً نهائياً، ولا يعرف أحدهم ما إذا كان سيسيطر على الوضع إن قام بتغيير خلق الله بحثاً عن الكمال بأنواعه... وفي هذه الحالة ألا يحق لنا أن نتساءل: هل لا يزال العلم نوراً، أم أنه سيتحول مع الوقت إلى نار وخطر محدق نفر إليه خاضعين كما تفعل الفراشات المسحورة؟... إلى آراء المشاركين أدناه..

جدلية العقل والعلم

الشاعر هزاع المري يبدأ برصد الجدل المحتدم حالياً حول مصير ومآل التطورات المذهلة التي يشهدها العالم في هذا العصر الرقمي وفتوحاته التقنية الهائلة التي اقتحمت كل الحقول والتخصصات. مبرراً مثار هذا الجدل يأتي من تصاعد القلق والفزع بسب التحديات التي تطرحها هذه الابتكارات المتسارعة مما يجعل العديد من المراقبين عاجزين حتى عن التكهن بالمناطق التي ستأخذنا إليها التجارب .. هل سيضمر دور الإنسان وقدراته أمام الاجتياح المقبل والهائل للآلة؟

سيبقى الحبل على الجرار في استهداف وظائف المعلمين والمحامين والأطباء الخ، لا أحد سيكون بمنأى عن منازعة التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت أكثر ذكاءً وأعلى دقة وأرخص تكلفة.

الجزء الممتلئ

يستطرد هزاع المري قائلاً: رأيي الشخصي يتسق تماماً مع من يرى الجزء الممتلئ من الكأس وأن هذه التخوفات التي يشعر به البعض تجاه دخول البشرية في العصر الرقمي وثورة اللوغاريتمات ليست جديدة وإن اختلفت طبيعتها، فإبان الانتقال الأول من الحقبة الزراعية إلى الصناعية قيل الكثير من ذلك حول مصير المزارعين والانتقال من الحقل إلى المصنع،والحال حيال ما نشهده الآن، فالليلة تشبه البارحة . علينا أن نسلم بأن التغيير عندما يأتي فلا يستأذن أحداً، بل يأتي كالسيل الجارف الذي لا يمكن إيقافه أو تحديه، فالتقنية وتبعاتها الآن ليست خياراً نقبله أو نرفضه، بل هي قدر حتمي، علينا أن نستثمر فتوحاته المدهشة. حتماً سيضع هذا الوضع البشرية برمتها في مواجهة تحديات ومعضلات أخلاقية وقيمية جمة، فلا يوجد شر محض، ولا خير محض، والتكنولوجيا أداة كالسيارة، يمكن أن نذهب بها إلى إلى حيث نختار.

ويختم هزاع المري مداخلته بأن الرهان الحقيقي يجب أن يكون على الضمير العالمي وعلى الشعور بالمسؤولية التي ستحتم على المجتمع الدولي مواكبة هذه التطورات المتسارعة بسن القوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق الأفراد والجماعات وتنظم الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا.

انقلاب السيطرة

أما ناصر عبدالله، رئيس مجلس إدارة جمعية التشكيليين الإماراتيين، فينتبه إلى دعوة الالتزام بتحري مصلحة الإنسان من خلال التوقف عند حدود معينة في بعض المجالات البحثية التي تهدد بانقلاب سيطرة الإنسان الحالية على الآلة، ليصبح العكس.

يقول ناصر: قد نقبل مقولة «الحاجة أم الاختراع» إذا أيقنا أن الإنسان بتطويره لمختلف جوانب الحياة فإنه يصنع لنفسه مساراً دائرياً يستمر فيه بمطاردة احتياجاته ليشبعها في حين أنه في الوقت نفسه يقوم بإنشاء تعقيدات جديدة في الحياة، الأمر الذي يقتضي الوقوف على الاحتياجات البشرية الجديدة بدقة ومحاولة حلها بطرق جديدة ومبتكرة. وبذلك فإن عملية التطور لم ولن تتوقف. ويدعونا ناصر عبدالله إلى تأمل مبدأ آخر، هو «الغاية تبرر الوسيلة»، فهذا المبدأ يرفضه أغلب علماء الدين من منطلق أن تبرير الوسائل غير الأخلاقية قد يكون سبباً في إشاعة الفساد والظلم. إلا أن الوسائل في الحقيقة ما هي إلا ترجمة للغايات التي تعد هي المؤثر في المقام الأول، ولذلك فإن إصلاح الغايات وتوجيهها لمصلحة البشرية سيوجه كل الوسائل إلى الاتجاه الصحيح.

