كي لا يكون التهرّب الضريبي “شطارة وفهلوية” ..
تندرج جريمة التهرّب الضريبي المنعوتة بـ”الكبرى” في كثير من دول العالم، ضمن قاموس “الشطارة والفهلوية” في بلادنا..!.
دون شك، هذا الوضع مردّه بالأساس إلى عدم الانعكاس الفعلي للضرائب على المفاصل الخدمية ذات الصلة المباشرة بحياة المواطن، ما أدّى بالنتيجة إلى انعدام الثقافة الضريبية، وبالتالي عدم احتسابها على المستوى المجتمعي كأداة فعلية لدفع عملية التنمية بكل مكوّناتها..!.
ثمّة نقاط بمنزلة البوصلة الكفيلة بتصويب السياسة الضريبية، يتوجب على وزارة المالية العمل عليها..
أوّلها تحقيق العدالة الضريبية من خلال تعزيز الثقة المتبادلة بين المكلف والدوائر الضريبية، وهنا تجدر الإشارة إلى حالة التناسب العكسي الحاصلة بين زيادة التهرب الضريبي وزيادة إحساس المكلف بالعدالة، فكلما شعر أنه يدفع ضريبة عالية تتناسب مع قدرته على الدفع، اقتنع بالضريبة أكثر، وكلما منعه هذا الشعور من اللجوء إلى التهرب، والمشكلة في هذا البلد أن الذي يتهرّب هو التاجر، فهو المتهرّب النموذجي في سورية، وليس صاحب الدخل المحدود، وربما يكمن الخلل في هذه المعادلة في التشريع وبعض التصرفات الناجمة عن تدخل العامل البشري..!.
ثانيها الشفافية بطرح قيمة التهرّب الضريبي، الذي لا تزال دوائرنا المالية تختبئ وراء أصبعها لدى الحديث عنه، مكتفية فقط بذكر نسب تقلّصه بين عام وآخر في أحسن الأحول، ما يشي بأن الدافع الحقيقي وراء هذا الأمر هو الخشية من وقوع المتورطين بتسهيل هذا التهرّب في مطب المساءلة القانونية، وبالتالي نعتقد أن مصارحة الرأي العام بالقيمة الحقيقية للتهرب الضريبي، قد تجعل منه بالفعل قضية رأي عام يُحسب حسابها من جهة، وتعزّز ثقافة الوعي الضريبي من جهة ثانية.
ثالث هذه النقاط ساقها لنا أحد خبراء المال، وتتمثل بتشكيل لجان اعتراض ضريبي عادلة بحيث لا تعبّر عن وجهة نظر الإدارة الضريبية فقط، بل يجب أن تعبّر عن وجهتي نظر كل من المكلف والإدارة الضريبية، وأن يرأسها قاضٍ متخصص في الأمور الضريبية، لكي تتكون قناعة لدى المكلف بضرورة اللجوء إلى الاعتراض الضريبي للوصول إلى حقه، وليس اللجوء إلى القضاء مباشرة كما هو حاصل الآن وتنجم عنه علاقة غير متكافئة بين المكلف والإدارة الضريبية..!.
لا شك أن للثقة والصدقية بين المكلفين والدوائر الضريبية أهمية كبرى للحدّ من التهرب الضريبي، لكن الأهم هو قناعة المكلف بدفع الضريبة، فمن المعروف عالمياً وجود صلة وثيقة بين التهرب الضريبي وعدم قناعة المكلف بدفع الضريبة وخاصة في الدول المتقدمة، على اعتبار أن المكلف غالباً ما يكون على ثقة تامة بأن ما يدفعه من ضرائب سيرى انعكاسه على مستوى الخدمات المقدمة إليه، لذلك يعتبر التهرّب الضريبي جريمة كبرى في تلك الدول كما أسلفنا، ويُنظر إلى المتهرّب بازدراء لأنه يتخلى عن المساهمة بتحسين بلده والارتقاء بالخدمات المقدمة للمصلحة العامة، أما المكلف غير الواثق بسبل وأقنية ما سيدفعه فلن يعدم الوسيلة التي تقيه شرّ الضريبة..!.
حسن النابلسي
البعث