البيض مقابل الخضار.. “المقايضة” تواجه ارتفاع الأسعار في طرطوس
غلاء المعيشة والارتفاع غير المسبوق في أسعار جميع المواد الغذائية مقابل دخل محدود لا يقوى على مجابهة مستلزمات أيام معدودات من الشهر، دفع الكثير من العائلات للعودة لطريقة المقايضة التي كانت سائدة في السنوات الغابرة، حيث بات بعض أهالي القرى يلجؤون إلى أصحاب المحال ليقايضونهم بين ما يزرعون في أرضهم مقابل الحصول على ما هم بحاجة لشرائه.
دون شعور بالحرج الاجتماعي والخوف من الأحاديث التي قد تدور في الخفاء، تقوم السيدة أم رفعت في ريف طرطوس باستبدال البيض، الذي تجمعه معظم الأيام من “قن” الدجاج، بالخضار والمواد الغذائية التي تحتاجها، وتقول : “الوضع المعيشي بات صعباً على الجميع والراتب التقاعدي لزوجي لا يكفينا سوى لأسبوع واحد فقط، فمن أين نتدبّر أمرنا لبقية الشهر إذا لم نقم بالمقايضة، أسوة بما كان يفعل أباؤنا وأجدادنا في الماضي”.
وبحسب أم رفعت، تحل المقايضة مشكلة تدبّر الطبخة والحاجات الضرورية الأخرى، مشيرة إلى أنها لا تقايض على البيض فقط، وإنما تزرع في البستان الصغير المحاذي لمنزلها الفاصولياء والباذنجان، حيث تقايض هذين النوعين بأنواع أخرى من الخضار، أو السكر.
وتضيف: “لا يهمني ما يمكن أن يقال عني، وما يدعمني أني لست الوحيدة التي أقوم بالمقايضة، فعدد كبير من الأهالي باتوا يقايضون أصحاب المحال على ما تنتجه أرضهم أو الدواجن أو الأغنام التي يقومون بتربيتها”.
بدورها، أكدت السيدة “امتثال” أنها تجني البامياء التي تزرعها بمحاذاة منزلها، وتقايضها بالبندورة أو الفاصولياء أو أي نوع آخر من الخضار لتدبّر طبخة جديدة، وتضيف: “لا يمكن أن أطبخ البامياء كل يوم.. زوجي يعمل في الدهان، وما يتقاضاه لا يكفي لحاجات المنزل التي باتت تكاليفها باهظة جداً، لذلك لجأت إلى زراعة الأرض أمام المنزل لمساعدة زوجي في مصاريف المنزل من خلال الاستفادة من منتجات الأرض من جهة، والمقايضة بأنواع جديدة من الخضار أو مستلزمات ضرورية لمواد أساسية كالرز والسكر والزيت والشاي من جهة أخرى”.
من جهته، أشار العم إبراهيم إلى أن راتبه التقاعدي لا يكفيه طعام وشراب “من قريبه له ولزوجته بعد أن تزوج أولاده”، على حد تعبيره، مبيناً أنه لولا البيض الذي تنتجه الدجاجات التي يقوم بتربيتها، لما كان هناك فطور دائم له ولزوجته، ولما استطاع أن يقايض البقالية الموجودة في القرية على مستلزمات أساسية.
وأضاف: غلاء المعيشة أعادنا رغماً عنا لسنوات ماضية قديمة كنا نسمع عنها من أبائنا وأجدادنا كيف مانوا يقايضون القمح وما ينتجون بأشياء كانوا بحاجتها، وكنا نستغرب كيف كانوا يعيشون في ظل هذه الأوضاع، وتابع: الغلاء وارتفاع الأسعار غير المسبوق سيدفعنا للرجوع سنين طويلة للوراء والاقتباس من أجدادنا أساليبهم في التحايل على الحياة المعيشية الصعبة التي كانت سائدة آنذاك.
ويعود نظام المقايضة إلى 6000 سنة قبل الميلاد، ويعد أقدم طريقة للتجارة، حيث كان الأهالي يتاجرون في المواد التي ينتجونها مقابل الحصول على مواد أخرى من دون استخدام المال، بشرط أن تكون المواد المتبادلة ذات قيمة للأطراف التي تقوم بالمقايضة.
اثر برس