من يُلجم المحتكرين ويحمي المستهلكين؟
لايكفي أن تؤكد الجهات المعنية أن الأنظمة النافذة تتيح المنافسة وتمنع الإحتكار، فما يجري في الأسواق من حجب للمواد الأساسية لأيام أو لأسابيع من قبل مستورديها أو مصنعيها يؤكد أن الإحتكار أمر واقع يلمسه ويكتوي بآثاره ملايين الأسر السورية.
وعندما يكشف أعضاء في غرفة تجارة دمشق عن سلع أساسية أسعارها أغلى من الأسواق المجاورة، فالسبب ليس بفعل الرسوم الجمركية، أو التكاليف غير المنظورة، وإنما بسبب الإحتكار، والدليل أن السلع السورية تباع في لبنان أرخص من الأسواق المحلية كي تتمكن من منافسة مثيلاتها اللبنانية.
والمسألة بطبيعة الحال ليست بإنكار وزارة الاقتصاد أو التجارة الداخلية لأي احتكار في الأسواق، وإنما بالإجابة على السؤال: من يُلجم المحتكرين ويحمي المستهلكين من ابتزار وجشع موردي السلع الأساسية إلى الأسواق ويمنعهم من حجبها ورفع أسعارها؟
وطالما أن الجهات المعنية لاتعترف بوجود المحتكرين، فإنها لن تتخذ أي خطوات زجرية وردعية تلجمهم عن استغلال ملايين الأسر السورية.
وزارة الاقتصاد مثلا تصر على التأكيد أن المواد المسموح باستيرادها متاحة للجميع ولاتمييز بين مستورد وآخر، فإجازات الإستيراد تمنح لكل من يتقدم لها وفق الأنظمة النافذة، ولايوجد تاجر واحد يحتكر أي سلعة أو مادة أساسية!
ووزارة التجارة الداخلية تؤكد مرارا وتكرارا أنها تراقب حركة انسياب السلع والمواد وتمنع احتكارها من تجار الجملة ونصف الجملة، وتنظم الضبوط بمن يمتنع عن توريدها للأسواق أو يتلاعب بأسعارها!
كل هذا الكلام الورقي والإعلاني صحيح، لكن الأسواق تشهد بين الحين والآخر اختفاء المواد الأساسية، وخاصة المواد التي توزعها (السورية للتجارة) عبر البطاقة الذكية وتحديدا الزيت النباتي والسكر والأرز، وفي كل مرة تتأخر وزارة التجارة الداخلية بفتح دورة جديدة للمواد المدعومة، يقوم الموردون بحجبها أو توريدها بكميات قليلة إلى تجار المفرق، والهدف رفع أسعارها، كما حصل في الأسابيع الأخيرة بمادتي السكر والأرز.
لنفترض جدلا أن لاوجود لأي احتكار من قبل المستوردين والمصنعين لأي مادة إستنادا لما تؤكده وزارة الاقتصاد إن المادة الواحدة يستوردها أكثر من تاجر، واستنادا إلى ماتؤكده وزارة التجارة الداخلية أنها تراقب المستودعات وتعمل على مراقبة أسعارها وحركة انسيابها على الأسواق.. فلماذا تختفي المواد الأساسية فجأة من الأسواق ولا تظهر فجأة مجددا إلا بعد رفع أسعارها؟
لقد كشف أمين سر جمعية حماية المستهلك عن خفايا لعبة الإحتكار فقال أنه (دائماً عندما يحصل أي ارتفاع في سعر الصرف يزداد التواصل بين المستوردين وتجار الجملة وتجار نصف الجملة وتجار المفرق، ونتيجة لهذا التواصل يتفقون على خفض انسيابية معظم المواد ومنها مادة السكر في الأسواق ويكون هناك إحجام من قبلهم عن طرحها، ويستغلون كذلك تأخر المؤسسة السورية للتجارة بافتتاح دورة جديدة لتوزيع مادة السكر المقنن، لذا نشهد ارتفاعاً في سعر مبيعها في السوق)!
وسواء كان مايجري يُسمى لعبة أسعار ام احتكار للمواد، فالسؤال الذي يطلب ملايين السوريين الإجابة عليه: من يُلجم التجار ويحمينا من جشعهم اللامحدود؟
لقد تمكن المحتكرون على مرأى من وزارة التجارة الداخلية في الأسابيع الأخيرة من رفع سعر كيلو السكر إلى مالايقل عن 10 ألف بعدما كان بحدود 7 آلاف، ولم يقصروا أيضا برفع أسعار مواد أخرى كالبقوليات والزيت النباتي، لكن مايميز رفع سعر السكر أنه يؤدي إلى رفع أسعار الكثير من المواد لأنه يعد عنصرا أساسيا بتصنيعها كالحلويات والمربيات والشوكولا والكعك والبسكويت والكاتو والبوظة وبنسب تتراوح من 5% إلى 30% وأكثر حسب المادة والمنطقة!
وبدلا من أن تناقش لجنة الإستيراد والتصدير في اتحاد غرف التجارة السورية خلال اجتماعاتها الأخيرة ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالسكر والأرز، فإنها انشغلت بمناقشة تعزيز احتكارات التجار لابمعاناة ملايين السوريين، لم تهتم اللجنة بمطالبة التجار المحتكرين بعدم رفع أسعار السلع وبتأمينها للمستهلكين، بل طالبت الحكومة بإعادة النظر بتنظيم تعهد القطع، وبتسليم 15 % من المستوردات للسورية للتجارة بسعر التكلفة التي لايعرف حقيقتها سوى أهل الكار!
ولا صحة لما يروجه البعض من (أن قرار إلزام المستوردين والمنتجين بتسليم 15 بالمئة من منتجاتهم ومستورداتهم إلى المؤسسة السورية للتجارة بغير جدوى، لأنه لم يؤد إلى تخفيض الأسعار، وبالتالي لم يستفد منه المواطن) فالواقع يؤكد انه عند توزيع المواد المدعومة أو توفرها بالسعر الحر في صالات التدخل الإيجابي فإن أسعارها تستقر في الأسواق، وبالتالي فالتجار لايرفعون أسعار المواد الأساسية إلا عندما تتأخر دورة توزيع المواد المدعومة أو تختفي من الصالات الحكومية، ولولا قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك /1370/ لعام 2023 القاضي بإلزام المستوردين والمنتجين بتسليم 15 بالمئة من منتجاتهم ومستورداتهم إلى المؤسسة السورية للتجارة بسعر التكلفة لما تمكن الكثير من المستهلكين الحصول على المادة بسعر أرخص، ولونسبيا، من سعر التجار!
علي عبود
غلوبال