“مداد”: مطلوب تفعيل دور المصرف المركزي في سرعة الترخيص لمقدمي خدمات الدفع الإلكتروني
سلّط مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» الضوء على موضوع الدفع الإلكتروني عبر الهاتف النقّال، مقترحاً مجموعة من الخطوات اللازمة لتحقيق الدفع الإلكتروني في سورية.
واستهلت الدراسة بالإشارة إلى أن الهواتف النقّالة شكَّلت إحدى أهم أدوات العصر الحالي التي مكنت الدول من تحقيق تنميةٍ كبيرةٍ، اجتماعياً واقتصادياً، وقد وُظِّفت تطبيقات النقّال في جميع مجالات الحياة وحققت إسهاماً كبيراً في الناتج القومي الإجمالي، خصوصاً بعد الانتشار الواسع للهواتف الذكية وللإنترنت ذي الحزمة العريضة وتسارع إنتاج المحتوى الرقمي، وأصبح الهاتف الذكي قادراً على دعم معظم احتياجاتنا اليومية، ولا تكتمل إمكانات الهاتف النقّال من دون قدرته على الدفع الإلكتروني، فهو الدافع الأساس لتحقيق التنمية.
وبيّنت الدراسة أن تحقيق الدفع الإلكتروني لم يواجه مشاكل كبيرة في الدول المتقدمة لأن معظم قاطني تلك الدول يمتلكون حسابات مصرفية، أما في الدول النامية فلا تتجاوز نسبة مالكي الحسابات المصرفية 41% وفي منطقتنا 14%، ولتجاوز هذه المشكلة قام معظم الدول النامية باستخدام المال النقّال. مشيرةً إلى أن المال النقّال نما بشكل كبير في السنوات الماضية، وكان لمشغلي شبكات النقّال الدور الأكبر في ذلك، ووصل عدد الخدمات لأكثر من 271 خدمة في 93 بلداً، واستطاع المال النقّال تغيير وصول الناس إلى الخدمات المالية محققاً فرص أعمال مهمة في تلك البلدان، وفي 51 من أصل 93 دولة، اعتمد فيها المال النقّال؛ تمنح التشريعات حقوق تقديم خدمات المال النقّال للمصارف وغير المصارف، وقد خطت سورية خطوات عديدة لتحقيق خدمات الدفع الإلكتروني إلا أنها لم تكتمل حتى الآن، كما أن هنالك حاجة ماسة لتحديد العقبات التي تمنع تحقيق الدفع الإلكتروني ومعالجتها.
واستعرضت الدراسة أبرز تأثيرات الحرب التي مرت على سورية في زيادة تحديات تحقيق الدفع الإلكتروني، منها هجرة الموارد البشرية، وتراجع موارد الحكومة المالية وتوقف الكثير من المؤسسات الإنتاجية، والازدياد الهائل في الإنفاق الناتج عن الأزمة، والتخريب الكبير الذي لحق بالبنى التحتية: الكهرباء والطرق وشبكات النقال والصرّافات. إضافة إلى تراجع قيمة الليرة السورية وتأثر مستوى المعيشة، وتراجع اهتمام الحكومة بموضوع تقانة المعلومات.
ورغم ذلك فقد عززت الأزمة قيمة الفوائد التي يمكن أن يقدمها الدفع الإلكتروني وأهمها زيادة الأمان وتخفيض مستوى المخاطرة من خلال تقليل التنقل، وتمكين الحكومة من تحصيل الفواتير والرسوم عن بعد، خصوصاً في المحافظات التي تقع حالياً خارج سلطة الدولة أو التي تحمل خطورة عملية الوصول إليها. وهنالك تجربة لعملية التراسل الإلكتروني في بعض مؤسسات الدولة أثبتت فائدتها في ظل الأزمة حيث مكّنت المؤسسات من إنجاز بعض أعمالها من دون الحاجة لإرسال كتب ورقية، مثل وكالات السيارات في وزارة النقل، إضافة إلى تخفيض التكاليف في حال إيجاد حلول مرحلية لا تتطلب استثمارات كبيرة أو التشارك مع القطاع الخاص، وتعزيز ثقة المواطن بالحكومة من خلال تقديمها خدمات ذات قيمة مضافة عالية للمواطن.
وقدمت الدراسة مقترحاً للخطوات اللازمة لتحقيق الدفع الإلكتروني في هذه المرحلة، تمثلت بحسم النموذج الوطني للدفع الإلكتروني لإيجاد التوازن بين أهمية زيادة الوصول للخدمات المالية واستقرار النظام المالي، وتشجيع الابتكار في مجال تقديم الخدمات من خلال الفهم الجيد للطلب. ويجب أن يحتوي النموذج الوطني بالنسبة للدفع النقال؛ من يُسمح له بتقديم خدمات الدفع النقال. ويجب اعتماد نموذج يفسح المجال لكل الأطراف، من القطاعين العام والخاص، ذلك لاستثمار كل الجهود والإمكانات المتوافرة، إضافة إلى فعالية التعريف والتحقق من المستخدم في منع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وحماية أموال الزبائن من خلال التأكد من حجز ضمانات كافية من مقدمي خدمات الدفع النقال، وحماية الزبائن في حال إفلاس مقدم الخدمة أو البنك أو المؤسسات الأخرى المعنية وتعويضهم قبل تعويض الدائنين، وتعريف ضوابط السوق، من حيث الملاءة المالية لمقدمي الخدمات، والضمانات والرقابة المفروضة عليهم، إضافة إلى ضوابط شبكات التوزيع (الوكلاء): انتشارهم وتخديمهم للمناطق الريفية وضمان حقوق الزبائن لديهم.
ومن المقترحات أيضاً؛ تفعيل دور المصرف المركزي في سرعة الترخيص لمقدمي خدمات الدفع الإلكتروني وإنجاز وتشغيل أنظمة الدفع السورية، ووضع ضوابط تضمن حقوق المواطنين وتمنع الاحتيال، وتفعيل البيئة القانونية الإلكترونية من خلال تدريب القضاة والمحققين على الجوانب التقنية، ودعم دور الشركة السورية للمدفوعات الإلكترونية في بناء المنظومة الوطنية لدفع الفواتير، وتسريع عملية البناء هذه، واعتبار الشركة السورية منافساً في سوق الدفع الإلكتروني ومعاملتها كباقي الشركات الخاصة الأخرى فيما يخص ذلك.
إضافة إلى السماح لشركات الدفع الإلكتروني الخاصة بالربط مؤقتاً مع مصدري فواتير القطاع العام والخاص بشكل مباشر من دون الاشتراط أن يكون الربط عبر الشركة السورية للمدفوعات الإلكترونية، ريثما تصبح المنظومة الوطنية قيد التشغيل، ونقل صلاحيات إصدار تراخيص لشركة الحوالات المالية من المؤسسة العامة للبريد إلى المصرف المركزي بدلاً من الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات لأن المصرف المركزي سيكون المعني بموضوع الحوالات المالية وخاصةً في حال النقد الإلكتروني، ودعم المفوترين في بناء أنظمة الفوترة المركزية الخاصة بهم، وإنجاز نظام الدعم وتمكين كل القنوات وأولها النقال لأنه يستطيع الوصول إلى جميع المواطنين وحتى في الريف.
واختتمت الدراسة بتأكيد أنه يمكن الاستفادة من الأدوات التي يقدمها البنك الدولي للمساعدة في وضع «الإستراتيجية الوطنية للاحتواء المالي» وهي عبارة عن وثائق وهياكل وتجارب.
الوطن