مع الله.. المستشار الصحفي محمد النعسان: عطل بسيارتي ليلا على طريق سفر موحشة شكل انعطافا كبيرا بعلاقتي مع الله
صاحبة_الجلالة _ خاص
ضمن زاوية مع الله الرمضانية يتحدث المستشار الصحفي ومقدم البرامج التلفزيونية محمد النعسان لصاحبة الجلالة عن موقف مازال في داخله لا ينساه ، ومازال مؤثراً في أعماقه و يؤكد من خلاله عظمة الخالق ورحمته وكرمه ، فيقول:
كثيراً ما كان يراودني معنى قول: (ماذا بينك وبين الله ..؟! ) ، وكنت أحسد من ينتابه ذلك الكلام ، وأدعو الله لو أشعر به ليطمئن قلبي ، فهل هناك أعظم أو أجلّ من شعور العبد ويقينه برضاء المولى عليه ؟
وربما ساق لي القدر تلكم الرغبة بأسرع مما كنت أتوقع ، ،بحادثة غريبة عجيبة ما زالت تعشش في ذهني منذ سنوات ، حين جاءني من اللاذقية اتصال مباغت وكان في نهاية شهر رمضان المبارك ، يدعوني لتقديم حفل رسمي لإحدى المؤسسات الانسانية الخيرية التي تعنى بالأيتام والمحتاجين ، وذلك تزامناً مع أول أيام عيد الفطر ، وقد أجبته بالموافقة الفورية وبتأكيد الحضور ، وحين سألني عن الأتعاب و أجر المواصلات ،قلت له : هي وقف لوجه الله الكريم ،.
وجاء موعد سفري قبل يوم من العيد الذي واكب نهار الجمعة .
فانطلقت بسيارتي عصر اليوم على أن أصل ليلاً الى هناك ، والنوم بالفندق وتقديم البرنامج في ليلة العيد صباحاً والعودة بعد ذلك الى دمشق.. ونظراً لقلة سفري بسيارتي الى الساحل بشكل اعتيادي و مستمر وعدم معرفتي بالأماكن والاتجاهات ، أصابتني رهبة وقلق من طول المسافة والطريق ، لكني كنت متكلاً على الله، بالرغم من هاجس دفين يؤكد لي بأن أمراً ما سيحدث ..!
وكانت الرحلة ممتعة نوعاً ما مع أنغام مسجلة السيارة والمناظر اللطيفة على طول الطريق ودلالات الوصول التي كنت اتابعها بشغف واهتمام ، حتى ارتاح نفسياً بقرب المسافة ، خصوصاً بعد أن بدأ الليل يخيم أوصاله ، مما زاد التوتر بداخلي.
وعندما قرأت لافتة (طرطوس على بعد ٣٠ كم) في ذلك الطريق المعتم المقفر ، وصل لأنفي رائحة دخان أسلاك أو زيوت شديدة استغربتها، وظننتها من الخارج ، لكن نوافذي المغلقة بددت ذلك التصور، الى أن توقف صوت المحرك عن الدوران واطفأت الأضواء ، واضيئت العدادات محذرة والكمبيوتر الناطق نادى بصوته المشؤوم بأن لديك مشكلة .. لديك مشكلةوتوقف المحرك عن العمل .!
ظننت للوهلة الأولى بأنني أحلم ، ما الذي جرى فجأة ؟ نزلت من السيارة متخبطاً وكان الجو يميل للبرودة يرافقه صوت رياح خفيف ما زادني رعباً وهماً.. وفتحت غطاء المحرك ، لينتشر الدخان بكثافة ، دون معرفتي بالسبب والذي كنت واثقاً بأنه كبير ومزعج وسيحرق أعصابي ، خاصة في مكان لا أرى فيه سوى عتمة الليل وأضواء السيارات العابرة التي تقهرني بسرعتها و لاتقف لأحد أياً كان.
ونظراً لجهلي وخبرتي بإصلاح السيارات ، مسكت الجوال وحاولت الاتصال بالميكانيكي العارف بحال سيارتي و الذي أعلم تماماً بأن الأخ لا يرد على جواله لا ليلاً ولا نهاراً ..لكن ما باليد حيلة .. سأحاول ، ولسوء الحظ ولتتوالى الأحداث معي ، كانت شبكة الاتصال معلقة بنهايتها بإشارة واحدة فقط .وتساءلت : وماذا بعد ؟
لكن للحظة سمعت الرنة تعلق معه وكأنني رأيتها كصوت ملكوت قادم من السماء .
ورد الرجل فورا ولم اصدق نفسي .. قلت : مرحبا وليد أنا ع طريق اللاذقية وهيك هيك صار معي شو اتصرف ؟
قال لي : "فتاح غطا المحرك واحكيلي شو عم تشوف" ؟
و مع ضوء الجوال ، شاهدت بشكل واضح قشاطاً متتاثر الأجزاء ، فقال لي : للأسف انت في مشكلة حقيقية .. هذا قشاط الدينامو المرتبط بالمحرك ، ونظرا لاحتكاكه بأجزاء السيارة ارتفعت حرارته وتآكل وانقطع.