المتحكم الرئيسي

بتطبيق ذلك كله على التطور البشري وخاصة المجالات الإلكترونية يقول ناصر: سنجد أن الإنسان هو المتحكم الرئيسي في التطور الدائم الذي يعيشه، وأنه يسعى لتسخير كل هذه التقنيات لمصلحته، كدولة أو مؤسسة وحتى كفرد، وذلك لتحقيق غاياته، وأنه يجب علينا الارتقاء بغاياتنا وتوجيهها الإنسان بعيداً عن الاستغلال الذي يضر بالبشرية. في المقابل فإن التكنولوجيا لم تعد حكراً على أحد، فديمقراطية المعرفة والتكنولوجيا جعلت للجميع حق المشاركة في التطور البشري، وحق الموافقة أو الرفض للممارسات والسلوكيات التي تتنافى مع الأخلاق والوقوف بوجهها عبر التكنولوجيا نفسها، والتي أصبحت الوسيلة الأكثر تأثيراً في العالم والمجتمعات، وبالعودة لفكرة الارتقاء بالغايات فإن المستهلكين للتكنولوجيا يجب أن يرتقوا أيضاً بغاياتهم في استخدامها، وأخذ الدور الفاعل لهم والاستفادة منها في توصيل صوتهم الذي يوافق أو يرفض أي سلوك بشكل راقٍ يظهر الغايات التي يسعون لها بشكل عملي وفاعل.

وعي التكنولوجيا

الكاتب محمد جقدول يذهب إلى أن الإنسانية باتت تقف اليوم على قمة هرم عالٍ من التقدم التقني، ولكن ما يسميه من جانبه الطفرة الجينية «مجازاً» في التكنولوجيا، خلقت فجوة بين البشرية والتقنية، بمعنى أن العلم بمعطياته أضحى واقعاً يؤسس بمعطياته للانفصال تدريجياً عن الإنسان والهيمنة على عالمنا، بطريقة ذكية وبالتواطؤ مع العلماء، بحيث إننا حتى هذه اللحظة لا نستطيع أن نجزم أو ننفي ما إذا كانت التكنولوجيا ستؤسس لنفسها وعياً خاصاً بها أرفع من مستوى تفكيرنا أم لا، فالناظر بعين ثاقبة يعلم أن عصر السلاح «الذري» لم يكن سوى نتاج لاستكناه ما تستبطنه هذه التقنية القاتلة، العقل قاصر عن تفكيك الجزيئات وتحليلها ذاتياً لذا يخضع المحيط كله للتجربة؛ وللتجربة احتمالات عدة، إننا كبشر فانون بطبيعة الحال، هذا بالطبع على مستوانا البيولوجي، رغم أننا نتداعى في هيئات أخرى وجينات متوارثة نطلق عليها ذريتنا، لكن هذه الجينات تنقل وعياً مختلفاً للجنين المنبثق من وعينا الماضي، وهذا يتطلب وقتاً طويلاً لتطور هذه الخلايا وعيها الخاص الذي وإن كان أذكى من المُورِث، إلا أنه متخلف بمئات السنين الضوئية عن عالم التكنولوجيا الذي صنعته أيادينا وطوره وعينا البشري المتطور.نحن كبشر مطالبون بالإجابة عن سؤال غاية في الأهمية: ماذا سيحدث بعالمنا بعد طفرة النانو؟ إن انقلاب الزمن والمكان والوعي بالوجود من حولنا سيعتريه تغير جذري وستتبدل الانحيازات القديمة للتقنية تبعاً لتطور الاحتياج الإنساني في تفجير طاقة الكون المخبوءة، لكن المحصلة ستكون كارثة كونية ربما تفني وجودنا البشري عن وجه الأرض، فإذا كان سبرنا لعالم الذرة فقط أنتج حربين كونيتين أفنت ما يربو على مائة مليون نفس، وعطلت مسيرتنا لعشرات السنين والتي هي بعداد التقنية مليارات الوحدات التي كان يمكن أن تضيف لوعينا أكثر مما هو متاح. كما أن تنبؤات البريطاني الحالم «كلارك سي آرثر» رائد كتب الخيال العلمي باتت واقعاً وليست مجرد تهيؤات.

مواجهة آتية

يقول الكاتب محمد جقدول إن ثمة نذر مواجهة في الأفق بين الإنسان وقدرات التكنولوجيا المتطورة بوتيرة أسرع من تطور عقل الإنسان، والأخيرة لا تمتلك وعياً عاطفياً لتفرق بين البريء والمذنب، فهل نحن مستعدون للمرحلة المقبلة التي باتت تؤسس معطياتها التقنية وعي الآلة واستقلال نشاطها ومبادراتها؟ فإذا لم نغير من الوقائع الموجودة حالياً فستعمل التكنولوجيا على تغيير عالمنا جذرياً.

ــ آلات بحجم الفيروس تعيد رصف ذرات المواد بخصائص فيزيولوجية جديدة

ــ خلايا دم بتقنية النانو تمكن «إنسان المستقبل» من الركض لربع ساعة دون تنفس

ــ الدماغ بات عرضة لإعادة صياغته بواسطة التكنولوجيا بما يوجد مواصفات جديدة للإنسان

ــ فكرة السوبر مان ستغدو ممكنة عبر إعادة تركيب جزيئات المخ والأعصاب بصورة مثالية

ــ أهم ثلاثة اكتشافات طبية أخيراً: الخلايا الجذعية وتركيبة الحمض النووي والجينوم البشري

 

 

البيان


أخبار ذات صلة