قلت له : طيب شو اعمل ؟ .. بسرعة فهمني وليد ما في تغطية ؟
قال : ما في حل غير انك تركب بدلاً عنه قشاط جديد لتشتغل السيارة وبنفس رقمه حصراً ، لانه ما بيركب على الدينامو ولا .... ! وانقطع الاتصال..وانقطعت انفاسي معه .. واسودت الدنيا في وجهي بالتوازي مع سواد الليل، وشعرت بضغطي قد انخفض وانهارت قواي..
ماذا افعل وانا في مكان لا شيء بجانبي ؟ لا بيت ولا ضوء ولا اعرف احدا هنا ينجدني ، حتى لا أعرف أين أنا لأدل الناس ! لا شبكة هاتف و رياح و هواء بارد وليلة جمعة ووقفة عيد وووو..!
احترقت اعصابي تماماً من كثر التفكير.. . وأصابني الاحباط واليأس الشديدين ..من المارد الذي سينقذني في لحظة ؟ ومن يستطيع تلبيتي في هذه الظروف الحرجة..؟!
لم أجد بتفكيري أحد .. سوى الله .
اغمضت عيني وقلت :يا رب أنت تعلم الى أين أنا ذاهب وماهي نيتي وغايتي ، وأنت تعلم بأنني خطّاء ومذنب ، لكن ليس لي سواك اليوم يسامحني ويغفر لي، أتوسل اليك ياملاذي الا تحاسبني الآن على ما اقترفت يداي من أخطاء وذنوب ومعاصي ، يا ملجأي ورجاي الوحيد لا تتركني كالشريد المقطوع في البرية ، اني أسألك باسمك الأعظم ورحمتك التي تسع كل شيء أن تخلصني مما أنا فيه ، فأنا الآن بأمس الحاجة لعفوك قبل سخطك ..يا رب العالمين .. ياكريم.
وشعرت بهدوء خفي يسري في جسدي لا أدري من أين أتى ؟ ، ولا اعلم كيف ؟ و لماذا أدرت المفتاح ، واعلم بأنه لافائدة ترجى منه ، لكن سمعت المحرك يعمل ..!
نعم المحرك يدور لم يخدعني سمعي !، والسيارة تسير ببطىء ، الأضواء تشتغل ! نعم نعم كل ذلك حقيقة وليس خيال ، وبدأت أقود بنفس الهدوء المريب لمسافة جيدة وانا متشنج ومشدود الأعصاب خوفا من توقف العربة من جديد، لأرى أجمل ما شاهدت في حياتي من لوحات : طرطوس ترحب بكم .
وصعدت بهدوء فوق جسر مدخل المدينة وانا اقول يارب يارب لا تتركني ، وبقيت كذلك حتى مشيت مسافة داخل المدينة لكن جميع المحلات مغلقة ، ولا بأس الكحل أفضل من العمى ، لينطفىء صوت المحرك فجأة أمام محل مفتوح لوحده من بين كافة المحلات وتتوقف عن الحركة .
نزلت بسرعة لأقرأ اللافتة لأجد (ميكانيكي).
قلت: عفوك يارب .. الحمدلله .
دخلت فوجدت فيه شخصاً ، هجمت عليه و قبلته وضممته وحضنته ولا ادري ماذا صنعت به أيضاً والرجل بحالة ذهول وتعجب مما أصنع .
شرحت له حالتي فلم يصدق قولي ، بأنه كيف وصلت الى هنا بتلكم المسافة والسيارة لايمكن ان تتحرك أبداً ؟ وزاد الأمر تعقيداً حين قال لي بأن عطلته اليوم وكان سيسافر لأهله منذ ساعة ، لكن جاءه خاطر بأنه لم يفصل قاطع الكهرباء بالمحل مما استدعى قدومه اليه .
وفحص القشاط المقطوع ، ورقمه ، وقال لي بأنه ليس لديه أي قشط ولا يعمل بها لكن لديه قشاط واحد موجود منذ زمن على السقيفة سيأتي به ويطابق رقمه، وحين جاء به وشاهد الرقم الذي شعرت بأنها سنوات كي يخبرني بالنتيجة.. كان الرقم نفسه .. هنا استندت الى الحائط ، ولم أتمالك نفسي .. وانهرت بالبكاء..! ما أكرمك يا الله .. حلّت الأمور جميعها دفعة واحدة.!
المهم بقي الرجل يعمل بسيارتي لأكثر من ساعتين بمهارة و صبر ودقة ، وكأن لسان حاله يقول لي بأنني مسيّر مثلك ولست مخيّر ،وأصلح السيارة ، وطبعاً رفض رفضاً قاطعاً أي مبلغ أو مكافأة أو مقابل، بل سار أمامي بدراجته لأول طريق اللاذقية و بقي معي على الخط حتى وصلت للفندق الساعة الثانية عشر ليلاً ، واطمأن لسلامتي وبانني أصبحت بأمان.
واستلقيت مباشرة على السرير ، بعد جهد وارهاق وتعب فاق طاقتي ، اغمضت عيني للحظات بعد مشوار تعجز التعابير عن وصفه ، لاسمع رنة رسالة واتس من أحد الأصدقاء ، يرسلها لمجموعاته بشكل اعتيادي ، فتحتها لأقرأ محتواها .. وجدت : (واصبر لحكم ربك .. فأنك بإعيننا ).
صدق الله العظيم